نظراً لما تتسم به شبكة النقل الجوي الدولي من السرعة والأمان، فقد أصبحت من أكثر الوسائل جذباً للسياحة وإنجاز الأعمال وتبادل الثقافات بين الدول، إلا أنها بدأت تستغل من قبل الشبكات الإجرامية المنظمة كالمتاجرين بالأشخاص ومهربي المهاجرين.كشفت منظمة العمل الدولية (ILO) عبر موقعها الإلكتروني، بأن هناك ما يقارب 24.9 مليون إنسان يخضعون للعمل القسري. وصرحت وزارة الخارجية الأميركية عبر تقاريرها السنوية حول هذه الجريمة، أن تجارة الأشخاص تعتبر ثاني أكبر المشاريع الإجرامية ربحية.
كما أن هناك أيضاً دراسة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة (UNODC) ذكر فيها أنه ما يقارب ثلاثة أرباع المتاجرين بالأشخاص يتنقلون من خلال الحدود الدولية، وأصبحت وسيلة النقل الجوي أداة تستغل من قبلهم في تنفيذ هذه الجريمة.
لذا فإن هذه الجريمة أصبحت تحدياً من التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي اليوم، والذي بدوره بدأ يعمل على تضافر الجهود المشتركة لوضع نهاية لهذا التنظيم الإجرامي الخطير.
وقد برزت ثمرة جهود المجتمع الدولي في مكافحة هذه الجريمة، باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر من عام 2000 اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولين المقترنين بها والمكملين لها، أولهما قمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال، والثاني تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو.
وقد تنبّه المشرع الكويتي إلى خطورة هذه الجريمة حين بدأ مرتكبوها يتنقلون عبر الحدود الدولية، وباعتبار أن دولة الكويت جزء من المجتمع الدولي، فأصدر القانون رقم 5 لسنة 2005 بالموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولين المقترنين بها، كما وأصدر أيضاً القانون رقم 91 لسنة 2013 في شأن مكافحة الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين.
كما شارك المجتمع الدولي للطيران المدني أيضاً في التصدي لهذه الجريمة التي بدأ منفذوها يستغلون المطارات والطائرات لنقل ضحاياهم من دولة إلى أخرى، حيث أصدرت الجمعية العمومية لمنظمة الطيران المدني الدولي ( الإيكاو ) – هيئة دولية متخصصة تابعة للأمم المتحدة – قرارها رقم (A40-15 ) في اجتماعها الأربعين A40 2019، والذي يحث الدول المتعاقدة فيها – ومنها دولة الكويت – إلى العمل بالتوصيتين الجديدتين المنصوص عليهما في الملحق 9 (التسهيلات) لاتفاقية الطيران المدني الدولي – شيكاغو 1944 ( 8.47 و 8.48 )، واللتين ستكونان قابلتين للتطبيق اعتباراً من شهر فبراير 2020 حسب قرار مجلس (الإيكاو ) المتخذ في جلسته (217 ) 2019.
وتضمنت التوصيتان تشجيع الدول على تنقيح وتعديل قوانينها ولوائحها وسياساتها لمكافحة ورصد جريمة الاتجار بالأشخاص، ووضع آلية للاتصال والإبلاغ عن هذه الجريمة بين مشغلي المطارات والطائرات، وكذلك الأخذ في الاعتبار الكتاب الدوري رقم (352) الصادر عن الإيكاو الذي يحتوي على المواد الاسترشادية للتطبيق الأمثل لقواعد وتوصيات الملحق 9 ومنها تلك المتعلقة بتدريب أفراد طاقم الطائرة لرصد وإبلاغ الجهات المعنية في حالة الاشتباه بوجود جريمة الاتجار بالأشخاص في المطارات أو الطائرات.
والجدير بالذكر أن الجمعية العمومية للايكاو في اجتماعها الأربعين A40 2019 انتخبت رئيس الإدارة العامة للطيران المدني الشيخ سلمان الحمود، نائباً أول لرئيسها.
