شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر غضبا عارما بعد محاولة أهالي قريتين بمحافظة الدقهلية منع دفن طبيبة توفيت بفيروس كورونا خوفا من انتقال العدوى.
واضطرت الشرطة إلى إيقاف 23شخصا وإطلاق الغاز المسيل للدموع على آخرين حتى تتمكن وزارة الصحة من دفن الطبيبة.
وتظهر مقاطع مصورة تجمهر الأهالي أمام سيارة الإسعاف التي نقلت جثمان الطبيبة لدفنه في مقبرة يمتلكها زوجها في قرية شبرا البهو.
وأمام تعنت الأهالي، اتجهت سيارة الإسعاف نحو قرية ميت العامل المجاورة لدفن السيدة في مسقط رأسها، غير أن المشهد نفسه تكرر بعد اعتراض الأهالي هناك على دفنها.
وعلى إثره، عادت سيارة الإسعاف أدراجها إلى قرية شبرا البهو، حيث تمكنت من دفن الطبية بعد تدخل الشرطة.
تصرف مخز أم خوف مبرر؟
وأبدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي استيائهم من تصرف الأهالي، ووصفوه بغير الإنساني والمخزي.
واعتبر مدونون ونشطاء أن خوف الأهالي من انتقال العدوى لهم من سيدة متوفية يدل عن جهلهم وتأثرهم بالخرافات، مشيرين في الوقت ذاته إلى تجمعهم في مكان واحد سيسهم في انتقال العدوى أكثر.
وبدورها، أصدرت مؤسسة الأزهر فتوى تحرم أي إساءة للمتوفين أو المصابين بكورونا.
كما أكد مفتي مصر شوقي علام أنه لا يجوز التنمر على مرضى كورونا أو التجمهر والاعتراض على دفن من سماهم بشهداء فيروس كورونا.
هبة إنسانية
وبعد ساعات من حادث الدقهلية المأساوي، توالت المبادرات التي أعرب من خلالها مصريون عن استعدادهم للتبرع بمقابرهم الخاصة لدفن أي شخص توفي بفيروس كورونا.
من بين هؤلاء الممثل المصري عمرو سعد الذي عبر عن استنكاره لما حدث في شوبرا البهو، وأعلن فتح مدافن عائلته أمام جثامين الأطقم الطبية
كما بدا المشهد مغايرا في قرية شباس عمير بمحافظة كفر الشيخ، حيث تجمع الأهالي في المقبرة لتوديع قريبهم فاصطفوا في مسافات متباعدة مرتدين كمامات وقفازات طبية.
وتلقت الأسرة التعازي دون سلام أو عناق وقبل. وأشار مغردون من القرية إلى أطباء المنطقة وأسرة الفقيد نشروا تدوينات في مواقع التواصل تفيد بأنها لن تفتح منزلها لتقبل العزاء مخافة أن تنتقل العدوى بوباء كورونا، ودعت الأسرة الراغبين في تقديم التعزية باستعمال الفضاء الالكتروني، إذا أمكن.
ونوه مغردون بتلك المبادرات التي حفظت برأيهم كرامة الميت وأكدت على تكالف الشعب المصري وتمسكه بقيمه وأخلاقه.
وسبق أن واجهت دول عربية وأجنبية أزمة في دفن موتى كورونا، بعد تجمهر الأهالي في عدة مناطق رفضا لذلك.
كما أثارت صور لمراسم دفن جثامين الضحايا الذعر لدى الكثيرين، إذ دفع ارتفاع عدد الوفيات إلى تغيير طقوس الدفن في عدد من الدول الإسلامية.
وأظهرت مقاطع فيديو في إيران وفلسطين طواقم طبية تدفن بأكياس بلاستيكية في حفر تبدو أنها أكثر عمقا من القبور العادية دون حضور أي من ذوي الضحايا، ما أثار تساؤلات عما إذا كانت جثث المتوفين تنقل العدوى وعن كيفية تغسيل الجثث وتكفينها.
بينما أوضح مركز الأزهر الإعلامي أن إجراءات الدفن تجري وفق الشريعة الإسلامية مع مراعاة النصائح الطبية.
هل تنقل جثث المتوفين بكورونا العدوى؟
تؤكد منظمة الصحة العالمية، أن رفات الموتى لا تنقل عدوى كوفيد-19 وتنصح المسؤولين عن التعامل المباشر مع الجثامين باتباع التدابير اللازمة وارتداء معدات الوقاية المناسبة، مثل القفازات والسترات المانعة للماء والكمامات الطبية وواقيات العينين.
