بات شبح الأيام الطويلة من عدم اليقين وحصول معارك قضائية حامية يخيم حالياً على أكبر قوة في العالم تشهد أساساً أزمات صحية واقتصادية واجتماعية كبرى، خصوصاً مع إعلان الرئيس دونالد ترامب فوزه من دون أن يقدم أي سند وحديثه عن اتهامات تزوير لا أساس لها، وتكراره لمفاجآته الانتخابية، بعدما قدم أداء فاق كل التوقعات واستطلاعات الرأي، رغم تراجعه الطفيف مقارنة بفوزه في الولاية الأولى قبل أربعة أعوام.
وبسبب الكمية غير المسبوقة من الأصوات عبر البريد، لم تتأخر عملية الفرز واحتساب النتائج فحسب، بل تأخر ظهور أصوات الديموقراطيين، فبدا لوهلة وكأن ترامب في طريقه لانتصار كاسح، ليبدأ الفارق بعد ذلك بالتقلص لمصلحة المرشح الديموقراطي جو بايدن، الذي أعلنت حمله انها «واثقة» من فوزه. ولا تزال هناك مسارات أمام ترامب وبايدن للفوز بالعدد اللازم من أصوات المجمع الانتخابي لدخول البيت الأبيض، وهو 270 صوتاً، حيث تواصل الولايات فرز الأصوات البريدية التي ارتفع عددها في ضوء فيروس كورونا المستجد، في حين كانت نسبة المشاركة الأعلى منذ 120 عاماً.
التباين بين الولايات في قوانين العدّ واحتساب الأصوات، ساهم في رسم تطورات ليلة الفرز. في الولايات التي قامت بفرز واحتساب الأصوات البريدية قبل حلول يوم الانتخاب، مثل فلوريدا وتكساس، افتتحت العد بتفوق ديموقراطي كبير، قبل أن تبدأ نتائج صناديق يوم الاقتراع بالظهور، وهو ما أدى الى انحسار تفوق نائب الرئيس السابق، قبل أن ينقلب هزيمة لمصلحة ترامب. ولن تتضح النتيجة في عدد قليل من الولايات إلا بعد ساعات أو أيام، رغم إعلان ترامب فوزه من دون أن يقدم أي سند وحديثه عن اتهامات تزوير لا أساس لها.وبعد وقت قصير من قول بايدن إنه واثق من تحقيق الفوز في المنافسة بمجرد الانتهاء من فرز الأصوات، ظهر ترامب في البيت الأبيض ليعلن النصر، وقال إن محاميه سيتوجهون إلى المحكمة العليا، من دون أن يحدد ما سيطالبون به.
وأكد: «كنا نستعد للفوز في هذه الانتخابات. بصراحة لقد فزنا بهذه الانتخابات».
وكتب في تغريدة، امس: «مساء أمس (الثلاثاء) كنت متقدماً في كثير من الولايات الرئيسية»، مضيفاً «بعد ذلك، بدأت الواحدة تلو الأخرى تختفي بطريقة سحرية مع ظهور بطاقات انتخابية مفاجئة واحتسابها».
والبطاقات التي يتحدث عنها الرئيس هي تلك التي وصلت عبر البريد ومن الممكن أن تستمرّ عملية فرزها أياماً عدة في بعض الولايات. وأثناء الليل، تسبب تعداد هذه البطاقات بتراجع ترامب في ميتشيغن وويسكونسن، وهما ولايتان رئيسيتان تعتمد نتيجة الانتخابات على أصواتهما. ويهدد هذا التعداد أيضاً تقدّمه في ولاية بنسلفانيا.
وبعد وقت قصير، تعهّد خصمه المرشح الديموقراطي جو بايدن في تغريدة أيضاً بأن حملته «لن يهدأ لها بال حتى احتساب كل صوت».
وحاول كل من فريقي الحملتين إقناع الرأي العام بأن مرشحه سيفوز بالانتخابات، خلال اتصالات هاتفية مع الصحافة.وقال بيل ستبين، مدير حملة ترامب، إن الحملة ستمضي قدما في مساعيها القانونية لضمان إحصاء جميع الأصوات الصحيحة وليس التي جرى الإدلاء بها بطريقة غير قانونية.
