كويت تايمز: في الوقت الذي رسمت الحركة الدستورية الإسلامية «حدس» ملامح رؤيتها للمرحلة المقبلة التي ستصدرها قريبا، وتستند إلى رحيل الحكومة ومجلس الأمة، حمل عدد من النواب السابقين الحكومة مسؤولية تدهور الاوضاع المالية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، معتبرين في الوقت نفسه ان الحكومة لا تملك «الرؤية» الصحيحة والسليمة لمعالجة سوء الادارة المالية والاشكاليات التي تعاني منها البلاد.
وأجمع المتحدثون في الندوة التي نظمتها الحركة أول من أمس، تحت عنوان «العجز في الميزانية وتداعياته على المواطنين أزمة موارد… ام أزمة إدارة» ان التجارب السابقة في الخصخصة والتي منها مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية ومحطات الوقود كانت سيئة ولا تشجع بان يتم تخصيص المزيد من قطاعات الدولة الاخرى، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن الكثير من الاموال العامة هدرت على صفقات بالمليارات.
وطالبوا بضرورة عدم الإضرار او المس بمصالح المواطنين خصوصا الطبقة الوسطى من خلال تحميلها اعباء مالية اضافية لما لها انعكاسات سلبية على افراد تلك الطبقة، معتبرين في الوقت نفسه ان كل السياسات الاصلاحية التي تقوم بها الحكومة، ومن ضمنها وثيقة الاصلاح الاقتصادي، لا تستند على اي حلول او معالجات واضحة المعالم.
النائب السابق المحامي محمد الدلال قال ان «نداء الحركة الدستورية الاسلامية للمرحلة المقبلة سيكون المطالبة برحيل الحكومة الحالية واستبدالها بأخرى، مبنية على منهجية سليمة بتشكيلها وقادرة على ادارة شؤون البلاد المالية»، ورأى ان الحكومة التي خلقت «الاشكاليات التي تعاني منها البلاد واصبحت عملية استمرارها إشكالية بحد ذاتها»، معتبرا في الوقت نفسه ان «عملية الاصلاح يجب ان تستند على خطوات سليمة وصحيحة وليست من خلال المعالجات والوقتية والترقيع الذي لا يجدي».
وشدد على «ضرورة ان يتم اختيار الوزراء الاكفاء ممن يتمتعون برؤية ويتحملون مسؤولياتهم تجاه المواطنين والوطن».
وأوضح ان «رؤية حدس للمرحلة المقبلة، والتي من المتوقع ان تصدر ورقة بشأنها قريبا، تتضمن ان يعيد الشعب الكويتي نظرته بما يحدث بالبلد من تحديات مالية وامنية وغيرها، وتم ايضا تحديد الخطوات والاولويات التي يجب ان تنطلق منها معالجة الاوضاع التي تعيشها البلاد».
وطالب الدلال بأن «تنطلق عملية المعالجة من خلال أولويات رئيسية تبدأ من اعادة النظر بالمصروفات وصفقات وزارة الدفاع ومصاريف العلاج بالخارج وغيرها مع ضرورة اعادة هيكلة المشاريع في الدولة وإلغاء المناقصات غير الضرورية ودمج المشاريع المتشابهة».
وأشار إلى ان «الحكومة منذ منتصف العام الماضي بدأت تصرح بشكل رسمي بان هناك عجزا ماليا كبيرا في الموازنة العامة»، متسائلا في الوقت نفسه «هل تم احتساب هذا العجز الذي اعلنت عنه الحكومة في اطار الاحتياطيات المالية القائمة، سواء كانت الاستثمارات مباشرة أو غير مباشرة من اجل ان تكون نسبة العجز صحيحة وسليمة؟ اما العجز الذي يثار فيكمن في الارقام التي تم تحديدها في الميزانية العامة بناء على مقارنة مع اسعار النفط المتغيرة».
وتابع «احدى الاشكاليات التي نواجهها هو عدم وجود رقم معلن وواضح لحجم الاحتياطيات المالية الكبيرة لدولة الكويت، حيث ان البعض يقول انها 180 مليارا والبعض الاخر يقول انها اكثر من 400 مليار دينار. واذا افترضنا انها 180 مليار دينار، كما جاء في تقرير الشال، فإن المساهمة في جزء من هذا المبلغ في دعم ميزانية الدولة تؤمن العيش لمدة لا تقل عن 20 سنة».