وهذا ما أيده خبير الأحياء الدقيقة، محمد المدادحة في حديثه مع مدونة بي بي سي ترند: “إذا اتبعنا الخطوات اللازمة فلن تشكل جثث المتوفين أي خطر لأنها بطبيعة الحال لا تتنفس ولا تفرز أي سوائل قد تنقل عدوى كورونا”.
ويشرح: “فالمرض يعتمد على الخلايا الحية لكي يعيش وينتقل عبر السعال والرذاذ المنتشر في الهواء. لذلك لن يبق حيا في جسد الإنسان بعد وفاته سوى لبضع ساعات”.
ويضيف المدادحة: “كما نعرف طرق الدفن والتكفين تختلف من بلد إلى آخر ولكن الهدف من التغسيل هو التخلص من أية سوائل قد تكون موجودة على الجسم وتسبب في نقل العدوى”.
ويختم مشددا: “سيكون التعامل مع الجثامين آمنا إذا اتخذ الشخص كافة التدابير الوقائية التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية عند إتمام عملية الغسل والتكفين”.
وبالعودة إلى أحداث الدقهلية، قرر محافظ الدقهلية إطلاق اسم الطبيبة المتوفاة سونيا عبد العظيم على إحدى المدارس بقريتها في المحافظة، تكريما لها على محاربتها فيروس كورونا خلال عملها وإصابتها ووفاتها بعد ذلك، حسبما نقلت بعض الصحف المحلية.
في حين أشارت صحف أخرى إلى أن الطبيبة المتوفاة متقاعدة وقد أصبيت بالعدوى من ابنتها المقيمة في اسكتلندا والتي زارت والدتها في فبراير/ شباط الماضي.
من ناحية أخرى، طالب مغردون مصريون بإحالة كل من يعترض إجراءات دفن مريض كورونا إلى محاكمة عاجلة وفرض غرامة مالية على كل شخص يعتدي بالقول أو الفعل على أي طبيب أو عامل في القطاع الصحي.
“لا للخرافات كورونا ليس عارا”
وقبل أيام، انتشر مقطع مصور لطبيبة مصرية تشكو فيه جيرانها الذين “يتنمرون” عليها بسبب عملها في مستشفى يأوي مصابين بالوباء.
وتعاطف رواد من مواقع التواصل الاجتماعي ممن نادوا بضرورة تثقيف الناس بأن فيروس كورونا ليس وصمة عار على جبين المصابين به ومخالطيهم والتصدي للشائعات التي تطال المتعافين أو تنال من حرمة المتوفين بسببه.
ويرى مغردون أن ما حدث في الدقهلية مرده عدة أسباب أهمها، ثقافة الخوف وانتشار الخرافات والأخبار المغلوطة.
ويلوم كثيرون بعض وسائل الإعلام وجهات رسمية ويعتبرون أنها أسهمت في نشر الخرافات بقصد أو غير قصد.
وعلقت إحداهن: “لنلقي نظرة على بعض البرامج الكوميدية التي تعتمد على النكات فتقع في فخ الاستهزاء بمرضى كورونا أو التقليل من جهود الحكومة الرامية للسلامة. ولا يمكننا أيضا أن نغفل المعلومات التي نشرهتا بعض الشخصيات الموثوقة دون تفحص”.
ومن بين أغرب الشائعات التي انتشرت في الآونة الأخيرة هي إمكانية تفشي الفيروس عن طريق شبكة الجيل الخامس للاتصالات. ومن بين من روجوا لتلك المعلومة الخاطئة مفتي مصر السابق علي جمعة.
وسارعت منظمة الصحة العالمية إلى نشر تغريدة تدحض كلام جمعة حول تفشي الفيروس عبر شبكات الاتصالات.
ويرى كثيرون أن الحل لمواجهة الخرافات، التي من شأنها إرهاب الناس، لا يقتصر فقط على المراقبة والمحاسبة بل في تكثيف حملات التوعية بما يساعد على تجاوز الأزمة وتجنب ما وقع في الدقهلية وغيرها من حوادث مشابهة.
لذا قرر أطباء ونشطاء إطلاق وسم “خرافات فيروس كورونا” رصدوا من خلاله الشائعات المتداولة حول مرفقة بمعلومات علمية تدحضها .