صدحت منابر المساجد في الكويت بمآثر قائد العمل الإنساني الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيّب الله ثراه، الذي حرص على السير على النهج الحكيم في المحافظة على الأمن والاستقرار والدعوة إلى السلام والسعي إلى الصلح والوئام ما جعل الكويت تحتل مكانة متميزة في محيطها الخليجي والعربي والدولي. وحملت الخطبة الموحدة، والتي عممتها وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية أمس والتي جاءت بعنوان «قائد العمل الإنساني»، حيث بيّنت جانباً مشرقاً لأعماله الإنسانية، حيث عرف عن الأمير الراحل نصرته للمستضعفين وتقديم يد العون لهم، وقيامه باستضافة وتنظيم ودعم مؤتمرات المانحين لدعم شعوب العالم بتبرعات سخية لإغاثة اللاجئين وتفريج كرب المنكوبين وحشد الدعم الدولي وتوحيد الجهود نحو تخفيف حدة تداعيات الأوضاع الإنسانية الصعبة.
وفي ما يلي نص الخطبة: «الحمد لله الـمستحقّ للحمد والثّناء، المتّصف بالعظمة والكبرياء، والمتوحّد بالإماتة والإحياء، كتب على كلّ نفس الموت والفناء، وتفرّد سبحانه بالحياة والبقاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الأرض ولا في السّماء، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبدالله ورسوله، وصفيّه وخليله، ما أقلّت مثله الغبراء ولا أظلّت أكرم منه الخضراء، صلّى الله وسلّم عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه البررة الأتقياء. أمّا بعد: فأوصيكم – عباد الله – ونفسي بتقوى الله؛ فإنّها خير الزّاد لدار المعاد والحساب «وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى واتّقون يا أولي الألباب»[البقرة:197]. أيّها المؤمنون: اعلموا رحمني الله وإيّاكم أنّ كلّ من على الأرض فان، ثمّ إلى الله تعالى الرّجعى والنّشور «كلّ نفس ذائقة الموت وإنّما توفّون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النّار وأدخل الجنّة فقد فاز وما الحياة الدّنيا إلا متاع الغرور» [آل عمران: 185]. «ولو كانت الدّنيا تدوم بأهلها… لكان رسول الله فيها مخلّدا» ولكن كما جاء في آي القرآن المكنون: «إنك ميتٌ وإنّهم ميتون، ثمّ إنّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون» [الزمر:30-31]، إنّه الموت يا عباد الله الّذي كتبه الله على الأحياء، فلا مفرّ لأحد منه في أرض ولا سماء «كلّ من عليها فان، ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام»[الرحمن: 26-27].
وقد ودّعت البلاد؛ واستودعت العباد؛ ربّها البرّ الجواد؛ قائـد العمل الإنسانيّ صاحب السموّ الأمير الشّيخ صباح الأحمد الجابر الصّباح، طيّب الله ثراه، وجعل جنّة الفردوس مأواه، راضين بقضاء الله المحتوم وقدره المحسوم، الّذي كتبه على كلّ نفس منفوسة. ولئن غاب فقيد الأمّة الإسلاميّة والعربيّة في شخصه وذاته؛ فإنّه لم يغب في أفعاله وصفاته. «قد مات قومٌ وما ماتت مكارمهم… وعاش قومٌ وهم في النّاس أموات» فهو الّذي في القلوب محبّته، وفي النّفوس مكانته، أحبّ رعيّته بصدق وأحبّوه، ووصلهم بالبرّ والدّعاء ووصلوه، وهذه من علامات الخيريّة فيه، ومن أمارات الإحسان لديه، عن عوف بن مالك عن رسول الله قال: «خيار أئمّتكم الّذين تحبّونهم ويحبّونكم، ويصلّون عليكم وتصلّون عليهم» [أخرجه مسلم].
فرزيّتنا فيه عظيمةٌ، ومصابنا فيه جللٌ: ولا تعزية للمصابين؛ أبلغ من تعزية ربّ العالمين: «وبشّر الصّابرين الّذين إذا أصابتهم مّصيبةٌ قالوا إنّا للّه وإنّا إليه راجعون أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون»[البقرة:155-157].
عباد الله: منذ أن تولّى الأمير الرّاحل، رحمه الله تعالى، قيادة البلاد، حرص على السّير على النّهج الحكيم في المحافظة على الأمن والاستقرار، والدّعوة إلى السّلام والسّعي في الصّلح والوئام، مّا جعل الكويت تحتلّ مكانةً متميّزةً في محيطها الخليجيّ والعربيّ والدّوليّ، وما عرف عنه رحمه الله تعالى إلّا نصرته للمستضعفين وتقديم يد العون لهم، وأكبر دليل على ذلك قيام دولة الكويت باستضافة وتنظيم ودعم مؤتمرات المانحين لدعم شعوب العالم بتبرّعات سخيّة لإغاثة اللّاجئين وتفريج كرب المنكوبين، وحشد الدّعم الدّوليّ، وتوحيد الجهود نحو تخفيف حدّة تداعيات الأوضاع الإنسانيّة الصّعبة. هذا وإنّ مناقب الأمير الرّاحل كثيرةٌ وفيرةٌ، وصنائع المعروف عنه مأخوذةٌ ومشهورةٌ، مّا أدّى إلى اختيار الكويت «مركزاً للعمل الإنسانيّ»، وسمّي سموّه «قائداً للعمل الإنسانيّ»، نسأل الله سبحانه أن تكون هذه الأعمال الصالحة سائقاً له إلى جنّة الرّحمن.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرّحيم. الخطبة الثانية الحمد للّه الّذي خلق كلّ شيء فقدّره تقديراً، وجعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً. أمّا بعد: «يأيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته، ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مّسلمون»[آل عمران:102].