وأشار الدلال إلى ان البلاد «شهدت خلال فترة التسعينات من القرن الماضي نفس الحالة التي تعيشها حاليا بسبب انخفاض اسعار النفط، وخلال تلك الفترة تم وضع مشاريع وسياسات للترشيد، ولكنها في النهاية اختفت ورجع الوضع الى ما كان عليه بعد ارتفاع اسعار النفط من جديد»، مضيفا ان «هناك احتمالا واردا خلال الفترة القادمة ان يتغير كل شيء اذا ارتفع سعر النفط بسبب حرب او ظرف اقتصادي هنا أو هناك».
وأكد ان «هذا لا يعني الاستمرار في الهدر والعبث وسوء التصرف في الادارة المالية التي هي مسؤولية السلطة التنفيذية والمؤسسات الحكومية بالدرجة الاولى، ونطالب في الوقت نفسه بضرورة ان تكون هناك شفافية ووضوح وصراحة مع الشعب، وهي أمور تكاد تكون مفقودة».
ولفت إلى أن «المختصين في المجال الاقتصادي اجمعوا على ان عبارات وثيقة الاصلاح هي نفس العبارات التي ذكرت في خطة التنموية السابقة، ولكن وضعت في صيغة عناوين رئيسية. فتقرير الشال اشار الى عدم وجود اي خطة او معادلة رياضية لتنفيذ او تطبيق الرؤية الاقتصادية. فالحكومة غير قادرة على تنفيذ هذه الرؤية وخصوصا انها فشلت في التجارب الاقتصادية السابقة».
وأكد ان «الخصخصة كفكر عملية سليمة لتحسين الاداء والخدمات في الدولة، الا ان طريقة ادارة هذه الملفات والتشريعات والتجارب السابقة لا تشجع لتطبيق هذا النظام. ففكرة الخصخصة التي تصنع داخل الأروقة الحكومية خاصة لمجموعة متنفذة تريد السيطرة على الدولة. وقانون الخصخصة وبنفس المجموعة والتجارب السابقة وتجربة الخطوط الجوية الكويتية الفاشلة تكرر حاليا على حساب المال العام والمجموعات المالية والقطاع الاقتصادي».
ورأى ان «الاشكالية الرئيسية للوثيقة الاقتصادية لا تضع اي احتياطات للاثار السلبية للقرارات، وقانون حماية المستهلك الذي اقره المجلس الحالي لم يتم تفعيله بالرغم من اقرار لائحته العام الماضي، وهو له اثر كبير ودور مهم في حماية المواطنين»، لافتا إلى ان معالجة الوضع المالي «تتمثل اولا في مواجهة الفساد».
من جانبه، قال النائب السابق الدكتور حمد المطر إن «انتقاد الوضع الحالي الذي تعيشه البلاد ليس للتشفي او تصفية الحسابات، بل لكشف الحقائق المخيفة، من اجل ان تنتبه لها السلطتان والشعب، خصوصا وان الشعب دائما يتساءل لماذا لدينا سوء ادارة ومشاكل اقتصادية على الرغم من كل الموارد التي تمتلكها البلاد؟ فالارقام والوثائق التي اطلعت عليها بشأن الوضع الاقتصادي مخيفة ومخجلة ان يصل الحال بالكويت إلى هذا السوء من الإدارة».
وأضاف المطر «في عام 1999 حين كان سعر برميل النفط لا يتجاوز 16 دولارا بلغ حجم الانفاق الحكومي 4 مليارات دينار تقريبا، وخلال 12 عاما وصل الانفاق الى 19 مليار دينار. وقابله ايضا طفرة في اسعار النفط وصلت الى 108 دولارات للبرميل. هذه الزيادة الكبيرة بالانفاق ليست طبيعية ولا تتعلق ابدا بزيادة عدد السكان والتوظيف، وانما ذهبت الى مشاريع ودعم خارجي».
واستغرب من «قيام الحكومة بتطبيق بند واحد فقط من البنود الخمسة المتعلقة بالاصلاحات المالية التي تضمنتها وثيقة الاصلاح، وهو بند اعادة تسعير السلع والخدمات العامة»، مشيرا الى انه «كان يتوجب على الحكومة اولا تطبيق البنود الاربعة التي تركتها والتي تتحدث عن استحداث ضريبة على الشركات بمعدل ثابت، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، واعادة التسعير مقابل الانتفاع بأراضي الدولة وسرعة تحصيل مستحقات الدولة».
ولفت إلى ان الحكومة «قامت ايضا بنفس الفعل واتجهت الى المواطن مباشرة في الباب المتعلق بالاصلاح المالي بالمصروفات التي تضمنتها الوثيقة، حيث قامت بتطبيق بند واحد من اصل تسعة بنود، وهو المتعلق بترشيد الدعم»، مشيرا في الوقت نفسه الى انه «وفق دراسة الاداء الشعبي التي قامت بها الحكومة فإن 79 في المئة من الشارع الكويتي ضد الحزمة الاقتصادية الحكومية».
