كشفت مصادر ذات صلة أن بنك الكويت المركزي عين المستشار العالمي شركة «ماكينزي أند كومباني» الأميركية لوضع الأطر الفنية والتشغيلية اللازمة لتأسيس بنوك رقمية في الكويت، بما يؤدي لفتح المجال أمام شركات جديدة لتقديم الخدمات المالية، استقامة مع أهداف برنامج تطوير القطاع المالي.
وبينت المصادر أنه تم الطلب من «ماكينزي» بناء إطار تنظيمي لعمل البنوك الرقمية في الكويت، على أن يتضمن ذلك المستهدفات الرئيسية للشركات العاملة في القطاع، ودورها في تعزيز منظومة الابتكار بالخدمات المالية، وتحديد ماهية المنافسة التي ستوجدها محلياً، والقيمة المضافة التي ستقدمها للمساهمة في نضوج القطاع المالي رقمياً.
رأس المال
وذكرت أن البنوك الرقمية ستخضع لجميع متطلبات الإشراف والرقابة المطبقة على البنوك العاملة في الكويت، وتأكيد الجوانب التقنية والأمن السيبراني ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والمخاطر التشغيلية، مبينة أنه من غير المحدد حتى الآن رأس المال المطلوب بالضبط لتأسيس بنك رقمي في السوق المحلي.
وأوضحت المصادر أن التجهيز الرقابي لمَنح ترخيص لبنوك رقمية بالكويت، يُعد خطوة تتماشى مع دور «المركزي» باستكمال إجراءات النضوج المالي، ومواكبة آخر تطورات القطاع المالي عالمياً، لتمكين الشركات المالية من دعم نمو القطاع الخاص، وفتح المجال أمام شركات جديدة تقدم الخدمات المالية رقمياً، سواء للمواطنين أو للشركات، بما يستقيم مع مستهدفات رؤية الكويت 2035.
ولفتت المصادر إلى أن «المركزي» يستهدف تطوير بنية تحتية رقمية محلية أكثر كفاءة، مع تشجيع ريادة الأعمال وخلق فرص العمل في القطاع المالي، مبينة أنه يتعين وضع لوائح محددة تنظم عمل هذه الكيانات والمطلوب منها تحديداً، ليعقب ذلك مرحلة فتح التراخيص للجهات والشركات الراغبة في تأسيس بنك رقمي محلي وفقاً للمعايير التي سيتم إقرارها.
بنوك التقنية
من حيث المبدأ هناك فارق كبير بين البنوك التقليدية والأخرى الرقمية، فالأولى تَعتمد بشكلٍ كبير جداً في تقديمها لخدماتها المصرفية لعملائها على الفروع التقليدية أو كما يسميها البعض بالبنوك الأرضية، وهي تَعتمد بشكل أكبر في تقديمها لخدماتها المصرفية لعملائها على الأقل منذ بدايات نشأتها على مستوى العالم على شبكة الفروع، وبالذات بنوك التجزئة.
أما المصارف الرقمية فهي البنوك التقنية المرتبطة بالمنصات الإلكترونية والتطبيقات الذكية، أو بشكل أوضح وأدق على الشبكة العنكبوتية بما في ذلك التواصل مع عملائها.
ومع التطور غير المسبوق عالمياً على مستوى جودة ونوعية الخدمات المقدمة للعملاء خلال الفترة الماضية، ومن حيث التوسع في الخدمات المصرفية الإلكترونية باستخدام التطبيقات الذكية وشبكة الإنترنت، برزت الحاجة المالية لتأسيس بنوك رقمية، رغم أنه لدى جميع البنوك الكويتية شبكة خدمات إلكترونية، ولدى غالبيتها فروع رقمية (Digital Branches) تقدم للعملاء مختلف أنواع الخدمات المصرفية، من إيداع، وسحب، وتحويل، وسداد فواتير ورسوم وغير ذلك من الخدمات.
