هل يجوز فرض رسوم أو بدلات جديدة على قسائم أملاك الدولة المتعاقد عليها مع القطاع الخاص لإدارتها قبل صدور اللائحة المطبقة حالياً أم لا يسري الرسم بأثر رجعي؟
هذا السؤال ليس افتراضياً، بل محلّ جدل واسع أثير أخيراً مع ديوان المحاسبة، بعد تكرار تسجيل ملاحظاته على العقود القديمة وتحديداً الموقعة قبل القرارات الوزارية المنظمة للقيمة الإيجارية، والتي أقرّت اللائحة المطبقة حالياً لتأجير هذه القسائم.
ويرى مسؤولو «ديوان المحاسبة» ضرورة استيفاء جدول الرسوم الجديدة بأثر رجعي على العقود المبرمة قبل القرارات المنظمة في حين يخالف الرأي القانوني هذا التوجه، مؤكداً تحصيل البدلات المطبّقة عند التعاقد مع مستثمري هذه العقود على أن يسري ذلك على الفترة المتبقية من العقود القائمة.
ورغم الدفع القانوني من الجهات الحكومية المعنية بهذه التعاقدات بمخالفة تطبيق لائحة الرسوم بأثر رجعي باعتبار أن القسائم محل النقاش مؤجرة قبل صدور جدول البدلات الحالية، إلا أن «ديوان المحاسبة» مُصر على تسجيل الملاحظة نفسها، ما يضعها إدارياً تحت مجهر مخالفة التعليمات الرقابية وتكرارها باستمرار.
وتعزز الجهات موقفها عدم صحة إحداث أي تغيير في تسعير القسائم المؤجرة قبل صدور القرارات المنظمة للتسعيرة الحالية بالموقف القانوني القوي للمستثمرين والذين اﻋﺘﺮﺿوا ﻋﻠﻰ إلزامهم بدفع اﻟﺮﺳﻮم اللاحقة لتعاقداتهم، على أساس أن عقودهم سابقة للقرارات المنظمة لجدول التسعير الحالي وليست لاحقة، وأنه يتعيّن التعامل معهم في ما تبقّى من آجال عقودهم على أساس اللائحة السارية عند التعاقد معهم.
ولفك الشرباكة الرقابية مع «ديوان المحاسبة» جاء اللجوء إلى إدارة الفتوى والتشريع التابعة لمجلس الوزراء لاستشراف رأيها حول مدى انطباق قرارات بدلات التخصيص الحالية على قسائم أملاك الدولة المتعاقد عليها مع مستثمرين قبل صدورها.
وإلى ذلك، أفادت «الفتوى» بأن البدلات الجديدة تسري فقط على العقود التي يتم إبرامها أو تجديدها منذ تاريخ العمل بأحكام القرارات الصادرة في شأن بدل التخصيص للقسائم.
ولفتت «الفتوى» في معرض ردها إلى أن لائحة بدلات التخصيص الصادرة قضت بالإبقاء على بدلات التخصيص للقسائم المؤجرة من الباطن للغير.
وإلى ذلك، يكتسب الرأي القانوني في هذا الخصوص وجاهته على أنه من المقرر فقهياً وقضائياً أن القرار الإداري متى استوفى أوضاعه ومقوماته فإنه يعتبر نافذاً، ويسري بأثر فوري ومباشر على الوقائع والمراكز القانونية التي تقع بعد العمل به، ولا يسري في الأصل بأثر رجعي، إعمالاً لقاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية إذ إن المساس بالحقوق المكتسبة لا يكون إلا بقانون ينص على الأثر الرجعي.
وبناءً على القياس فإنه لا يجوز تطبيق القرارات المنظمة للقيمة الإيجارية الحالية على العقود السارية على أملاك الدولة المؤجرة قبل نفاذها.
أما بالنسبة للعقود المبرمة مع مستثمرين قبل قرار جدول التسعير الحالي فإن الجهة الحكومية تكون محددة بالالتزام بالقيمة المتعاقد عليها طوال سنوات العقد، مع عدم المطالبة بجدول البدلات الحالي، إلا بعد انتهاء فترة التعاقد، وتجديد العقد مرة ثانية، سواء مع المستثمر نفسه أو مع غيره، حيث يتوجب وقتها تطبيق الرسم الحالي.
وأكدت مصادر ذات صلة أن النقاش المفتوح في هذا الخصوص تضمن الإشارة إلى أن تطبيق الرسوم القديمة على عقود أملاك الدولة السابقة للقرارات المنظمة يحقق أهدافها التي تم التعاقد بناءً عليها، ما يستبعد معه الحاجة القانونية والفنية لإحداث أي تغيير يخالف الرأي القانوني في هذا الخصوص، موضحة أن المبالغة في فرض الرسوم على عقود أملاك الدولة بما لا يجب قانوناً يُعرّض الجهات الحكومية لمنازعات قانونية غير مستحقة مع المستثمرين القائمين، ما يزيد مخاطر تعرض الحكومة لموجة تعويضات مدعومة بسلامة التعاقد.
كما أن فرض الرسوم بأثر رجعي من شأنه إضعاف شهية المستثمرين المحتملين، أجانب ومحليين، على ضخ تدفقات جديدة، تفادياً للتعرّض مستقبلاً لتقلب الإجراءات المطبقة عليهم.