في إعلان يثير القلق، أفاد الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنه «لن يتم فرض حجر صحي على أي مدينة أو مكان في البلاد» على خلفية انتشار فيروس كورونا المستجد، داعياً الإيرانيين إلى عدم الالتفات إلى الشائعات.
وفي وقت قليل جداً، ارتفع عدد حالات الإصابة إلى 139 شخصاً والوفاة إلى 19، لتتحول إلى ثاني أكبر بؤرة لانتشاره بعد الصين، بلد المنشأ، ما طرح علامة
استفهام بشأن الطريقة المفاجئة التي انتشر بها الفيروس بين الإيرانيين، ولماذا تهاونت الحكومة في التعامل مع هذا الخطر؟.
وقبل يومين من الانتخابات البرلمانية، بدأ الحديث الرسمي بشكل مقتضب عن بعض الإصابات في مدينة قم، جنوبي طهران، لتتغير الرواية تماما بعد يوم واحد من الانتخابات.
ويرى البعض أن تعامل النظام الإيراني المتأخر مع خطر الفيروس أدى إلى انتشاره، ليس في البلد فحسب، بل وفي دول الجوار. وكل هذا كان لأغراض سياسية، في سبيل الحصول على قدر أكبر من الأصوات.
جرس إنذار لدول المنطقة
وفي هذا الصدد، يمثّل تصريح روحاني جرس إنذار لدول المنطقة، خاصة دول الخليج، لتسارع إلى اتخاذ الخطوات المطلوبة، ولكي لا تعوّل على إيران في مواجهة المرض القاتل ومنع تفشّيه إليها. ويطرح هذا الإعلان علامات استفهام عدة، في شأن آلية التصدي للفيروس القاتل، من قبل دولة تُدخل نظرية المؤامرة في كل شيء، وتواجه أي تحدًّ بالشعارات، ولا تكاشف شعبها بالحقائق، وتواصل ضخ الأكاذيب حول كل شيء، إلى درجة استخفاف عقول مواطنيها.
وكانت منظمة الصحة العالمية أكدت أن عدم شفافية الصين حول عدد ضحايا الفيروس، وتعاملها الأمني مع التحدي، والكذب على مواطنيها، أدى إلى استفحال المشكلة، وزيادة تفشي الفيروس في دول عدة. كما حذّرت من أن ضعف النظم الصحية وعدم المصداقية في بعض الدول يفاقمان أزمة «كورونا».
نظرية المؤامرة
لاتزال إيران تتعاطى مع أزمة «كورونا» كما تعاملت مع أزمات سابقة، على أنها مؤامرة، فقد شدد روحاني على ضرورة ألا يصبح الفيروس «سلاحاً في يد العدو»، يمنع العمل والإنتاج في إيران.كما ندد بالولايات المتحدة لإشاعتها «الخوف» بشأن هذا الفيروس المستجد.
وقبله، وبدلاً من اتخاذ إجراءات سريعة لتطويق مناطق انتشار الفيروس، وتحذير المواطنين، ألقى المرشد الإيراني علي خامنئي باللوم على «أعداء إيران» الذين سعوا لإثناء الناس عن التصويت في الانتخابات «بالمبالغة في خطر فيروس كورونا». وأضاف أن «الدعاية السلبية عن الفيروس بدأت قبل شهرين وزادت بدرجة كبيرة قبل الانتخابات»، ما يوحي أن السلطات كانت تتخوف من تأثير الأنباء في شأن «كورونا» على سير الانتخابات.
بدوره، أعلن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني بأن العدو يستغل قضية فيروس كورونا لاستكمال الضغوط القصوى على ايران. وغرّد أنه من المقرر ان تكتمل إستراتيجية الضغوط القصوى على ايران عبر استخدام قضية كورونا، وأن الضغوط النفسية على البلاد عبر غلق الحدود البرية والجوية وإطلاق الأكاذيب حول إخفاء ايران التفاصيل بأنه خريطة طريق جديدة.
شعارات وتعامل أمني
تواصل إيران طرح الشعارات المبالغ فيها، التي تنم عن جهل في كيفية التعاطي مع أي تحد. فالثلاثاء، صرح روحاني: «شعبنا العظيم سيعبر من فيروس كورونا». كما ذكر وزير الداخلية عبدالرضا رحماني فضلي: «سنتغلب على هذه المشكلة من خلال تعزيز الوحدة والتلاحم والتعاون».
ويثير هذان التصريحان التساؤل حول قدرة الشعارات الوطنية على وقف تفشي الفيروس. ومن مظاهر ضعف النظام الإيراني في مواجهة تحدي «كورونا» إعلان وزير الصحة سعيد نمكي، في مؤتمر صحافي مشترك مع مساعد التنسيق في الجيش الأدميرال حبيب الله سياري، السيطرة بشكل كاملة على الأزمة في العديد من المناطق، وبينها مدينة قم، بؤرة الفيروس، مشيراً إلى أنه أعلن تعبئة جميع إمكانيات القوات المسلحة لمواجهة «كورونا» والوقاية منه.
وجاء ذلك التصريح بعد أيام قليلة على انتشار الفيروس في إيران، وأثار انتقادات واسعة، فالصين التي تمتلك نظماً صحية ضخمة وتقدماً علمياً كبيراً، وإمكانات هائلة، عجزت عن السيطرة على الفيروس، فكيف لدولة مثل إيران ادعاء فعل ذلك خلال أيام؟. كما أن إشراك القطاع العسكري والأمني في كل شيء، خصوصاً في الأزمات الصحية، يعكس جهل النظام الإيراني بآليات التعامل مع مشكلة الفيروس، وكأن الهدف من الزج بالقوات المسلحة يهدف إلى ضبط الإيرانيين ومنع الانتقادات أكثر مما يهدف إلى الاستفادة من قدراتها في معالجة الأزمة.