وأكد في مؤتمر صحافي عبر الهاتف «إذا أحصينا جميع الأصوات الصحيحة سنفوز.. سيفوز الرئيس».
وإعلان ترامب فوزه بشكل سابق لأوانه عند الساعة 02,20 بالتوقيت المحلي (07,20 ت غ) يعتبر أمراً غير مسبوق لرئيس أميركي فيما لا تزال الولايات تقوم بفرز الأصوات.
وقال كريس والاس الصحافي في «فوكس نيوز»، «إنه وضع قابل للاشتعال للغاية، ولقد رمى الرئيس الشرارة لتو».
وأغلقت مراكز الاقتراع أبوابها مساء الثلاثاء، لكن ولايات كثيرة تحتاج عادة لأيام حتى تنتهي من فرز بطاقات الاقتراع. وأدلى الكثيرون بأصواتهم عن طريق البريد بسبب الخوف من الجائحة.
وأحد أبرز أسباب قوة الصوت البريدي بين الديموقراطيين وتفوق الجمهوريين في التصويت شخصياً يوم الانتخاب، أول من أمس، يعود إلى التباين في موقف الحزبين من وباء فيروس كورونا، فالديموقراطيين يتمسكون بتوصيات العلماء لناحية ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي ويآثرون التصويت بريدياً، فيما نجح ترامب في اقناع الجمهوريين بأن الوباء كذبة تستهدف تقويض فوزه بولاية ثانية. كما شكك بنزاهة الاقتراع بالبريد، فأقنع الجمهوريين بالاحجام عن الانتخاب مبكراً أو بريدياً، ودفعهم للحضور بكثافة للتصويت يوم الاقتراع.
سبب آخر ساهم في تحديد شكل وديناميكية النتائج هو سيطرة الديموقراطيين على المدن وضواحيها، يقابل ذلك سيطرة الجمهوريين على الأرياف. ولأن الأرياف أقل كثافة سكانية، وتالياً في صناديقها عدد أصوات أقل منها في المدن، كان بالإمكان فرز أصواتها واحتساب أصوات الأرياف قبل أصوات المدن.
هكذا، سارت الليلة الانتخابية على الشكل التالي. في الولايات التي كانت فرزت أصوات الاقتراع المبكر والبريدي، افتتح الديموقراطيون العدّ بتفوق لمصلحتهم. ثم وصلت صناديق الأرياف، فانتزع الجمهوريون الصدارة من الديموقراطيين. ثم بدأت أصوات الديموقراطيين ترد من التجمعات السكانية الكبيرة في المدن، فقلّص الديموقراطيون تفوق الجمهوريين، وفي بعض الولايات انتزعوا الصدارة مجدداً.
ومن الأسباب التي ساهمت في تأخر القوة الديموقراطية هو أن الولايات مثل بنسلفانيا وميتشيغن لا تسمح بفرز واحتساب الأصوات قبل يوم الانتخابات، بل تبدأ عملية الفرز والعدّ يوم الانتخابات، أو حتى بعد إغلاق الصناديق في الولاية. لهذا السبب، بدا ترامب متفوقاً بما لا يقاس في بنسلفانيا وميتشيغن وويسكونسن، قبل أن تبدأ أصوات البريد والمدن بالورود، فعاد بايدن إلى المنافسة، وفي بعض الولايات إلى الصدارة.
أداء ترامب الجيد ظهر في فلوريدا، التي كانت استطلاعات الرأي تشير لتعادله مع بايدن فيه. لكن الكوبيين الأميركيين، الذين يعادون الديموقراطيين بسبب انفتاح الرئيس الأسبق باراك أوباما على نظام كاسترو في كوبا، قدموا الولاية على طبق من فضة لترامب. بعد فلوريدا، نجح ترامب في اقتناص أوهايو، وهذه كانت استطلاعات الرأي تظهر بشكل متكرر تقدم ترامب فيها.
على أن استطلاعات الرأي لم تتوقع أن تتحول نورث كارولينا الى ولاية متأرجحة، اذ كانت كل الاستفتاءات تشير الى فوز ترامب والجمهوريين بها. لكن الولاية فجّرت مفاجأة سارة للديموقراطيين، وبقيت عصية على ترامب حتى الساعات الأخيرة من الفرز، ومثلها جارتها جورجيا، الولاية الجمهورية التي هزّتها مدينة اتلانتا وضواحيها، ذات الكثافة السكانية من الأفارقة الأميركيين الذين يقترعون تقليدياً لمصلحة الديموقراطيين.
