كثُرت في الفترة الأخيرة تحذيرات السفارة الأميركية لرعاياها، من تلوّث هواء الكويت، حيث تقوم السفارة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، بمتابعة ونشر تركيزات الجسيمات الدقيقة المتنفّسة PM2.5 في الهواء على مدار الساعة.
وقبل الدخول في صلب الموضوع، نحتاج شرح ماهية تلك الجسيمات ومعرفتها، ومصادرها.
هي جسيمات مجهرية، يصل عرضها إلى 2.5 ميكرون، ويقل قطرها 30 مرة عن قطر شعرة الإنسان. عندما ترتفع مستوياتها، تشكل هذه الجسيمات ضبابا في الجو، وتدخل إلى الجهاز التنفسي للإنسان وتنفذ إلى الرئتين، مسبّبة كثيراً من الأمراض المزمنة مع طول فترة التعرّض لها، كما أنها تعد أحد أسباب الإصابة بسرطان الرئة.
ووفق تقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن حوالي 7 ملايين شخص يموتون كل عام بسبب التعرُّض لجسيمات دقيقة في الهواء الملوَّث، تتغلغل عميقًا داخل الرئتين ونظام القلب والأوعية الدموية، ما يتسبّب في أمراض تشمل السكتة الدماغية، وأمراض القلب، وسرطان الرئة، وأمراض الانسداد الرئوي المزمن والتهابات الجهاز التنفّسي، بما في ذلك الالتهاب الرئوي.
أما بالنسبة إلى مصادر تلك الجسيمات، فمن الممكن تقسيمها إلى مصادر خارجية ومصادر داخلية؛ فالمصادر الخارجية تأتي في المقام الأول من السيارات والشاحنات والحافلات وعربات ومعدات البناء، بالإضافة إلى المشاريع الإنشائية والدخان الصادر عن المداخن البيتية والصناعية، والعواصف الترابية والرملية، كما أن أحد أهم مصادر تلك الجسيمات بشكل عام هو تفاعل الغازات أو القطيرات في الغلاف الجوي من مصادر، مثل محطات توليد الكهرباء ومنشآت إنتاج ومعالجة النفط والغاز وغيرها، وليس بالضرورة أن تحدث هذه التفاعلات بالقرب من مصدرها، فربما تحدث على بعد كيلو مترات من مصدر الانبعاث الأصلي، حيث تنتقل محمولة بفعل الرياح عابرةً للحدود من دولة إلى دولة أخرى مجاورة.
أما بالنسبة الى المصادر الداخلية لتلك الجسيمات فهي بسيطة ومتعددة، مثل أدخنة التبغ وأبخرة الطهي والقلي، أو حرق الشموع أو مصابيح الزيت، بالإضافة إلى أي نشاط تنتج عنه عمليات حرق وإشعال تؤدي الى توليد أبخرة أو أغبرة تنبعث في الهواء.
يعتبر مرصد السفارة هو أحد المراصد المنتشرة حول مدن العالم والتابعة لمشروع «مؤشر جودة الهواء العالمي»، وهو مشروع غير ربحي بدأ في عام 2007. وتتمثل مهمته في تعزيز الوعي بتلوث الهواء بالنسبة الى المواطنين وتوفير معلومات نوعية الهواء الموحدة في جميع أنحاء العالم، ويؤمّن هذا المشروع وجود معلومات شفافة لجودة الهواء لأكثر من 80 دولة، تغطي أكثر من 10000 محطة في 1000 مدينة رئيسة، عبر هذين الموقعين aqicn.org و waqi.info، ويقع هذا المرصد تحديداً في مقر السفارة الأميركية في القطعة 13 من منطقة بيان، وهي المنطقة المحصورة بين طريق الملك فهد بن عبدالعزيز (طريق 40) وطريق عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (طريق 30).
ويعتمد مؤشر جودة الهواء هذا على قياس الجسيمات PM2.5 وPM10، والأوزون O3، وثاني أكسيد النيتروجين NO2 وثاني أكسيد الكبريت SO2 وأول أكسيد الكربون CO، ويقوم معظم المحطات الموجودة على الخريطة بمراقبة بيانات كل من الجسيمات PM2.5 وPM10، ولكن إذا ما اخترنا دولة الكويت للاطلاع على النتائج الساعية واليومية للمؤشر فسنجد أن المؤشر في دولة الكويت يقوم بقياس الجسيمات الدقيقة المتنفّسة PM2.5 فقط، ولا يعطي أي نتائج لباقي الملوثات.