لعبة المنافسة
وحول رؤية الكويت للبنوك الرقمية، وما إذا كانت ستغير في لعبة المنافسة المصرفية المشتعلة أصلاً بسبب ضيق السوق المحلي؟ أفادت المصادر بأنه ليس ضروريا أن تنشأ البنوك الرقمية لتنافس البنوك التقليدية على أعمالها الحالية، بل قد تقدم هذه الكيانات نموذجاً مصرفياً يستهدف شريحة غير رئيسية من العملاء أو تقدم أعمالا مالية للعموم ولكنها ليست من أولويات عمل المصارف حالياً.
وذكرت المصادر أنه بخلاف البنوك التقليدية التي تركز في أعمالها وخدماتها على أصحاب الثروات والعملاء مرتفعي الرواتب، قد تأتي الكيانات الرقمية برؤية جديدة لعالم المال والأعمال، من خلال تقديم تجربة مصرفية تركز على أصحاب الرواتب المتدنية، وتحويلاتهم، ومختلف معاملاتهم الأخرى، علاوة على مدفوعات الخدمات المختلفة.
ولفتت إلى أن البنوك الجديدة التي طرحت حتى الآن تنافس من خلال تقديم عروض مصرفية حديثة، مصممة خصيصاً للهواتف الذكية والعالم الرقمي، باعتبار أنه سوق مفتوح لا يحظى حتى الآن بمزاحمة مصرفية.
ويذكر أن مجلس الوزراء السعودي وافق الشهر الماضي على الترخيص لتحويل شركة المدفوعات الرقمية السعودية (STC Pay) لتصبح بنكاً رقمياً محلياً لمزاولة الأعمال المصرفية في المملكة برأسمال يبلغ 2.5 مليار ريال (بنك إس تي سي)، وللبنك السعودي الرقمي ـ تحت التأسيس، برأسمال 1.5 مليار.
5.796 تريليون دولار خدمات مصرفية رقمية بـ2027
وفقاً لتقرير شركة «تشالنجر إنسايدر»، بلغ حجم سوق الخدمات المصرفية الرقمية العالمية 2.893 تريليون دولار في 2018، ويتوقع وصوله إلى 5.796 تريليون دولار بحلول 2027، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 8.9 في المئة خلال الفترة المتوقعة، فيما يوجد حالياً أكثر من 400 بنك رقمي في جميع أنحاء العالم.
ولا تزال السوق تنمو بسرعة من حيث العدد والحجم في ظل ظروف تحول استثنائي قلما مر بها العالم من قبل.
ولفت إلى أن معظم إن لم يكن جميع المؤسسات المالية وغير المالية، بما في ذلك الحكومية، وبالذات الخدمية تتجه بقوة إلى استخدام التقنيات الحديثة في الاتصالات اللاسلكية لتقديم خدماتها لعملائها والمتعاملين معها، في ظل انتشار الشبكات الرقمية المتاحة على نطاق واسع وبأسعار زهيدة.
مزايا وتحديات الرقمنة
هناك توافق عالمي على أن التوسع في البنوك الرقمية سيحقق إيجابيات عدة، أبرزها توفير الجهد والوقت على العميل، كما أنه يعول على أن يخفض التعامل مع البنوك الرقمية بفاعلية من التكاليف التشغيلية بسبب توظيف وتسخير التقنية وعدم الاعتماد على شبكة الفروع كالبنوك التقليدية، الأمر الذي سينعكس بدوره على العميل على هيئة انخفاض في أسعار الخدمات.
وفي المقابل هناك تحديات من البنوك الرقمية، أهمها الالتفات والاهتمام بتوفير أقصى درجات الحماية والأمن المعلوماتي، تفادياً لوقوع العملاء في فخ العمليات الاحتيالية، وأيضاً تجسير وتضييق هوة التواصل مع العملاء والتعرف على احتياجاتهم عن قرب، والتي من المحتمل أن تحدث نتيجة للاعتماد كلياً وبشكل مبالغ فيه ومفرط على التعاملات الافتراضية والرقمية.