ومع بدء الساحل الغربي، الذي يتأخر بثلاث ساعات عن ساحل أميركا الشرقي، بإغلاق صناديق الاقتراع، حقق بايدن فوزاً ثميناً، وإن يكن متوقعاً، في ولاية اريزونا، التي كان ترامب فاز فيها في الانتخابات الماضية. ومع اريزونا بدا أن جارتها الشمالية نيفادا في طريقها الى أحضان الديموقراطيين، رغم التقارب في الصدارة بين المرشحين. ثم اقتنص الديموقراطيون صوتاً واحداً في الكلية الانتخابية، قد يتضح أنه الأهم لوصول بايدن لغالبية 270 صوتاً المطلوبة في الكلية الانتخابية، وذلك في نبراسكا، وهي من أصغر الولايات وتقسّم أصواتها الثلاثة بين المرشحين بواقع صوتين مقابل صوت.
مع مرور الوقت، ظلّت ولايات الوسط الغربي الثلاثة: ويسكونسن وميتشيغن وبنسلفانيا، في حال مدّ وجزر بين المرشحين. لكن جون ديلون، مدير حملة بايدن، توقع في اتصال مع الصحافيين، مساء أمس، أن يفوز المرشح الديموقراطي في ولايات«الحائط الأزرق»، والتي اكتتبت اسمها بسبب اقتراعها لمصلحة الديموقراطيين على مدى العقدين الماضيين، الى أن انتزعها ترامب من كلينتون في 2016.
مع بدء التراجع الديموقراطي، أطل بايدن على مناصريه ليطلب منهم الصبر. ومع بلوغ التفوق الجمهوري ذروته، أطل ترامب ليعلن فوزه في ولايات لم يعلن مسؤوليها الافراغ من الفرز والعد فيها، وبدا ترامب مزهوا بأدائه، وأعلن ما يشبه انتصاره. على أن بعض التراجع يبدو أنه أقنع ترامب أن تغلب منافسه بايدن عليه مازال ممكناً، فقام ترامب – استباقياً – بالحديث عن تزوير انتخابي، وهدد بالذهاب الى القضاء خصوصا المحكمة الفيديرالية العليا، التي يتمتع بها الجمهوريون بغالبية ستة من أصل تسعة أصوات.
لكن الذهاب الى المحاكم ليس تلقائياً، بل يشترط – حسب دستور كل ولاية – أن يكون الفارق في النتائج أقل من واحد أو أقل من نصف في المئة.
وفي وقت كان يبدو أن ترامب متفوقاً بقرابة نصف المليون صوت في بنسلفانيا، مع مليون صوت متبقية للفرز، أشار الخبراء الى أنه حتى لو خسر بنسلفانيا، يمكن بايدن الفوز شرط تثبيت فوزه في كل من اريزونا ونيفادا، وحصوله على ويسكونسن وميتشيغن.
أمنياً، أصيب أربعة أشخاص، في هجوم شنه مجهولون بسكين بالقرب من البيت الأبيض، تزامناً مع الانتخابات.وأفادت شبكة «إن بي سي»، نقلاً عن الشرطة المحلية، بنقل ثلاثة رجال وامرأة إلى المستشفى بعد إصابتهم بجروح طفيفة.
وباشر ضباط إنفاذ القانون عمليات البحث عن ثلاثة مشتبه فيهم، والذين من المحتمل أن يكونوا أعضاء في مجموعة اليمين المتطرف التي تدعم ترامب.
رئيس وزراء سلوفينيا يُهنئ ترامب !
هنأ رئيس وزراء سلوفينيا جانيز جانزا، الرئيس دونالد ترامب، على ما وصفه في تغريدة على «تويتر»، بأنه فوز واضح في انتخابات الرئاسة الأميركية ليصبح أول زعيم من الاتحاد الأوروبي يفعل ذلك، حتى قبل ظهور النتائج النهائية رسمياً.
