ما زال التساؤل التالي يشغل بال الباحثين: إلى أي مدى يؤثر شهر أو موسم ميلاد الشخص على خطر وفاته مبكراً متأثراً بمرض معين؟ لذا، سعت دراسة بحثية جديدة إلى إلقاء نظرة أكثر عمقاً على ذلك التساؤل أملا في التوصل إلى إجابة أكثر تحديداً.
في إطار جهد بحثي متعدد الجنسيات، قام باحثون من الولايات المتحدة والسويد وألمانيا والنمسا والدنمارك وليتوانيا واليابان ودول أخرى بإجراء دراسة رائدة حول مدى وطبيعة الدور الذي يؤثر به موسم ميلاد الشخص على مخاطر تعرضه للوفاة المبكرة.
وبهدف التحري العلمي على أوسع نطاق ممكن، جمع الباحثون بيانات من سجلات صحية تعود إلى بداية السبعينات؛ وشملت حوالي 117 ألف شخص من جنسيات مختلفة. واشتملت البيانات على معلومات متكاملة حول كل شخص، بما في ذلك بيانات السجل الطبي والوزن والطول وحالة التدخين والعوامل الديموغرافية وعوامل نمط الحياة ومستوى المعيشة، وغير ذلك من العوامل الاجتماعية والتعليمية وحتى الاقتصادية.
وبعد جمع المعلومات وتحليل البيانات، اتضح أنه حدثت 43,248 حالة وفاة حتى الآن بين أفراد تلك العينة.
وأوضح الباحثون أنهم بعد أن قاموا بضبط وتحليل مجموعة من المتغيرات الاحصائية لم يجدوا أي ارتباط ملموس بين الوفيات الإجمالية وبين شهر أو موسم الميلاد، لكنهم رصدوا وجود تأثير على خطر الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
وعن ذلك كتب الباحثون في سياق النتائج التي خلصوا إليها: «مقارنةً بالمولودين في شهر نوفمبر، لوحظ أن نسبة الوفيات بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية أعلى بين المواليد من مارس إلى يوليو، بينما انخفضت تلك النسبة إلى أدنى مستوى بين المولودين في ديسمبر.»
ولدى دراسة طبيعة العلاقة بين أمراض القلب والأوعية الدموية ومواسم الميلاد، لاحظ الباحثون وجود علاقة محدودة ولكنها ذات دلالة إحصائية. فلقد رصدوا وجود زيادة خطر الوفاة بسبب أمراض القلب بالنسبة للمولودين في فصلي الربيع والصيف مقارنةً بالمولودين في الخريف.
ويعتقد الباحثون أن فيتامين (د) قد يكون له دور في تلك العلاقة التي تم رصدها. ويبررون ذلك بأن عدم تعرض المرأة الحامل لأشعة الشمس بما فيه الكفاية أثناء الحمل – في أشهر الشتاء على سبيل المثال – يجعلها تعاني من نقص في فيتامين (د)، وهذا النقص قد يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب في المستقبل لدى الطفل الذي تحمله تلك المرأة.
لكن حتى الآن لن يتم التوصل إلى دليل علمي يدعم هذه النظرية.
وكانت دراسات سابقة قد خلصت إلى أن الأشخاص المولودين في شهر نوفمبر في نصف الكرة الشمالي يكونون أقل عرضة للوفيات المبكرة بشكل عام، والوفيات المرتبطة بأمراض القلب بشكل خاص. وفي المقابل، رأت تلك الدراسات أن الأشخاص الذين يولدون في فصل الربيع أو الصيف هم الأكثر عرضة للخطر الذي يصل إلى ذروته في شهر مايو، بينما في نصف الكرة الجنوبي تنعكس هذه الأنماط العامة بمعدل 6 أشهر.
وعلى الرغم من أن علماء قد أنفقوا الكثير من الوقت والجهد في إجراء أبحاث حول هذه العلاقة، فإن الطريقة التي يؤثر بها شهر أو موسم ميلاد الشخص على صحته المستقبلية ومخاطر وفاته المبكرة ما زالت غير واضحة بشكل قاطع.
ويعتقد بعض العلماء أن تأثير موسم الميلاد على خطر الوفاة المبكرة قد تكمن جذوره الحقيقية في العوامل الاجتماعية والاقتصادية. لكن حتى الآن لم تتمكن دراسات حول هذا الموضوع من التحكم بشكل كامل في تحليلاتها للعوامل الاجتماعية والاقتصادية.