بعد كثير من الجدل حولها، ومطالبات داخلية بتأجيلها بسبب عدم دعوة سوريا، انعقدت القمة العربية التنموية والاقتصادية والاجتماعية الرابعة في بيروت، امس، بحضور متدنٍ على مستوى القادة حيث لم يشارك سوى الرئيس الموريتاني، وامير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي غادر فور انتهاء كلمة الرئيس ميشال عون الافتتاحية، عائدا الى الدوحة.
وان كان حضور امير قطر انقذ الرئيس اللبناني بمشاركته شخصياً، الا ان مبادرة سمو امير البلاد انقذت القمة على مستوى القرارات المرجوة منها، حيث اعلن ممثل سمو أمير البلاد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد مبادرة سامية لسمو الامير لإنشاء صندوق للاستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي بمشاركة القطاع الخاص.
وقال الخالد امام القمة انه «انطلاقاً من الإيمان المشترك والادراك التام لأهمية وحتمية المتابعة والتعامل مع التطورات التكنولوجية المتسارعة وسعياً إلى تحقيق مستقبل أكثر املاً وازدهاراً لأبناء الامة العربية، فيشرفني أن أعلن في قمة بيروت، عن مبادرة سامية لسمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد لإنشاء صندوق للاستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي برأس مال قدره 200 مليون دولار بمشاركة القطاع الخاص، حيث ستساهم الكويت بخمسين مليون دولار، من رأس مال هذا الصندوق، على أن يوكل إلى الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي مسؤولية إدارة هذه المبادرة التنموية، ونتطلع إلى دعمكم لهذه المبادرة للإسهام في تعزيز الاقتصاد العربي المشترك وخلق فرص عمل واعدة للشباب العربي. كما نتمنى على البنوك ومؤسسات التمويل العربية المشتركة النظر في استقطاع نسب من صافي أرباحها السنوية لدعم الاحتياجات المستقبلية، وضمان استمرارية عمل هذا الصندوق».
وقال ممثل سمو الامير في كلمته ان «الجميع يدرك حجم التحديات والمخاطر والتراجع الذي يشهده العمل العربي المشترك وجهودنا المتواصلة لمواجهة ذلك ولكننا حرصنا على أن تكون أولوية التعاون التنموي والاقتصادي في صدارة اهتماماتنا لنتمكن معها من تحقيق التقدم لشعوبنا ولتصبح هذه الأولوية قضية مستقبل ومصير لأبناء أمتنا». واضاف الخالد: «لقد تحقق لنا عبر الدورات السابقة لقممنا التنموية والاقتصادية والاجتماعية العديد من الإنجازات التي يمكن البناء عليها..، ونجتمع في الدورة الرابعة للقمة الاقتصادية بعد أن بدأنا هذا النهج بالتشاور والتنسيق مع مصر عام 2008 لنبلور أفكاراً ورؤى لهذه القمم ولتعقد القمة الاقتصادية الأولى في الكويت عام 2009، حيث تقدم سمو الامير بمبادرة لإنشاء صندوق للمشاريع الصغيرة على مستوى الوطن العربي برأس مال قدره مليارا دولار ساهمت الكويت بخمسمئة مليون دولار والسعودية بمبلغ ممثال لتتوالى مساهمات الدول حتى تصل إلى مليار وثلاثمئة وعشرة ملايين دولار، حيث قام الصندوق بتمويل ما يزيد عن 7 آلاف مشروع، موفراً ومحافظاً على 437 ألف وظيفة على مستوى الوطن العربي».
واكد الخالد أن مبادرة سمو الامير جاءت انطلاقاً من قناعة راسخة لدى سموه بأنه كان لا بد لنا من التوجه إلى الشباب باعتبارهم أغلى ما نملك في أمتنا العربية.
ودعا الخالد، في ضوء تراجع معدلات التنمية المستدامة والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها عدد من الدول العربية، إلى اولوية الاهتمام بهموم ومشاغل المواطن العربي والعمل على تلبية آمال وتطلعات الشعوب من خلال التركيز على الأسس والمنطلقات الاقتصادية التي تسهم في تغيير وتحسين أوضاعاً كانت سبباً في الاضطراب وعدم الاستقرار. كما دعا إلى تفعيل المشاريع المشتركة ودعم البرامج التي تم إقرارها في الدورات السابقة وافساح المجال واسعاً لكل الأفكار الخلاّقة التي تحقق تجاوباً وتحقيقاً للمصالح المشروعة.
