رغم الازمات الامنية والسياسية والاقتصادية الخطيرة التي تعرض لها العراق منذ اكثر من خمسة اعوام فانه نجح عبر سياسات البنك المركزي العراقي في الحفاظ على سعر صرف ثابت ومستقر للدينار العراقي مقابل الدولار.
شهد العراق منذ اكثر من خمسة اعوام سقوط ثلث مساحته بيد ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في عام 2014 اعقبتها حرب لتحرير المدن انهكت خزينة الدولة بشراء الاسلحة وتعيين المتطوعين وسط تراجع قياسي في اسعار النفط التي تعد الممول الرئيس للخزينة العراقية. وما ان انتهت الحرب ضد (داعش) وانتعش سوق النفط قليلا حتى تفجرت احتجاجات شعبية واسعة في مدن جنوب البلاد ولا تزال حتى الآن ركزت معظمها على مطالب اقتصادية لن تحل الا باطلاق المزيد من التمويل الحكومي لانجاز مشاريع خدمية او تعيين عاطلين وسط تلكؤ في تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات النيابية الاخيرة.
ورغم كل تلك الاحداث وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد العراقي فان سعر صرف الدينار العراقي الرسمي بقي مستقرا عند 1190 دينارا للدولار الواحد طيلة تلك المدة فيما تراوح السعر في السوق المحلية ومكاتب الصيرفة ما بين 1200 الى 1250 دينارا للدولار.
ولعل العامل الايجابي الوحيد في تلك المدة هو انتاج وتصدير النفط العراقي والذي بقي رغم كل تلك الازمات محافظا على تدفقه في الاسواق العالمية بل حقق زيادة ملحوظة من قرابة 2.5 مليون برميل يوميا في منتصف عام 2014 الى اكثر من 3.5 ملايين برميل يوميا في يوليو الماضي وفقا لبيانات رسمية.
في هذا السياق، قال المستشار الاقتصادي في رئاسة الوزراء العراقية الدكتور مظهر محمد لوكالة الانباء الكويتية (كونا) ان الاقتصاد العراقي مدعوم بتدفقات مالية قوية، حيث يسجل الحساب الجاري لميزان المدفوعات فائضا نسبيا ساهم في دعم الدينار.
واضاف ان العامل الآخر الذي دعم استقرار العملة العراقية هو تعاظم احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة، والذي ارتفع في غضون الاشهر العشرة الاخيرة فقط من 41 مليار دولار الى 58 مليار دولار، وهو ما يغطي 15 شهرا استيراديا في حين لا يتطلب المقياس العالمي سوى ثلاثة اشهر استيرادية فقط.
ونوه محمد بسياسة البنك المركزي العراقي الذي، استطاع ان يستخدم احتياطياته من العملة الصعبة في الدفاع عن استقرار سعر صرف الدينار العراقي بطريقة عقلانية وذكية في ظل ظروف صعبة.
وتابع قائلا «انه على الرغم من ان السياسات النقدية غالبا ما تكون قصيرة الامد فان سياسة البنك المركزي في المدى المنظور قوية ومستقرة وتتسم بقدر عال من الشفافية وتتدخل بالسوق في الوقت المناسب دائما».
واعرب عن الثقة بمستقبل الدينار العراقي قائلا «سيبقى الدينار قويا وستبقى هناك موازنة بين سعر الصرف والحفاظ على الحدود المرسومة ضمن الخطوط الخضراء للاحتياطيات الاصولية للدينار».
من جهته، قال مدير المكتب الاعلامي للبنك المركزي العراقي ايسر جبار في حديث مماثل لـ «كونا» ان البنك اتخذ جملة اجراءات مهمة للحفاظ على سعر الصرف في السوق المحلية وكان ابرزها تطوير عمل نافذة بيع العملة الصعبة في البلاد.
واضاف ان نافذة بيع العملة هي النافذة التي يبيع بها البنك المركزي العراقي الدولار للمصارف الحكومية والاهلية والتي تقوم بدورها ببيعه للشركات الراغبة في الاستيراد بالعملة الصعبة او للعراقيين الراغبين في السفر الى الخارج لاغراض العلاج او الدراسة.
وبين جبار ان اهم اجراءات تطوير عمل النافذة هي انتهاج طريقة التعامل المباشر مع الوثائق المقدمة من الزبائن او التجار الراغبين في شراء الدولار وتدقيق قوائم وفواتير السلع المراد استيرادها ليضمن بذلك وصول الدولار الى التاجر مباشرة ويقضي على الحلقات الوسيطة التي كانت تتلاعب بسعر الصرف.
واشار الى ان التاجر كان يضطر في السابق لاتباع عدة خطوات حتى يصل الى الدولار ليستورد به بضاعته وهو ما فتح المجال حينها امام الكثير للقيام بعمليات المزايدة التي تؤدي لرفع سعر الصرف. واضاف ان البنك نجح كذلك بالحد من عمليات غسل الاموال والتي تعد سببا من اسباب تذبذب سعر الصرف فضلا عن مخاطرها الامنية والاقتصادية الاخرى.
ولفت الى ان نجاح بلاده في مكافحة غسل الاموال دفعت مجموعة العمل المالي الدولية (اف ايه تي اف) المعنية بمراقبة غسل الاموال وتمويل الارهاب الى اخراج العراق من قائمة الدول الخاضعة للمراقبة.
واوضح ان بلاده انجزت جميع توصيات مجموعة العمل المالي وعالجت متطلبات استراتيجية مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب، بالاضافة الى قيامها بتشريع قانون خاص بمكافحة غسل الاموال وتأسيس مجلس مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب.
وذكر ان الدينار العراقي اليوم مدعوم بـ58 مليار دينار من احتياطي العملة الصعبة وباكثر من 89 طنا من الذهب وكلها عناصر تعزز من قوته وتحافظ على استقرار سعر صرفه.
واكد ان البنك المركزي العراقي وهو المسؤول عن تنظيم السياسة المالية والنقدية في البلاد ماض في اجراءات الحفاظ على سعر الصرف، فهو يسعى لان يكون الدينار العراقي مستقرا وثابتا رغم كل ما يشهده العراق من احداث سياسية واقتصادية.