ومازاد الطين بلة، إعلان طهران عن تمكّن خبراء وعلماء في وزارة الدفاع من صنع وأنتاج أول نموذج من نماذج المعدات الطبية التي تشخص الفيروس!.
ضعف النظام الصحي
أثار مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي استياء الإيرانيين، بعد أن أظهر عملية نقل مصاب بالفيروس في مدينة أردبيل شمالي البلاد، من دون أخذ الاحتياطات اللازمة لمنع العدوى.
ويظهر المقطع أحد مرافقي الشخص المصاب بالفيروس وهو يصعد سيارة الإسعاف، قرب المريض، من دون أن يرتدي قناعاً أو قفازات تحد من انتشار عدوى الفيروس عبر اللمس أو الانتقال عبر الهواء.
وفي أكبر مفارقة، أصيب نائب وزير الصحة إيرج حريرجي بالفيروس، وبدأت الأسئلة تُطرح بشكل كبير عما إذا كان نقل عدوى الفيروس إلى أعضاء الحكومة وروحاني، كونه حضر اجتماعاً للحكومة برئاسة روحاني عقب انتهاء مؤتمر صحافي مشترك مع المتحدث باسم الحكومة علي الربيعي، خصص للحديث عن آخر مستجدات تفشي «كورونا» في ايران.
ونشرت وسائل إعلام إيرانية صوراً ومقاطع فيديو لنائب وزير الصحة تبدو عليه فيها آثار التعب والإرهاق. وتم تداول فيديو يظهر حريرجي يمسح عرقه نتيجة ارتفاع درجة حرارته خلال المؤتمر الصحافي، إلى جانب ربيعي.
بدوره، كشف النائب محمود صادقي عن إصابته بالفيروس. وقال: «قد لا أعيش كثيراً، ولكن أطلب من، إبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية إعطاء إجازة للمعتقلين السياسيين في ايران من أجل منع انتشار فيروس كورونا داخل السجون الإيرانية».
الكذب والبيانات المزوّرة
و لاتزال طهران تتكتّم على حقيقة أعداد قتلى ومصابي الفيروس، ففي وقت أفادت وكالات أنباء عالمية بمقتل 17 شخصاً فيها، كانت إيران تصر على أن عددهم 12 حالة. وعقب أصوات منتقدة لـ «كذب» الحكومة، والمطالبة بإعلان الحقيقة للشعب، دخل أمين مجلس الأمن القومي علي شمخاني على خط الأزمة، مطالباً المدعي العام بفتح تحقيق في شأن أعداد الوفيات في مدينة قم. وقال شمخاني إن «التكتم ونشر الأخبار الكاذبة يخلّان بالأمن القومي للبلاد».
ولا يرى إيرانيون أداء الحكومة في السيطرة على كورونا ناجحاً، فيطالبون بفرض الحجر الصحي على قم، لكن وزير الصحة لا يرى «أي مدعاة للأمر»، بل يعتقد أن الإيرانيين «متفهون ویراعون من تلقاء أنفسهم القواعد الصحیة، ويطبقون الحجر الصحي في منازلهم».
من جانبه، أشار مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات الإستراتيجية، حسن راضي، إلى أنه «من المؤكد أن النظام الإيراني حاول إخفاء خبر تفشي كورونا بين العشرات أو المئات من الإيرانيين، حتى لا يصيب الشارع بهلع». وأضاف أن «النظام الإيراني أراد من إخفاء تفشي كورونا عدم إضافة أزمة جديدة إلى الأزمات الكبيرة التي يواجهها، وخاصة في الانتخابات البرلمانية التي تعالت أصوات كثيرة داعية إلى مقاطعتها».
خطوات دول الجوار
إن كل تلك الأخطاء من قبل إيران في التعامل مع تحدي «كورونا» وتساهلها الذي أدى إلى انتشار الفيروس في دول الجوار، يفرض على دول الخليج مضاعفة الإجراءات الاحترازية، وفق ما أكدت مصادر، مثل تمديد إغلاق الحدود مع إيران ووقف الرحلات الجوية منها وإليها، وحظر دخول جميع السفن من إيران، ومنع دخول الإيرانيين، باستثناء الدبلوماسيين، ووقف استيراد أي منتجات إيرانية.
وتقول المصادر، «يجب عدم تصديق البيانات الإيرانية الخاصة بأعداد وفيات الفيروس ومصابيه، وسرعة تفشّيه، وعدم مشاركتها أي تقارير أو معلومات عن الفيروس، فالنظام الإيراني لايكترث بموت مواطنيه، ولا يمتلك شفافية في المعلومات، ولا يكاشف لا شعبه ولا الدول الاخرى بالبيانات الصحيحة، ويوظف كل أدواته لتحقيق مكاسب في الداخل والخارج».
وتابعت، على دول الخليج الاعتماد على نفسها، وتوظيف كل جهودها وإمكاناتها لمحاربة الفيروس، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، فدولة كإيران بجوار الخليج، يمتنع نظامها عن فرض حجر صحي على مدينة موبؤة بفيروس قاتل، ويعوّل على الشعارات وتجييش الشعب ضد المؤامرة لهو عبء وخطر مضاعف، مثل «كورونا».