وفور انتهاء كلمة الخالد، بادر ممثل الوفد القطري إلى دعم مبادرة سمو الامير بإنشاء صندوق للاستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، معلنا مساهمة الدوحة بمبلغ 50 مليون دولار.
وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد غادر القمة متوجها الى المطار بعد مشاركته في الجلسة الافتتاحية، حيث قالت مصادر انه جاء إلى بيروت من أجل حضور جلسة الافتتاح وسماع كلمة الرئيس عون وتأكيد دعمه له، وغادر بحسب ما كان مقررا سابقا.
مبادرة لبنانية
وكان الرئيس اللبناني ركز في كلمته الافتتاحية للقمة على العديد من النقاط المتعلقة بالشؤون العربية والإقليمية، مطلقا مبادرة اعادة الاعمار والتنمية من خلال تأسيس مصرف عربي لمساعدة جميع الدول والشعوب العربية المتضررة بما يسهم في نموها الاقتصادي وتحقيق اهداف التنمية المستدامة، داعيا جميع المؤسسات والصناديق التمويلية العربية الى الاجتماع في بيروت خلال الاشهر الثلاثة المقبلة لمناقشة وبلورة آليات فعالة تتماشى مع هذه التحديات ومتطلبات إعادة الإعمار.
وأكد عون «ان لبنان قد دفع الثمن الغالي جرّاء الحروب والارهاب، وهو يتحمّل منذ سنوات العبء الأكبر إقليمياً ودولياً، لنزوح السوريين، مضافاً الى لجوء الفلسطينيين المستمر منذ سبعين عاماً، بحيث أصبحت أعدادهم توازي نصف عدد الشعب اللبناني، مشيرا إلى ان استمرار اسرائيل منذ سبعة عقود في احتلال الاراضي الفلسطينية والعربية وعدم احترام القرارات الدولية من خلال تهويد القدس واعلانها عاصمة لها تعتبر احد التحديات الرئيسية امام مسيرة التنمية».
واضاف عون ان الحروب الداخلية وتفشي ظاهرة الارهاب والتطرف وموجات النزوح واللجوء اثرت سلبا على مسيرة التنمية في المنطقة وستستمر تداعياتها لسنين عديدة.
واوضح عون «ان الجانب اللبناني عمل على اقتراح مشروع بيان ختامي يصدر عن القمّة حول ازمة النازحين واللاجئين نظرا لانعكاسات هذه الأزمة الخطيرة على اقتصاد دولنا ولما تشكله من مخاطر وجودية على النسيج الاجتماعي القائم في المنطقة». كما دعا المجتمع الدولي الى بذل جميع الجهو الممكنة لعودة آمنة للنازحين السوريين الى بلدهم من دون أن يتم ربط ذلك بالحل السياسي.
واعتبر الرئيس اللبناني «أن انعقاد القمة في بيروت في هذه المرحلة الدقيقة هو تأكيد على دور لبنان ورسالته في محيطه والعالم»، متمنيا لو كانت «مناسبة لجمع كل العرب، فلا تكون هناك مقاعد شاغرة»، ومؤكدا «اننا بذلنا كل جهد من أجل إزالة الأسباب التي أدت الى هذا الشغور، إلا أن العراقيل كانت ويا للأسف أقوى»، أسفا ايضاً «لعدم حضور الملوك والرؤساء ولهم ما لهم من عذرٍ لغيابهم»، مشددا «ان لمّ الشمل حاجة ملحّة لجبه التحديات»
كما اكد ان انعقاد القمة يأتي بعد اقرار الأمم المتحدة عام 2015 خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي تمثل برنامج عمل لأجل الناس وكوكب الأرض ولأجل الازدهار».
الحجرف: مبادرة الأمير تعكس إيمانه بالشباب العربي
قال وزير المالية الكويتي نايف الحجرف إن مبادرة سمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد بتأسيس صندوق يعنى بالتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي تعكس إيمان سموه بضرورة الاعتناء بالشباب العربي.
وقال ان تلك المبادرة السامية تهدف ايضا الى توجيه الموارد اللازمة والمهمة لكي يتمكن الشباب العربي من ان يخلق قيمة مضافة في اقتصاديات الدول العربية وفي مجتمعاتهم.
وأضاف أن «هذه المبادرة التي أعلنت أمس تأتي استكمالاً لمبادرة سمو الامير الكبيرة التي أطلقها في قمة الكويت الاقتصادية عام 2009 بانشاء صندوق بقيمة ملياري دولار لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة للشباب العربي».