«تسونامي» كوروني اجتاح أهل الإعلام في لبنان، ولم يوفّر شاشة ولا منصة إلكترونية او إذاعة وصحيفة إلا وكان له زيارة ثقيلة لإعلامييها والعاملين فيها.
قاسياً كان على كبار في الإعلام اللبناني فحصد رمزي النجار رجل الأعلام والإعلان، وجورج بشير الصوت الذي رافق اللبنانيين بتحليلاته الإذاعية منذ ايام الحرب الأهلية، وخطف الإعلامية في قناة المنار فاطمة مزنر.
كثيرةٌ الأسماء الإعلامية والفنية التي أعلنت إصابتها بـ «كورونا» بعدما تفلّت الفيروس اللعين من كل قيد وغزا غالبية بيوتات لبنان تاركاً تداعياته السيئة على أهلها.
مشاهير أحبهم الناس وتابعوا اخبارهم واجهوا خطر الفيروس وتداعياته لكنهم تلقوا في المقابل محبة الجمهور ودعمه المطلق، فكان ذلك سنداً لهم في أوقاتهم الصعبة.
منذ البداية بدا واضحاً ان الجسم الإعلامي في لبنان، إلى جانب الجسم الطبي، هو في الخطوط الأمامية بمواجهة الفيروس. فالإعلاميون لم يتأخروا مطلقاً عن مجابهة الفيروس في عقر داره فأمّنوا التغطية الإعلامية، بدايةً من مستشفى رفيق الحريري الجامعي الذي لم يكن بعض المواطنين حتى يجرؤون على المرور بسياراتهم أمامه، ومن داخل المطار حيث كان المصابون يُعزلون ويُنقلون في باصات خاصة الى الفنادق للحَجْر. ثم ومع استشراس كورونا بدأ الإعلاميون يدخلون غرف المصابين وينقلون عن قرب أجواء المستشفيات الملأى في صراعها العنيف ضد الجائحة ويخالطون المصابين والجسم الطبي.
ورغم إجراءات الوقاية التي كانوا يعتمدونها، لم يستطع عدد كبير من الإعلاميين ان ينجو من براثن الفيروس ولا سيما بعد الكلام عن انتشار السلالة المتحورة من كوفيد-19 في لبنان والتي هي شديدة العدوى و سريعة الانتشار. فهم يومياً على تماس مع الشارع والناس، والتباعد الاجتماعي غالباً ما يكون عائقاً أمام تأديتهم لواجبهم الصحافي. وحتى الحضور الى الاستوديوهات لتقديم برامجهم يحمل مخاطر عالية في وقت كل اللبنانيين محجورين في منازلهم خوفاً واتقاء من الفيروس.
وقد نشر الإعلامي نيشان تغريدة له يطلب فيها من المواطنين رأيهم إن كان من الأفضل أن يقدم حلقة برنامجه «أنا هيك» من المنزل عبر تقنية الفيديو والتواصل عن بُعد، أم يقدمها من استوديو تلفزيون «الجديد» كعادته. ومع اختلاف الآراء و النصائح عاد نيشان و قدم الحلقة من الاستوديو ليكون مثالاً على كثير من الإعلاميين الذي يبدّون دورهم الإعلامي على كل المعطيات الأخرى ولا سيما صحتهم.
صراع بين الصحة والواجب الصحافي
منى ابو حمزة، ناديا بساط، جو معلوف، هشام حداد، بسام أبو زيد، يزبك وهبي، داليا داغر، ريمي درباس، مالك الشريف، رابعة الزيات، جيسيكا عازار، ديانا فاخوري وجاد بو كرم، عيّنة عن عدد أكبر من الإعلاميين الذين أصيبوا بالفيروس. وقد أعلن هؤلاء وغيرهم من الزملاء عن إصابتهم على مواقع التواصل وحوّلوا الإصابة الى حملة لتوعية الناس وحضّهم على الالتزام بالإجراءات المفروضة من الحكومة.
ومعلوم أن وسائل الإعلام اللبنانية كانت قد سبقت الحكومة مع بداية الجائحة الى إعلان نوع من حال الطوارئ الصحية، ودعت قبل أي جهة رسمية المواطنين الى التزام بيوتهم، كان لهذه الحملة تأثيرها الإيجابي الواسع على ردع الفيروس من التقدم حينها. ولكن مع ظهور الموجة الثانية لم تعد الحملات الإعلامية كافية أو تؤدي النتيجة المطلوبة، وصار دور الإعلاميين النزول الى أرض المعركة الحقيقية وتسليط الضوء على الوضع الكارثي الذي تعيشه المستشفيات ويعيشه معها المصابون الذين لم يعد بإمكانهم إيجاد أسرّة للاستشفاء وسط شحّ وشبه انقطاع للأوكسيجين الذي أصبح رهينة السوق السوداء وأسعارها لمَن هم في أمسّ الحاجة لجرعاتٍ يمكنها أن تنقذ حياتهم وتوفّر عليهم ذلّ استجداء سرير في المستشفى أو مساعدة في أقسام الطوارىء التي تحوّلت مساحات تفيض بالمرضى.