مؤشّر الجودة والألوانتلوث
ويعتمد مؤشر جودة الهواء المستخدم هنا على معايير وكالة حماية البيئة الأميركية US-EPA حيث تم تقسيم نتائج المؤشر إلى عدة ألوان، بحيث يشير كل لون منهم إلى درجة خطورة التلوث، وهي على الترتيب: الأخضر (جيد)، الأصفر (معتدل)، البرتقالي (غير صحي لمن يعانون حساسية الجهاز التنفسي)، الأحمر (غير صحي)، البنفسجي (غير صحي للغاية)، البني (خطير).
الفرق بالمعايير بين أميركا والكويت
وبالعودة لأصل اللغط والقلق، الذي انتشر مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي مثل Twitter وInstagram وغيرها، حيث تم الاستعانة بنتائج المرصد الخاص بالسفارة الأميركية للدلالة على أن هواء الكويت ملوث ولا يصلح للعيش الآدمي، فنحن هنا لسنا بصدد الهجوم أو الدفاع، ولكن ما يهمنا هو أن نوضح ما هو أكثر أهمية من الهجوم أو الدفاع، ألا وهو عقد مقارنة تفصيلية بين المعايير التي تبنى عليها نتائج المرصد التابع للسفارة الأميركية، وهي معايير وكالة حماية البيئة الأميركية US-EPA لجودة الهواء الخارجي وبين معايير الهيئة العامة للبيئة الكويتية K-EPA لجودة الهواء الخارجي.
نبدأ بالمعايير الأميركية، حيث ان قانون الهواء النظيف Clean Air Act الذي تم تعديله آخر مرة عام 1990 يتطلب من الوكالة وضع معايير جودة الهواء الخارجي الوطنية، وقد أصبحت الوكالة هي الجهة المصرح لها من قبل الكونغرس الأميركي إصدار وتعديل ومتابعة جميع القوانين واللوائح التي تعني بحماية البيئة، وقد تم سرد تلك المعايير تحت القسم 40 من كود اللوائح الفدرالية، حيث حدد القانون نوعين من المعايير ،الأول هو «المعايير الأولية» التي تعني بحماية الصحة العامة، بما في ذلك حماية المجموعات السكانية (الحساسة) مثل المصابين بالربو، الأطفال، والمسنين. «والمعايير الثانوية» التي تعني بالحماية الرفاهية العامة، بما في ذلك الحماية من انخفاض الرؤية والأضرار التي تلحق بالحيوانات والمحاصيل الزراعية والنباتات والمباني.
وعليه وبالمقارنة يتضح لنا ما يلي:
مقارنات ونتائج
1 – في حالة «المعايير الأولية» يسمح بتركيز 12 ميكروغراما لكل متر مكعب «متوسط سنوي، بمتوسط أكثر من 3 سنوات».
2 – في حالة «المعايير الثانوية» يسمح بتركيز 15 ميكروغراما لكل متر مكعب «متوسط سنوي، بمتوسط أكثر من 3 سنوات».
3 – في حالة المعيار المشترك (الأولي + الثانوي) يسمح بتركيز 35 ميكروغراما لكل متر مكعب «%98، بمتوسط أكثر من 3 سنوات».
أما المعايير الكويتية فقانون حماية البيئة رقم 42 لسنة 2014 والمعدل بعض أحكامه بالقانون رقم 99 لسنة 2015، وفيما يخص الحفاظ على جودة الهواء على وجه الخصوص فقد صدر عن الهيئة العامة للبيئة القرار رقم 8 لسنة 2017 بإصدار اللائحة التنفيذية في شأن حماية الهواء الخارجي من التلوث.
وكما يتضح من المقارنة فإن قيم التراكيز المسموحة للجسيمات الدقيقة المتنفسة (PM2.5) كالآتي:
1 – يسمح بتركيز 75 ميكروغراما لكل متر مكعب «%99 من أقصى تركيز خلال عام واحد).