كما أصدر المجلس الدولي للمطارات (ACI) في بداية عام 2019 الكتاب الدوري لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، حيث احتوى على مجموعة من الإجراءات التي من شأنها التصدي لجريمة الاتجار بالأشخاص عبر المطارات، والتي تضمنت تدريب العاملين في المطارات في كيفية ملاحظة ورصد سلوكيات منفذي جرائم الاتجار بالأشخاص وضحاياهم، وزيادة الحملة التوعوية لجمهور المسافرين في المطارات، والمساهمة الاجتماعية لتعليم طلبة المدارس والمجتمع في كيفية إبلاغ الجهات المختصة في حالة الاشتباه بوجود هذه الجريمة في المطارات.
كما حث المجلس أيضاً المطارات العالمية بوضع المعلومات عن ضحايا جريمة الاتجار بالأشخاص في الأماكن البارزة في المطارات، وذلك لتعزيز التعاون المشترك بين الجهات العامة والخاصة العاملة في المطارات للرصد الفعال لمنفذي هذه الجريمة وإنقاذ الضحايا.
بدأت بعض الدول ومنها الدول الأوروبية، تلزم شركات الطيران التي تشغل رحلات دولية لديها، بتزويدها بمعلومات عن الركاب الذين تقلهم عبر النظام الإلكتروني( Advance Passenger Information (API و(Passenger Name Record (PNR، وذلك لأجل ملاحقة منفذي الأفعال الإرهابية تنفيذاً لقراري مجلس الأمن الدولي 2178 /2014 و2396 / 2017، اللذين يطلبان من الدول استخدام النظم الإلكترونية المذكورة API و PNR والمعلومات البيولوجية Biometrics كخطوة أساسية لتعزيز جهودها في التصدي للجرائم الإرهابية، والتي ستساهم بدورها أيضا في قمع جريمة الاتجار بالأشخاص من جهة، ومن جهة أخرى، فإن ضحايا جرائم الاتجار بالأشخاص، قد يتنقلون عبر الحدود الدولية بجوازات سفر مزورة، إذ إن الشبكات الإجرامية تسعى لاستغلال نقاط الضعف في النظام الإلكتروني في إدارة الحدود الجوية لتنفيذ مخططاتها الإجرامية، وبذلك فإن هذه الأنظمة الإلكترونية المتطورة تعتبر ركيزة أساسية، تساعد الدول في التصدي لهذه الجرائم.
ولذلك، وبحسب تصريح Tim Cohen المدير المساعد للشؤون الخارجية في الإياتا – الاتحاد الدولي للنقل الجوي – والمنشور في المجلة الأوروبية للطيران المدني 70 / 2019 (ECAC)، بأن هناك مشاريع كثيرة إلكترونية في هذا المجال، ومنها النظام الإلكتروني الذي روجت له الإياتا (one ID)، والذي يربط بين الأنظمة الإلكترونية المتعلقة بالمعلومات عن المسافرين كنظام API والبصمة البيولوجية Biometrics، بحيث يعمل هذا النظام من خلال سفر الأشخاص عبر المطارات الدولية، والذي من شأنه أن يقلل استخدام وثائق السفر المزورة عبر الحدود الدولية الجوية.
كما أصدرت الإياتا دليلاً استرشادياً IATA 2018، Guidelines on Human Trafficking لمكافحة الاتجار بالأشخاص لشركات الطيران، لتدريب العاملين لديها لرصد ومكافحة هذه الجريمة.
كما وأطلقت أيضاً حملة توعوية بعنوان «العيون المفتوحة» EyesOpen في عام 2018 والتي تهدف إلى زيادة توعية جمهور المسافرين في رصد هذه الجريمة مع تقديم أدلة استرشادية من شأنها أن تساعد شركات الطيران بالمعلومات والإجراءات الكفيلة في تطوير سياساتها وإجراءاتها ذات الصلة، وكذلك تبادل أفضل الممارسات والدراسات المتعلقة بكيفية التعامل مع هذه الجريمة، مع توفير أدوات عملية كنماذج تعليمية إلكترونية للتوعية والإبلاغ عن الجريمة.