بدوره تساءل النائب السابق الدكتور جمعان الحربش «كيف للحكومة التي تصرف نصف مليار دينار على العلاج السياحي ان تطلب من المواطنين التفاعل مع رفع اسعار الوقود التي توفر فقط 120 مليون دينار».
وأضاف: «كيف تريد الحكومة من المواطنين ان يتفاعلوا ويقبلوا بإصلاحاتها الاقتصادية وكل يوم يتم عقد صفقات اسلحة بالمليارات ومنها صفقة شراء 28 طائرة اليوروفايتر التي وصلت قيمتها الى 8 مليارات، بالرغم من ان المملكة العربية السعودية قامت بشراء 48 طائرة من نفس الطراز بـ4 مليارات فقط»، لافتا إلى ان «العمولات لمثل تلك الصفقات هائلة وتصل الى نصف القيمة الحقيقية للصفقة».
وأشار إلى ان «الاجواء الحالية التي تعيشها الكويت يغلب عليها الجو الانتخابي في ظل وجود الكثير من الحديث في شأن وجود انتخابات مقبلة، ودعوات المواطنين للمشاركة بالانتخابات، والمجلس المقبل هو من أجل ايقاف الانحدار وليس لرفعة البلد».
وتابع في نفس السياق: ان ادارة البلد الحقيقية تتمثل بدولة المؤسسات والسلطات والاحزاب التي تشكل الحكومات والقيادات الذين يقدمون ذممهم المالية ليكونوا قدوات، وكل من يريد ان يشارك او يقاطع في ظل هذه الاوضاع لديه عذره، ولكن يجب بالنهاية ان نعرف الحلول العلمية والتي من خلالها يمكن محاسبة الحكومة التي يجب ان تكون لديها برامج، مضيفا «من دون حكومات برلمانية لن تتطور الكويت».
من الندوة
معلومات مغلوطة
رأى النائب السابق محمد الدلال ان مبررات وثيقة الاصلاح ورفع الدعوم لوجود عجز مالي تستند على معلومات مغلوطة، خصوصا وان صندوق النقد الدولي في اواخر العام الماضي قد اشار في تقريره «ان الدولتين في منطقة الخليج التي لايمسهما العجز المالي ولايذكر هما قطر والكويت».
واضاف ان «تقرير الصندوق قد اكد بان الكويت ستحقق فوائض مالية في الميزانية في عام 2017،مضيفا «مديرة الصندوق اكدت خلال زيارتها للبلاد ان ميزانية الكويت لا يوجد بها عجز مالي».
استقرار الطبقة الوسطى
شدد الدلال على ضرورة استقرار الطبقة الوسطي التي ينتمي اليها غالبية الشعب الكويتي والتي تمثل منتصف الهرم الاجتماعي في اي دولة، وأن يكون الاستقرار بشكل دائم ومستمر، سواء كان ماليا او اقتصاديا او اجتماعية، واضاف ان استقرار هذه الطبقة يؤدي الى نجاح الدولة من جهة،وثبات للصورة المعيشية التنموية للدولة من جهة أخرى.
المجلس يعلم برفع البنزين
اكد النائب السابق الدكتور حمد المطر ان «مجلس الامة كان يعلم بأن هناك زيادة سيتم اقرارها على اسعار البنزين والتي تضمنتها ايضا الحزمة الاقتصادية، وذلك في دور الانعقاد الماضي. هذه الزيادة التي تعتبر رأس الجليد، بينما الخطر الحقيقي الآتي يتمثل في المشاريع التي سيتم تخصيصها كما جاء في وثيقة الاصلاح، وهي المطارات ومؤسسة الموانئ ومطبعة الحكومة ومحطات توليد وتوزيع الطاقة وبعض مرافق وأنشطة مؤسسة البترول والبريد ومراكز الصرف الصحي وادارة المدارس والمستشفيات الحكومية».
إثراء على حساب البلد
شدد النائب السابق الدكتور جمعان الحربش على ان «الازمة التي تعيشها البلاد لا تتعلق بالموارد، فهي أعمق من ان تكون ازمة ادارة، بل هي اثراء غير مشروع على حساب البلد وتهميش ادارة المؤسسات»، مشددا على ضرورة واهمية تعزيز روح المواطنة والانتقال الى دولة المؤسسات، مضيفا «طريق الادارة واعمار البلد طريق آخر، وبيننا وبينه شوط كبير للاسف».