وجاءت هذه التحركات الميدانية للإعلاميين بهدف إيجاد حالة من الوعي او الخوف عند المواطنين مما يمكن ان يحدث إذا اصيبوا ولم يلتزموا بالوقاية.
الإعلامي هشام حداد صاحب البرنامج الكوميدي المعروف «لهون وبس» أعلن عن إصابته بعدما أصيبت زوجته والعاملة المنزلية. ولم يحوّل حداد الإصابة الى مثار للسخرية والضحك كعادته مع كل الأحداث، بل على العكس التزم الصمت وابتعد عن مواقع التواصل ولا سيما التعليقات التي اعتاد التفاعل معها على «تويتر»، وقال إن فترة الابتعاد هذه «أرْيح له وأقلّ ضغط».
وجاء هذا الإعلان نتيجة ما يتعرّض له حداد من هجوم مع كل تعليق سياسي او اجتماعي مُعارِض ينشره عبر تويتر. أما زميله في البرنامج جاد بو كرم الذي سبقه الى «كورونا»، فاحتفظ بحسه الفكاهي الضاحك وحوّل مجابهته للمرض الى فيديوات يومية تعكس واقعه اليومي خلال الإصابة بشكل ساخر، وكذلك فعلت أمل طالب الشخصية الفكاهية التي ينتظر الجمهور تعليقاتها البعلبكية الطريفة.
الإعلامية جيسيكا عازار قوبلت إصابتها بحملة من الانتقادات لأنها أعلنت أنها التقت بأصدقاء لها مصابين أيضاً، واعتبر المعلّقون أنها بذلك تساهم في نشر الفيروس على الأسطح وتعرّض سواها للمرض. وجاء رد عازار أنها التزمت الحجر المنزلي، وأخذت كل احتياطاتها وانعزلت عن أهلها والعالم الخارجي. وأضافت: «الفرق انو بالمطرح اللي أنا موجودة فيه، ناس غيري عندن كورونا وهنّي 8 من أصحابي. وبما انو دكتور عون، سمحلنا نتلاقى مع بعض كوننا positive، لأن هالشي بخفف عنا ألم وبحافظ ع صحتنا النفسية، نحنا عم نساعد ونخدم بعض لما نعرّض حدا للعدوى».
إصابات بالجملة والتضامن هو الرابط الأحلى بينها
ورغم الجدل الذي أثارتْه عازار، إلا أن التضامن بين المصابين يعتبر عاملاً مشجعاً جداً في مواجهة الفيروس والانتصار عليه. وهذا ما دعا أربعة من أبرز الإعلاميين اللبنانيين الذين أصيبوا تقريباً في الوقت نفسه، وهم داليا داغر ويزبك وهبي ومالك الشريف وريمي درباس الى إيجاد شبكة تواصل يومية فيما بينهم عبر الواتساب للإطمئنان الى وضعهم و متابعة مسار مرض كل منهم.
وبحسب مالك الشريف فقد ساهم هذا الأمر في إعطائه معنويات عالية رفعت من قدرته على مواجهة المرض. وقد أصرّ على أن يوجه رسالة الى كل المصابين مفادها ضرورة المتابعة اليومية مع الطبيب أثناء الإصابة. وقال إن وضع المصاب يكون دقيقاً جداً وعليه ألا يعمد مطلقاً الى تناول أي دواء بطريقة عشوائية بل ان يلتزم بشكل كلي بما يمليه عليه طبيبه يومياً. ووصف حالته بأنه كان متعباً يفتقد الى التركيز ويعاني ارتفاعاً في الحرارة.
أما داليا داغر التي مرت عليها الإصابة بأقلّ أضرار ممكنة، فكانت الأخت الكبرى التي تَطْمَئن عن الجميع وتدعم الكل إلى أن تعافت واستعادت برنامجها الأسبوعي ونشاطاتها الإنسانية.
من جهته وصف الإعلامي الرصين يزبك وهبة حالته أثناء «كورونا» بأنها حالة من التعب الشديد مع إرهاق جسدي و سعال وتدني في نسبة الأوكسجين في الدم وصلت الى حدود الخطر أي نحو 94. ومعلوم أنه متى انخفضت هذه النسبة إلى أقل من 92 يصبح المريض في حالة خطر يحتاج معها الى دخول المستشفى والتزوّد بالأوكسجين. ولكن ما حذر منه وهبه، الذي اضطر لاحقاً لدخول المستشفى، هو عودة ظهور بعض العوارض بين اليومين الثامن والعاشر بعد أن تكون قد انكفأت سابقاً. ونصيحته لكل المصابين أن يستمرّوا بالتواصل مع الطبيب بعد الشفاء للاستمرار بتناول بعض الأدوية الضرورية التي تحمي من حدوث مضاعفات ولا سيما التجلطات في الدم التي يمكن أن تكون مميتة.
