تبقى في ذاكرة الأزمة الخليجية محطات خالدة، منها المواقف والتحركات الكبيرة لوزير الخارجية الشيخ الدكتور أحمد الناصر الذي كان أول من كشف عن الوساطة الكويتية الساعية لحل الخلاف بين الأشقاء، حيث أعلن عندما كان يشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون مكتب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء خلال غبقة رمضانية، بعد أيام من اندلاع الأزمة في يونيو 2017، أن «الكويت تقوم دائماً بدورها، وهو الاعتدال والاتزان، وجلب الجميع إلى نقطة سواء، وجمعهم حول طاولة الحوار في جميع القضايا».
مفاوض الأزمة الخليجية، الذي عُيّن لاحقاً وزيراً للخارجية، كان له السبق أيضاً في الإعلان عن نجاح المهمة الصعبة بفتح الحدود البرية والأجواء بين المملكة العربية السعودية وقطر مساء الاثنين الماضي، بعد 7 زيارات مكوكية صنعت التوازن الخليجي والعربي وضبطت إيقاع الحوار بين الأشقاء، وكانت مفتاح نجاح الوساطة الكويتية بتوجيهات مباشرة من سمو الأميرالشيخ نواف الأحمد.
وفيما أكدت مصادر مطلعة صعوبة وتعقيدات مفاوضات الليلة الأخيرة قبل انعقاد قمة المصالحة في مدينة العُلا، فإنها لفتت إلى أهمية مهارات وزير الخارجية الشاب الديبلوماسية في خلق التوازن والحياد الإيجابي، والسياسة الناعمة بين الدولتين الشقيقتين، المملكة العربية السعودية وقطر، حيث ساهمت في نجاح الوساطة الكويتية، فكان نسخة مُجدّدة من ديبلوماسية سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيّب الله ثراه، صانع الإرث الكبير للسياسة الخارجية للكويت، إلى جانب سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد، وعزّز ذلك أنه سليل عائلة ديبلوماسية حيث منحه والده سمو الشيخ ناصر المحمد وعمه المغفور له الشيخ بدر المحمد فرصة ليكون ديبلوماسياً من الطراز الفريد في امتداد للتقاليد الكويتية العريقة.
وعزّز مُعلّم اللغة الفرنسية و«صندوق الأسرار» للأزمة الخليجية، من خلال وساطته الأخيرة، العدد القياسي للوساطات الكويتية والتاريخ العريق في المبادرات الإيجابية لإنهاء النزاعات وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
ومن آخر التحركات الإيجابية للكويت، الجهود التي بذلت لتقريب وجهات النظر بين الأطراف اليمنية، من خلال استضافتها في العام 2016، والتأكيد الدائم على استعداد الكويت لاستضافة الفرقاء اليمنيين مجدداً للوصول إلى حل نهائي للأزمة.
وفي 3 مارس 2011، أنهى سمو الأمير الراحل صباح الأحمد الصباح، خلافاً بين دولة الإمارات وسلطنة عمان.
ولعبت الديبلوماسية الكويتية دوراً في جهود تسوية الصراع المسلح الذي حدث بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، العام 1970، كما سعت الكويت إلى حلِّ النزاع بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي في العام 1972.
وكان للكويت دور رئيسي في حلِّ الأزمة التي ظهرت بين عُمان واليمن في العام 1984، وتوسّطت أيضاً بين تركيا وبلغاريا، في العام 1989، لحل مشكلة الأقلية التركية في بلغاريا.
وتزخر السياسة الخارجية في الكويت بفرسان من مدرسة صباح الأحمد، فعندما يترجل فارس يكمل فارس آخر المسيرة في عالم السياسة الخارجية.