أخيراً.. فإنه ولتحقيق غاية المشرع الكويتي بمكافحة جريمة الاتجار بالأشخاص في مجال النقل الجوي، يتعين وضع دليل إجرائي يشمل العاملين كافة لدى الجهات العامة والخاصة العاملة في تشغيل المطارات والطائرات، كالإدارة العامة للطيران المدني وشركات الطيران ومقدمي الخدمات الأرضية والملاحية والأجهزة الأمنية والجمركية لرصد وكشف سلوكيات منفذي جريمة الاتجار بالأشخاص وضحاياهم، وهي على سبيل المثال:
1 – وضع آلية إجرائية شاملة وواضحة تعكس التوصيات والقواعد الدولية المستحدثة ذات الصلة بكشف جريمة الاتجار بالأشخاص، وتشمل الجهات العامة والخاصة كافة العاملة في المطارات وتشغيل الطائرات.
2 – استخدام اللوحات والملصقات الإعلانية لحملات التوعية ضد المتاجرين بالأشخاص داخل المطارات وعلى جسور نقل الركاب، ووضع بطاقات صغيرة على مقاعد الركاب تحتوي على معلومات في شأن رصد سلوكيات منفذي هذه الجريمة ومدى خطورتها.
3 – إصدار شركات الطيران وشركات المناولة الأرضية دليلاً إجرائياً للعاملين لديها في شأن رصد سلوكيات جريمة الاتجار بالأشخاص وكيفية الإبلاغ عنها إلكترونياً.
4 – إعداد إحصائيات تكشف عن عدد ونسبة جرائم الاتجار بالأشخاص عبر النقل الجوي وتوثيقها.
5 – التعاقد مع إياتا والمجلس الدولي للمطارات لتقديم ورش عمل ودورات تدريبية للعاملين لديها في المطارات والطائرات للتعرف على أفضل الممارسات الدولية في رصد وكشف جريمة الاتجار بالأشخاص في المطارات والطائرات.
* النائب الرابع لرئيس اللجنة القانونية لدى «الإيكاو»
تعريف الإتجار بالأشخاص
تعتبر جريمة الإتجار بالأشخاص من الجرائم المنظمة، والتي بدأت تأخذ طابعاً دولياً، حين بدأ مرتكبو هذه الجريمة باستغلال الحدود الدولية للانتقال من دولة إلى أخرى.
ولقد عرفت هذه الجريمة بأنها ممارسة التأثير والتوجيه على تحركات الأشخاص بالقسر والإجبار، مقابل منفعة مادية، بينما عرفت جريمة «تهريب المهاجرين» بأنه ممارسة التوجيه على تحركات الأشخاص عبر الحدود الدولية بموافقتهم ورضاهم بالمخالفة لقوانين الهجرة، مقابل منفعة مادية.
استغلال النساء والأطفال
قد تتحول جريمة تهريب المهاجرين إلى جريمة «الاتجار بالأشخاص»، عندما يستخدم عنصر القوة والإجبار، وتتخذ الأخيرة ثلاثة أشكال رئيسية حسب التقارير المذكورة في الموقع الإلكتروني لأخبار الأمم المتحدة UN-News وهي: إما التسول، أو الاستغلال الجنسي، أو العمل القسري، ووصفتها بأنها نوع من الاستعباد أو الاسترقاق المعاصر، كما ذكرت أيضاً بأن المستهدفين الرئيسين في هذه الجريمة هم النساء والفتيات والأطفال.
مشاريع إلكترونية
– النظام الإلكتروني لـ «إياتا» (one ID)، الذي يربط بين الأنظمة الإلكترونية المتعلقة بالمعلومات عن المسافرين كنظام API والبصمة البيولوجية Biometrics.
– دليل «إياتا» الاسترشادي Guidelines on Human Trafficking لتدريب العاملين لديها لرصد ومكافحة الجريمة.
– حملة توعوية بعنوان «العيون المفتوحة» EyesOpen لزيادة توعية جمهور المسافرين في رصد الجريمة.