فيما كان محقق مخفر شرطة شرق يلملم أوراقه في قضية جريمة قتل، استعدادا لبدء رحلة البحث عن القاتل، جاءه الرد سريعا من الجاني ان «خزّة» كانت وراء ارتكابه الجريمة، ليغلف المحقق ملف القضية بكلمة واحدة، ويحيلها على النيابة العامة.
ومن الملاحظ أن ظاهرة العنف تتصاعد في المجتمع الكويتي، إذ سجلت أرقاما مرتفعة في النصف الاول من العام الحالي، ولم تجد حلولا حقيقية من قبل الدولة بعد أن بلغت جرائم القتل خلال هذه الفترة 260 جريمة قتل واعتداء على النفس، فيما بلغ عدد قضايا الجنايات خلال النصف الاول من العام الحالي من حالات خطف وقبض وحجز 124 قضية، أما حالات الاعتداء على العِرض والسمعة، فبلغت 93 حالة، والاعتداء على مال الغير 762 قضية، وسجلت حالات سرقة البنوك 204 قضايا، و907 قضايا مخدرات وخمور.
وفي نظرة تحليلية سريعة، ارتفع اجمالي عدد القضايا خلال النصف الاول عن العام السابق بنسبة 3 في المئة، وشكلت جرائم الاعتداء على المال زيادة ملحوظة وغير طبيعية، بنسبة 7 في المئة.
وتعليقا على هذه الأرقام، قال الأستاذ في جامعة الكويت الدكتور محمد الكندري إن «ظاهرة العنف نجدها متكررة وكذلك موجودة في الحياة الزوجية بين الأزواج، والعنف يشمل الكلام باللسان او التعدي باستخدام اليد او اي شيء آخر، ومن كلمات العنف السب والشتم والسخرية والتحقير، وكذلك استخدام اليد بالضرب أو حتى استخدام حركة معينة في اليد المقصود بها تحقير الطرف الاخر أو السخرية منه».
وأضاف «للأسف صار العنف ظاهرة نجدها في معظم الأماكن، وقبل فترة كنت في السجن المركزي لالقاء محاضرة للمساجين، واكتشفت من بين الموجودين شابا حكم عليه بالسجن لانه قتل شخصا كان ينظر اليه باستمرار، فقام الشاب وتهاوش معه فقط بسبب النظرة إليه، وتوفي الطرف الاخر بسبب الاشتبـــــاك الشـــديد، وهـــذا يدل على ان البعض لا يتحمل حتى النظر اليه، ومن النتائج السلبية لتلك الظاهرة ان الطلبة اصبحوا عدوانيين اكثر وانعدم عندهم اسلوب الحوار والتفاهم».
وأشار الكندري إلى أن «الجهات الحكومية لها دور كبير في عمل محاضرات مستمرة للمدارس والاستعانة بصاحب الخبرات من المساجين لينقلوا لهم تجاربهم وكيفية تخفيف العنف، وعمل دورات تدريبية للطلبة في كيفية تخفيف الغضب، واشراك الشباب بأنشطة رياضية للتخفيف قدر الإمكان من استخدام الألعاب الإلكترونية ذات الطابع العنفي».
في سياق ذي صلة، توصلت دراسة حديثة إلى مؤشرات خطيرة تتعلق بالآثار التي تسببها وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه الدراسة بعنوان «دور وسائل التكنولوجيا الحديثة في انتشار العنف والمخدرات، وهي دراسة تطبيقية محكمة علمياً»، وقد ناشدت الدراسة كل أطياف المجتمع إلى ضرورة مراقبة الأبناء والتعرف على دور وسائل التكنولوجيا الحديثة في انتشار العنف والمخدرات.