وبعد عقد تلك المقارنة يمكننا فهم اللغز الذي حير الكثيرين، وأثار قلق وحفيظة العديد من المواطنين على العديد من منصات وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث إن هناك فرق 40 ميكروغراما لكل متر مكعب بين قيم التركيزات المسموح بها أميركياً وقيم التركيزات المسموح بها كويتياً، فبطبيعة الحال فإن معظم قراءات الرصد التي تقع ضمن حدود التركيزات المتوافقة مع اللائحة التنفيذية لقانون حماية البيئية الكويتي رقم 42 فإنها سوف تتخطى الحدود القصوى للتركيزات المسموح بها ضمن معايير جودة الهواء الخارجي الوطنية (NAAQS) الأميركية، وعليه فإن تقرير المرصد التابع للسفارة الأميركية الذي يعمل وفقاً للمعايير الأميركية سوف يشير في أغلب الأوقات إلى تلوث وعدم صلاحية جودة الهواء الكويتي.
مراصد الهيئة العامة للبيئة
تتبع الهيئة العامة للبيئة شبكة مكونة من 15 محطة إضافة إلى 13 محطة مساندة تختص بمراقبة ومتابعة ورصد جودة الهواء الخارجي في كل أرجاء دولة الكويت على مدار الساعة، وتمتد تلك الشبكة من شمال وحتى جنوب الكويت.
كما تمتلك الهيئة العامة للبيئة نظام معلومات الرقابة البيئية eMISK، وهو عبارة عن قاعدة بيانات موحدة وشاملة لجميع البيانات البيئية لخدمة الحكومة الإلكترونية البيئية، وتشمل 11 نطاقا بيئيا تغطي كل القطاعات البيئية والمظاهر المرتبطة بها، وتضم ما يزيد على 250 طبقة جغرافية محدثة ومعدة للاستخدام بالتطبيقات والتحليلات البيئية وصورا للأقمار الصناعية العالية الجودة تغطي دولة الكويت بالكامل وبيانات هائلة للرصد والمراقبة لأكثر من عشرين عاما.
مؤشر الأداء البيئي العالمي!
سجلت دولة الكويت قفزة نوعية في مؤشر الأداء البيئي العالمي الصادر عن مركز البيئة التابع لجامعة ييل الأميركية بتاريخ 23 يناير 2018 متبوؤة المركز الـ61 من مجموع 180 دولة خاضعة للتقييم، بعد أن كان تصنيفها بالمركز الـ113 في عام 2016.
التقرير يعدّه فريق من جامعتي ييل وكولومبيا الأميركيتين، وهو السابع في سلسلة تقارير تقييم الأداء البيئي التي تصدر كل سنتين بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي وعدد من الجهات المانحة.
ووفقاً لهذا التقييم الجديد فقد جاء ترتيب دولة الكويت الثاني خليجياً وعربياً في هذا المؤشر بعد دولة قطر حسب آخر تقرير صدر يوم 23 من يناير من العام الحالي عن المركز المذكور.
ما نود قوله هنا إن تصنيف الكويت على مؤشر الأداء البيئي العالمي لا يمكننا الاعتماد عليه مصدر طمأنينة في ظل غياب الشفافية من الدولة في توفير نتائج القياسات المختلفة التي ترصدها الهيئة العامة للبيئة وعرضها على الجمهور بشكل شفاف وصريح.
همسة في أذن الحكومة
بعد إثبات اختلاف المعايير الأميركية عن الكويتية، على الحكومة إثبات عدم تلوث هواء الكويت بعرض نتائج المراصد الكويتية.
البوابة البيئية للكويت
موقع «بيئتنا» على شبكة الانترنت (www.Beatona.net) هو «البوابة الرسمية البيئية لدولة الكويت» التي انطلقت في ديسمبر من عام 2011 الذي تم تطويره من قبل نظام معلومات الرقابة البيئية eMISK. وتعتبر البوابة البيئية مبادرة لدعم فكرة الحكومة الإلكترونية البيئية وتأكيدا على الالتزام نحو تأسيس الوعي بالمسؤولية البيئية بين أفراد المجتمع، وتحقيق التواصل بين القطاع الحكومي والمجتمع المدني، وتأصيل مفهوم الشفافية والمشاركة في الاستخدام والاستعلام عن البيانات البيئية الموثوقة والمعلومات الخاصة بالبيئة بدولة الكويت.