الإعلامية ريمي درباس حاولتْ أن تتحمل في البيت أعراض المرض كما قيل لها وأن تتناول الأدوية البسيطة المتداولة، وكانت تتواصل مع طبيبيها باستمرار. إلا أنها شعرت في قرارة نفسها أنها ليست مرتاحة للعلاج الذي تتناوله وأنه لا يعطي المفعول الذي تتوقعه. وبالفعل كان حدسها في محله إذ ساءت حالتها واضطرت للذهاب الى المستشفى لتلقي العلاج منعاً لأي مضاعفات خطرة يمكن ان تصيبها. واستطاعت ريمي بفضل العناية الطبية وجهود كل الجسم التمريضي أن تتخطى هذه المرحلة وتخرج منها معافاة إنما متعبة.
الإعلامية ناديا بساط عاشت كورونا مرتين، الأولى حين أصيب ولداها اللذان يدرسان في لندن بالفيروس في بداية الجائحة وسبّبا لها قلقاً كبيراً كونهما بعيدين عنها، والثانية حين أصيبت هي نفسها بالفيروس وكانت إصابتها شديدة رأت خلالها الويلات من آلام في الجسم وإرهاق، إلى أن تمكنت من تخطي الأزمة بسلامة.
فنان يصاب بكورونا مرتين
وتطول اللائحة وتضاف إليها أسماء تباعاً أسماء جديدة مع استمرار انتشار الوباء في لبنان. ويتفاجأ الناس يومياً بمشاهير ينضمون الى لائحة المصابين. ولعل أشهر إصابة ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام إصابة الممثل وجيه صقر بالفيروس للمرة الثانية بعد إصابة أولى له قبل نحو خمسة أشهر. وقد صدم الخبر الجمهور اللبناني وأثار الخوف لأنه ينفي المقولة السائدة أن مَن أصيب مرة تنشأ لديه أجسام مضادة تحميه لفترة طويلة. وأشار صقر إلى أن الفحوص التي خضع لها كشفت أنه خسر كل الأجسام المضادة لفيروس كورونا التي أُنتجت بعد إصابته الأولى، كما كشف عن أعراض مختلفة عن تلك التي شعر بها في إصابته الأولى.
وشكّل خبر إصابة الممثل فادي ابراهيم صدمةً بين جمهوره لأن الأخبار انتشرت بسرعة حول تَفاقُم حالته وتَدخُّل محطة LBC ونقيب الفنانين لتأمين سرير له في المستشفى بعدما بات معرّضاً للخطر، ليتبيّن فيما بعد أن حاله مستقرة و لم يعان إلا من العوارض المعروفة للفيروس وقد بات بعدها بحال جيدة.
ولا يمرّ أي خبر عن إصابة أحد المشاهير في لبنان بفيروس كورونا مرور الكرام. فإصابة أفراد عائلة عاصي الحلاني بالفيروس تضامن معها الجمهور بشكل كبير ولا سيما أن جميعهم محبوبون من الناس، ليعود الأمر ويسبّب مشكلة مع إحياء عاصي حفلة رأس السنة في لبنان التي اجتمع فيها عدد كبير من الأشخاص كم دون الالتزام بإجراءات الوقاية، ما ساهم بحسب البعض بانتشار الوباء بشكل أسرع ورفع عدد المصابين. وبعدها انطلقت حملة تنتقد آل حلاني ولا سيما بعد نشر صورة للوليد وهو يتلقى اللقاح في دبي ما اضطره بعدها الى حذف الصورة مراعاةً لمشاعر المصابين اللبنانيين الذين لم يستطيعوا بعد تلقي اللقاح.
وكان عدد من المشاهير والوجوه المعروفة أعلنوا اصابتهم بكورونا منهم: ديانا فاخوري، عبير نعمة، محمد قيس، ناجي الأسطا، حازم الشريف، ليليا اطرش وغيرهم. وفيما تمكّنت غالبية هؤلاء من الانتصار على الفيروس إلا أنه كان أشدّ وطأة على بعضهم من سواه مثل المطرب ناجي الأسطا الذي اضطر لدخول المستشفى بعدما ساءت حاله ليتعافى بعدها ويعود الى منزله.
… على أمل أن تنتهي لائحة الاسماء المصابة عند هذا الحد ويتراجع منسوب الإصابات بين المشاهير واللبنانيين بشكل عام وأن يصبح كورونا مجرد ذكرى سيئة لا واقعاً قاتلاً يعيشه العالم كل يوم.