معشر الأحباب: إنّ الموت حقٌّ والدار فانيةٌ وكلّ نفس تجزى على إحسانها بجزيل الثّواب، لكنّ عزاء قلوبنا فيما ابتليت به من الـمصاب، وهو مصابٌ ولا شكّ جللٌ: أن تعلم أنّ بركة صالح العمل؛ لا تنقطع بانقطاع الأجل، ومصداق ذلك: ما جاء في حديث الصّادق المصدوق، حيث قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلاثة: إلّا من صدقة جارية، أو علم ينتفـع به، أو ولد صالح يدعو له»[أخرجه مسلمٌ من حديث أبي هريرة].
ومن الأعمال الصّالحة الّتي نحتسب عند الله أجرها: اهتمامه بذوي الاحتياجات الخاصّة فأنشئت الهيئة العامة للإعاقة في عهده، وكذلك اهتمامه البالغ بالشّباب، حيث أمر بإنشاء وزارة الدّولة لشؤون الشّباب وقام أيضاً بتشجيع الاقتصاد الإسلامي، ممّا أدى إلى تحوّل العديد من البنوك إلى النظام الإسلامي. وأمّا العلم النّافع: فقد حرص الأمير الرّاحل على إرساء قواعده، واغتنام فوائده وعوائده، وإنّ من العلوم التي تنفع، ونسأل الله تعالى أن يجعلها من الأعمال الصالحة التي إليه ترفع: ما كان في عهد الأمير الراحل من استمرار إقامة المسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويد تلاوته، حتّى غدت أكبر جائزة للقرآن الكريم في العالم الإسلامي وكانت تحظى بحضور شخصي من سموه وتكريم مباشر منه للفائزين، وهذا الإسهام في نشر القرآن الكريم وتيسير تعليمه: دلالةٌ على خيريّته، كما قال نبيّنا: «خيركم: من تعلّم القرآن وعلّمه».
وفي رواية: «إنّ أفضلكم: من تعلّم القرآن وعلّمه» [أخرجه البخاريّ من حديث أمير المؤمنين عثمان بن عفّان]. رحم الله سموّ الأمير وأسكنه فسيح جنّاته، وألهم القلوب المفجوعة بفراقه الصّبر والاحتساب والرّضا بقضاء الله وقدره، وأعظم الله أجرهم وعوّضهم خيراً، وما نقول إلّا ما يرضي ربّنا: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. فكونوا أيّها الإخوة الكرام: أولاداً صالحين لأبيكم الرّاحل، والهجوا بالدّعاء له بالخير والإكرام، والنّعيم المقيم في دار السّلام، وقفوا صفاً واحداً مع سمو أمير البلاد الشّيخ نواف الأحمد الجابر الصّباح حفظه الله ورعاه، وسدّد إلى الخير خطاه، مؤيّدين له ومناصرين، حوله تجتمع كلمتـكم، وبقيادته تواصلون بناء دولتكم.
«يا أمير الخير يا رمز العطـاء يا حبيب الشعب في أرض الإبـــاء يا صباحاً في صباح ومســاء يا جـنــــاباً حــــامـــياً للضعفــــــاء يا سحاباً هاطـــــلاً للبؤساء يا نصير القـــدس يا عهد الرخــاء سر حميداً في ركاب العظماء فــي غيــــــوم من دعـــــاء وثنــاء وقلوب ضارعات بالرجـــاء أن تنال الفوز من رب السمــــــــــاء» اللهمّ إنا نسألك أن تتغمّد أميرنا الرّاحل بواسع رحمتك وفيوض كرمك، اللهمّ أكرم نزله ووسّع مدخله وأدخله الجنة وباعده عن النار، اللهمّ إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشّرّ كلّه، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهمّ إنا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النّار وما قرّب إليها من قول وعمل، اللهمّ ارفع عنّا البلاء والوباء، اللّهمّ إنّا نسألك العفو والعافية في الدّنيا والآخرة. اللهمّ آمنا في الأوطان والدّور، وادفع عنّا الفتن والشّرور، اللهمّ ووفّق أميرنا لهداك واجعل أعماله في رضاك وكن له عوناً معيناً، وهيئ له البطانة الصّالحة التي تحضّ على الخير وتحثّه عليه، واجعل اللهمّ هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.