«بإذن الله ما أخليك محتاج لأحد»… قالها الطفل علي خالد ياسر الشمري لوالده، مقبّلاً رأسه، قبل أن يتركه ويدخل غرفته مساء ليخلد للنوم.
لكن النوم الذي أراده كان انتحاراً… حزناً على وضع والده المادي، والذي لم يستطع أن يؤمّن له 12 ديناراً ثمناً لتصليح «البلاي ستيشن». وهو الرقم ذاته الذي أغلق عليه كتاب حياته.
في الأمس، استيقظت الكويت على مأساة انتحار الطفل الشمري، مستخدماً «واير» وحدة التكييف في غرفته، ودُفن عصراً في مقبرة الصليبيخات، تاركاً خلفه والدة مفجوعة بفلذة كبدها وحزن والده وأشقائه الخمسة وأهله عليه.
نقلا عن صحيفة «الراي» التي زارت سكن المتوفى في منطقة الصليبية، وقدّمت واجب العزاء لأسرته الكريمة، وسألت والده خالد ياسر عن أسباب انتحار طفله، حيث أكد وجراح الألم والآهات والدموع تسبق كلامه أن «العوز والحاجة السبب في فقدان فلذة كبدي، لأنه كثيراً ما كان يراني أتألم عندما يطلب وإخوانه شراء ألعاباً أو ملابس أو هاتفاً أو آيباد كحال أقرانهم، فأرد عليهم والألم يعتصر قلبي (والله يا يبا ماعندي)».
وأضاف الشمري «أعمل براتب 150 ديناراً، ومنذ 3 أشهر لم أتسلم منها شيئاً، وأنا معيل لوالدتهم و6 أولاد، والمتوفى الرابع منهم».
وعن كيفية انتحاره، ذكر والده: «مساء أمس (أول من أمس) طلب مني 12 ديناراً لتسلم بلاي ستيشن من ورشة التصليح، إذ إنه محتجز منذ أسابيع ولا أملك المبلغ لتسلمه، وقلت له إذا صار عندي أعطيك، فرد عليّ وقال (يبا، أدري إنك تعمل وتتعب على شاني وإخواني، ودائماً ما تذكر أن العوز كسر ظهري، ولكن بإذن الله ما أخليك محتاج لأحد… وقام وباس راسي وقال هذي بوسة ثانية لأمي أخاف تزعل، وتركني وذهب للنوم في غرفته».
وأكمل الوالد: «وفي الساعة 2:30 صباحاً، وإذ بي أفاجأ بصوت شقيقه يصرخ (يبا الحق أخوي علي مات)، فذهبت لغرفته وإذا به معلّق في واير وحدة التكييف، ومعلق رقبته بسلك، فلم أستطع تحمل المنظر وسقطت بجانبه».
وفي الوقت الذي منعته الدموع من إكمال حديثه، أكمل شقيقه جراح (عم الطفل): «نقله إلى مستشفى الفروانية، حيث وصل ميتاً وتم نقله للأدلة الجنائية التي قامت بواجبها مشكورة وتسلمنا الجثة وتصريح الدفن حيث ووري الثرى عصر أمس وإنا لله وإنا إليه راجعون».
وأشار عمه إلى أن علي يبلغ من العمر 12 عاماً، ويدرس في الصف السادس، ومتفوق ومطيع ومحب لوالديه وملازم لهما»، موضحاً أن «علي تأخّر هذا العام في دخول المدرسة لعدم تجديد بطاقة والده بسبب مديونية».
وقال «لا نعلم إلى متى ستستمر هذه المعاناة وكافي ما حصدته من أرواح لا ذنب لها إلّا أنها ولدت في هذه الأرض ولا وطن لها غير الكويت، حيث فقدت روح طفل قبل يومين من الاحتفال بالعيد الوطني لبلاده وترك الأعلام التي كان فرحاً بها وهي خفاقة فوق منزله»، داعياً المولى أن يحفظ الكويت وأهلها.
مواقف نيابية
أثار انتحار الطفل علي الشمري ردود فعل نيابية، شدّدت على ضرورة إيجاد حل لقضية البدون.
وأكد النائب صالح الشلاحي أنه سيتقدّم بطلب تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، لبحث أسباب انتحار الطفل، لافتاً في تصريح للصحافيين إلى أن «هؤلاء الناس الذين يعيشون بيننا يجب أن نعطيهم على أقل تقدير حياة كريمة، وأنا أعلم أنهم يريدون الجنسية وكثير منهم، ولكن نحن نعيش مأساة حقيقية يجب التعامل معها الآن».
من جانبه، قال النائب فرز الديحاني: «الاستمرار في هذا الوضع المأسوي سيفجّر قنبلة موقوتة خسائرها فادحة»، فيما أكد النائب عبدالكريم الكندري أن «على لجان المجلس إنجاز قوانين حل قضية البدون لرفع الظلم عمَنْ باتوا يفضّلون الموت على مشقة الحياة».
وفيما رأى النائب أحمد الحمد أن «انتحار طفل من أهلنا الكويتيين البدون دلالة جديدة على الحالة التي وصلت إليها هذه الفئة بعد المعاناة واليأس وانعدام أي أفق للتغيير في المستقبل»، وجد النائب مرزوق الخليفة أنه «عندما ينتحر طفل بدون يعيش حياة الجحيم، فهذا يعني أن الحكومة عليها أن تدفع الثمن وتُحاسَب لأنها هي التي وضعته تحت وطأة الحرمان من دون ذنب اقترفه».
وقال النائب مهند الساير: «انتحار طفل بدون يعبّر عن عمق الكارثة الإنسانية التي يحملها هذا الملف، فالأزمة ليست أزمة قوانين أو إثبات مواطنة».
وبدوره، رأى النائب فايز الجمهور أنه «لا شك أن الانتحار محرّم، ولكن ما أسبابه بين إخواننا البدون؟ إنه التضييق في الحياة… لا عمل ولا سكن ولا زواج».