وقال زعيم الدولة الصغيرة التي جاءت منها السيدة الأولى ميلانيا ترامب: «من الواضح تماماً أن الشعب الأميركي انتخب دونالد ترامب ومايك بنس لأربع سنوات أخرى».
وأضاف السياسي اليميني الذي أعلن دعمه لترامب قبل الانتخابات: «تهانينا للحزب الجمهوري على النتائج القوية على مستوى الولايات المتحدة».
أميركا تتعلم الديموقراطية الأفريقية!
بعد يوم من تصويت الأميركيين في انتخابات شهدت منافسة مريرة، يحبس العالم أنفاسه، إذ لا تزال ملايين الأصوات تنتظر الفرز في السباق المحتدم بينما تتنامى مخاطر الوصول إلى وضع قانوني غامض يستمر أياماً وربما أسابيع.
وقال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب «دعونا ننتظر ونرى ما هي النتيجة… من الواضح أن هناك قدراً كبيراً من الغموض.
السباق متقارب أكثر مما توقع كثيرون». وفي عام 2000، توقفت نتيجة الانتخابات بين جورج دبليو. بوش وآل غور على أصوات ولاية فلوريدا.
وقررت المحكمة العليا في النهاية أن الفائز هو بوش في حكم صدر بعد خمسة أسابيع من التصويت. وفي تصريحاته أمس، أشار ترامب إلى أن المحكمة العليا – التي رشح لها ثلاثة من قضاتها التسعة – ستقرر من هو الفائز مرة أخرى.
ومن روسيا إلى باكستان وماليزيا وكينيا وعبر أنحاء أوروبا وأميركا اللاتينية انتشرت وسوم #ترامب و#بايدن و#الانتخابات الأميركية 2020 على «تويتر» مما يبرز أهمية النتيجة لكل دول العالم.
وقال وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير، إن من المهم أن يتقبل المشاركون في انتخابات الرئاسة النتائج عندما تظهر. وأضاف أن النتيجة لن تُعرف إلا بعد استكمال فرز كل الأصوات. وفي روسيا، التي اتهمتها أجهزة الاستخبارات الأميركية بمحاولة التدخل في الانتخابات، لم يكن هناك رد فعل رسمي.
لكن النائب المؤيد للكرملين فياتشيسلاف نيكونوف، نصح الروس بشراء كميات كبيرة من الفشار لمشاهدة العرض الذي ستتكشف ملامحه، قائلاً إن المجتمع الأميركي تمزقه الانقسامات.
وكتب نيكونوف، الذي رحب بفوز ترامب عام 2016، على «فيسبوك»، أمس: «نتيجة الانتخابات هي أسوأ نتيجة لأميركا… بغض النظر عمن يربح المعارك القانونية لن يعتبره نصف الأميركيين الرئيس الشرعي. دعونا نخزن كميات كبيرة من الفشار».
ودعت منظمة «هيومان رايتس ووتش»، التي تتخذ من نيويورك مقراً، إلى عدم الحكم على النتائج قبل فرز الأصوات.
وقال المدير التنفيذي كينيث روث إن التعجل في إعلان الفوز أمر خطير. وأضاف: «قد يسر المستبدون كثيرا تقويض الديموقراطية في الولايات المتحدة بالترحيب بإعلان فوز سابق لأوانه».
أما الصين، التي تدهورت علاقاتها بالولايات المتحدة إلى أسوأ حالاتها خلال عشرات السنين في عهد ترامب، فاعتبرت أن الانتخابات شأن داخلي و «ليس لديها موقف منها».
لكنّ مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الصينيين، سارعوا للسخرية من إخفاق النظام الانتخابي في إعلان نتيجة سريعة وواضحة.
وكتب أحد مستخدمي منصة «ويبو» الصينية التي تشبه «تويتر»، «دعوا ترامب يُنتخب مجدداً ويأخذ الولايات المتحدة إلى الهاوية».
وفي نيجيريا، قال السناتور شيهو ساني إن الضبابية التي تشهدها الولايات المتحدة تثير ذكريات كثيرة في أفريقيا.
وكتب لمتابعيه على «تويتر» الذين يبلغ عددهم 1.6 مليون متابع «اعتادت أفريقيا التعلم من الديموقراطية الأميركية، الآن تتعلم أميركا الديموقراطية الأفريقية».