وقال الخبير الدولي في الأمم المتحدة بمجال المخدرات والمؤثرات العقلية الدكتور عايد الحميدان، إن الدراسة وضعت آلية جديدة لمعالجة المشكلات الاجتماعية والنفسية، في ضوء المصارحة المطلقة مع كل مؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية، وهو دور مكمل لما سعت له الهيئة العامة للرياضة من أجل حماية الشباب من المشكلات التي تعترضهم بصفة عامة، وخاصةً مع تنامي معدلات العنف وانتشار المخدرات، وكذلك تنامي خطر الاستخدام السلبي لوسائل التكنولوجيا الحديثة، الذي يساهم في تنامي ظاهرة العنف الاجتماعي حتى لا يستغل أفراد المجتمع في بعض هذه المواقع، وخاصةً تلك المواقع التي تنشر الجريمة، وتدعو لممارسة العنف، وتعرض طرق تحضير المخدرات وأساليب تهريبها والترويج لها.
وطالب الحميدان «بالاهتمام بطاقات الشباب الإبداعية، وصقل خبراتهم في تصميم البرامج والصفحات والمواقع الالكترونية، ومحاولة البحث عن الوجه المشرق في هذه الوسائل وفق الإطار السليم، لتحقيق نظرة مستقبلية تجذب أقرانهم للاستفادة منها، وتبادل الخبرات الايجابية في ما بينهم، إضافة إلى سرعة إدراج المواد المخدرة أو المنشطة المستحدثة والجديدة، ومنها مواد الكيميكال، في جداول المخدرات لمواكبة التطور السريع في تنامي مشكلة المخدرات، وبالفعل تم إدراج الكيميكال ومشتقاته في قانون المؤثرات العقلية العام 2016».
كما طلب «الإسراع بإنشاء مؤسسات تدعم الأسر التي تعرضت لمشكلات العنف والمخدرات، حمايةً لبقية أفرادها، على أن تضم هذه المؤسسات أخصائيين اجتماعيين وأخصائيين نفسيين قادرين على العلاج النفسي والاجتماعي، ورجال قانون يقومون بتوضيح الحقوق القانونية لهم، كما يجب أن توفر أماكن خاصة تحت إشراف مؤسسات الدولة المختصة ومؤسسات المجتمع المدني، لمن ابتعدوا عن ارتكاب الجريمة بصفة عامة، أو توقفوا عن ممارسة العنف، أو من تعافوا من تعاطي المخدرات، وخاصةً الذين لا تقبل أسرهم برجوعهم إليها وتحذير الأبناء من مشاهدة مناظر العنف سواءً على شبكة الانترنت أو من خلال مقاطع الفيديو أو المواقع الأخرى حتى لا يتقمصوا العنف، ويصبح سلوكاً مرغوباً فيه».
وأشار إلى أن الدراسة دعت الهيئة العامة للرياضة لرعاية الشباب، والتعاون مع كل مؤسسات المجتمع من أجل حماية شباب المستقبل من الأزمات والأخطار والمشكلات والجريمة، وتضع كل جهودها من أجل البحث عن السبل الواقعية التي تبعد كل أفراد المجتمع عن ممارسة العنف أو تجريب المخدرات بأنواعها.
وبين الحميدان أن كل الدراسات التي تهتم بمشكلتي العنف والمخدرات، أكدت أن مواجهة هذه المشكلات تحتاج إلى حس وطني يدعمه الوازع الديني لتقوية روابط وعناصر المجتمع، وحمايته من خطر هذه الآفات، ولعل المسؤولية التي يجب ألا تغيب عنا هي أن «أمن وطننا الحبيب وحماية أفراد المجتمع فوق كل اعتبار»، وأن الشباب الواعد والفئات المنتجة هم مركز طاقتنا وإشعاع النور الذي يخدم المجتمع، ويحفظ كيانه.
شاهد أيضاً
«الشؤون»: تأكدوا من التبرع للجمعيات الخيرية المعتمدة.. وبالوسائل المصرح بها
أهابت وزارة الشؤون الاجتماعية بالمواطنين والمقيمين التأكد من التبرع للجمعيات الخيرية المعتمدة والمسجلة لديها. ونوهت …