لم تكن فوستينا تاي (من التابعية الغانية) أول عاملة منزلية «تنتحر» في لبنان، لكن قضيّتها التي أحيت ضوضاء مزمنة حيال واقعٍ يوصف بـ «العبودية التعاقدية» ويشمل نحو 180 ألف عاملة (غالبيتهنّ من الفيليبين وأثيوبيا وبنغلادش والنيبال) استقطبت الأضواء تصاعُدياً وصولاً إلى إثارتها عبر عارضة الأزياء العالمية نعومي كامبل التي دعت بأعلى صوت العاملات في الخدمة المنزلية إلى عدم المجيء إلى لبنان حيث «تتم معاملتهنّ كعبيد».
وجاء النداء – الصرخة الذي أطلقتْه كامبل خلال لقاءٍ معها عبر«انستغرام»، أشبه بـ WAKE UP CALL جديداً، ولكن هذه المرة أكثر دوياً، حيال البيئة «غير الآمنة» للعاملات المنزليات في «بلاد الأرز» والمحكومة بنظام الكفالة الذي لطالما شكّل محور انتقادات من منظمات حقوقية لبنانية ودولية، هو الذي يجعل المُساعِدات في البيت تحت السيطرة الكاملة لأرباب عملهنّ وعرضة لمختلف أشكال الاستغلال وسوء المعاملة (مصادرة جوازات سفر، عدم السماح بالنوم خارج البيوت أو حتى الخروج منها ولا بعطل أسبوعية ولا سنوية والعمل لساعات غير محدّدة وعدم دوريّة دفع الأجور) التي تولّد في شكل شبه أسبوعي حالة انتحار أو محاولة انتحار وخصوصاً عبر القفز من الشرفات.
وفيما كانت جمعياتٌ حقوقية تواكب قضية تاي، التي أرسلتْ قبل وفاتها رسائل عدة لمنظمات وناشطين خارج لبنان تتحدّث فيها عن تعرُّضها لسوء المعاملة قبل العثور عليها جثة في مرآب سيارات المبنى حيث يقطن صاحب العمل في 14 الجاري، اكتسب «انتحارُها» المفترَض بُعداً أكثر صخباً حين أثارتْه كامبل أولاً في تغريدة تعليقاً على تقرير حول الحادثة في إحدى محطات التلفزيون حيث كتبت «يجب أن يتوقّف هذا الأمر»، لتكمل تضامنها خلال حلولها ضيفة في بث مباشر عبر «إنستغرام» حيث «انفجرتْ» بوجه ما قالت إن النساء الأفريقيات يتعرضن له في لبنان الذي سبق أن زارتْه العارضة العالمية قبل نحو 3 أعوام وعبّرت عن إعجابها به.
وقالت كامبل في المقابلة التي جرى تداوُلها بقوة في لبنان، وكسرت حلقة الاهتمام شبه المحصورة بـ «زمن كورونا»، إن قضية تاي مجرد قصة واحدة لقصص كثيرة تحصل في لبنان: «في لبنان، هناك العديد من نسائنا اللواتي يتم استقدامهن كعاملات منزل، حيث تتم معاملتهنّ كعبيد وقد فقدنا إحداهنّ. ماتت وتركت جثتها في السيارة، وهذا غير إنساني. لا يمكنكم فعل هذا. إلى النساء الأفريقيات، لا تذهبن إلى لبنان. وإذا وُظّفتن وطُلب منكن السفر إليه، لا تذهبنّ حتى تتحرك الحكومة اللبنانية في هذا الشق وتضع حداً لمعاملة الأفريقيات على أنهن عبيد. يوظفوهنّ ويخدعهن. أشعر بالاستياء الشديد».
ودعت كامبل إلى محاسبة النساء الأفريقيات أيضاً اللواتي يشاركن في خداع تلك الفتيات من توظيفهنّ، وأضافت: «هذه مجرد قصة واحدة وأعلم أن هناك المزيد من القصص المماثلة التي تحصل في لبنان، وهو ما حصل مع صديق مقرّب لي اضطر لإنقاذ قريبته من لبنان. أعلم أن علينا إيلاء أهمية للتوعية في موضوع فيروس كورونا، ولكننا لا يمكننا إغفال ما يحصل».
وبعدما حرصت المُحاوِرة على إيضاح أنّ ليس المقصود بهذا الكلام لبنان فحسب، بل مسألة الاتجار البشري في كل أنحاء العالم، ردّت كامبل بأنها ذكرت لبنان لأنّ هناك واقعة حصلت.
وعلى وقع الانتقادات التي استعيدت في لبنان، ربْطاً بموقف كامبل، لواقعِ أن «العاملة المنزلية في لبنان لا تخضع لقانون العمل بل لعقد عمل يربطها بالكفيل، ولا تستطيع فسخه إلا بموافقته وحصولها على مستند التنازل منه»، أبلغت وزيرة العمل لميا يمين إلى موقع «النهار» أنّها «فور وصول الخبر (اعثور على تاي جثة) تواصلت مع وزير الداخلية الذي أكد متابعته الأمر»، وقد باشر القضاء التحقيق في انتحار العاملة، فيما أشارت مدير عام وزارة العمل مارلين عطاالله إلى أنّه «تم وضع إسم رب العمل على اللائحة السوداء ولا يسمح له باستقدام أي عاملة أخرى إلى حين صدور الحكم»، مؤكدة أن «الوزيرة وضعت ملف العاملات المنزليات وعقودهن ونظام كفالتهن ضمن الأولويات، ونحن في إطار إعداد عقد عمل جديد لهن ويتم تطويره وفقاً لمعايير العمل الدولية والاتفاقية المتعلقة بالعاملين في الخدمة المنزلية».
ويُذكر أنه بعد العثور على تاي جثة، توجهت وزارة الخارجية اللبنانية بـ«أحر التعازي لأسرة الفقيدة ولحكومة جمهورية غانا الصديقة وشعبها»، مشيرة الى حرصها «على تبيان الحقيقة كاملة»، ووجهت كتابين إلى وزارتي الداخلية والعدل للتوسع في التحقيق والاستماع إلى كل مَن له علاقة بالقضية.
شاهد أيضاً
مذا يحدث لجسمك إن نمت أقل من 6 ساعات نوم في اليلة؟
تقول العديد من الدراسات إن البالغين يجب أن يحصلوا على سبع إلى تسع ساعات نوم …