أضافت تداعيات «عاصفة» التسريب الصوتي المسجل لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والذي كشف مدى تحكم قائد «فيلق القدس» السابق، بمفاصل السياسة الخارجية، مدماكاً جديداً للخلافات الداخلية بين الاصلاحيين والمتشددين، والتي تتصدرها المفاوضات المُتجددة حول الملف النووي في فيينا، والانتخابات الرئاسية المقبلة في يونيو المقبل، ولا سيما أنها طاولت الجنرال قاسم سليماني، الذي يعد من أبرز مهندسي السياسة الاقليمية الإيرانية، ويحظى بمكانة كبيرة خصوصاً بعد اغتياله بضربة جوية أميركية في بغداد في يناير من العام الماضي.
وفي خضم الجدل الذي خلفه التسريب على الساحة السياسية، بدأ ظريف أمس، زيارة لبغداد. وقام بعيد وصوله إلى العاصمة العراقية، بالتوقف في موقع استهداف سليماني ونائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، حيث تلا الفاتحة.
وخلال مؤتمر صحافي مع نظيره العراقي فؤاد حسين، حيا وزير الخارجية الإيراني، سليماني، واصفاً إياه بـ «بطل القتال ضد داعش».
وكان موقع «إيران إنترناشيونال» المعارض، حصل على ملف صوتي لظريف، في مقابلة كان من المقرر نشرها بعد انتهاء ولاية الحكومة الحالية، أشار فيها إلى تدخلات سليماني، وأنه «ضحى بالديبلوماسية من أجل العمليات الميدانية للحرس الثوري»، مؤكداً «دوري كان صفراً».
وقال ظريف في المقابلة مع الاقتصادي الموالي للحكومة سعيد ليلاز، والتي أجريت في مارس من العام الماضي، إن سليماني كان يفرض شروطه في أي تفاوض خارجي في شأن سورية، مضيفاً «لم أتمكن من إقناعه بطلباتي».
وأضاف ظريف، أنه في كل مرة تقريباً كان يذهب فيها للتفاوض، كان سليماني يفرض شروطه ويوجه بأن تُأخذ نقاط بعينها بالاعتبار.
ومما جاء في المقتطفات، إنه «في الجمهورية الإٍسلامية الميدان العسكري هو الذي يحكم (…) لقد ضحيت بالديبلوماسية من أجل الميدان العسكري وساحة المعركة، بدل أن يخدم الميدان الديبلوماسية»، وأن «هيكلية وزارة الخارجية هي ذات توجه أمني غالباً».
واسترسل ظريف في حديثه عن نفوذ سليماني، وقال إن وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري، حذره من أن رحلات شركة الطيران الوطنية الإيرانية زادت إلى سورية ستة أضعاف منذ رفع العقوبات الأميركية عنها.
وفي شأن تقديم استقالته بعد زيارة الرئيس السوري لإيران قبل نحو أربعة أعوام، قال ظريف إنه رتب للزيارة مع سليماني، ولكن عندما حضر بشار الأسد، لم يكن هو على علم بذلك.
كما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن التسجيلات إن سليماني عمل عن قرب مع روسيا لمعارضة الاتفاق حول البرنامج النووي الذي أبرم بين طهران والقوى الكبرى عام 2015، بعد مفاوضات شاقة كان ظريف أبرز ممثل لإيران فيها.
وقال إنه بعد الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق النووي، وحتى يوم تنفيذه، وقعت أحداث ضد الصفقة، بدأت بسفر سليماني إلى موسكو من دون التنسيق مع الخارجية، وانتهت باحتجاز سفينة أميركية، والهجوم على السفارة السعودية في طهران.
في المقابل، قال الناطق باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زاده «ما تم نشره لم يكن مقابلة مع وسائل الإعلام»، بل «حوار ضمن اللقاءات الروتينية (…) في إطار الحكومة».
وأكد أن نقاشات كهذه دائما ما تكون «جدية، شفافة، ومباشرة».
وقلل خطيب زاده من شأن الجدل في شأن التصريحات، مشددا على أن ظريف «يوضح أن تصريحاته هي رأيه الشخصي»، مشيرا الى أن ما نشر هو «ثلاث ساعات ونصف ساعة» من حديث امتد «سبع ساعات لا تعكس بأي حال من الأحوال مستوى الاحترام والمديح الكبير والتقدير الذي تحدث به وزير الخارجية في المحادثة حول حكمة ورشادة الشهيد سليماني والدور الفريد من نوعه الذي لعبه في النجاحات التي حققتها إيران في المنطقة».
ورأى النائب المحافظ نصرالله بجمن فر، أن ظريف «يشكك بمسائل تندرج ضمن الخطوط الحمر للجمهورية الإسلامية التي يتولى فيها منصب وزير الخارجية».
من جهتها، انتقدت «وكالة فارس للأنباء» تقديم ظريف نفسه خلال الحديث المسرّب بمثابة «رمز للديبلوماسية» في مواجهة سليماني الذي يشكل رمز «ميدان» المعارك.
وتختلط هذه الأيام المفاوضات النووية بالانتخابات الرئاسية المقبلة كمحصلة للصراع على السلطة الذي لم يتوقف منذ تأسيس النظام اإسلامي قبل أربعة عقود ونيف في إيران.
ولا شك أن تسريب ظريف، وحتى ما نشر عن رسالة وجهها مدير السياسة الخارجية ومهندس المفاوضات النووية في فيينا، إلى المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، تأتي في سياق الضغوطات التي تمارس على الديبلوماسي المنهك الذي أمضى 8 سنوات، في كنف نظام بدا واضحاً «غلبة الميدان» والتطورات العسكرية على الأرض على كل مفاصل سياسته الخارجية.
ولعل هذا ما اضطره، أول من أمس، ليلوذ عبر «رسالته» بالمرشد الذي لا يمكن خوض المفاوضات من دون الضوء الأخضر منه، مؤكدا أنه لا يريد تحويل المحادثات في فيينا في حال نجاحها إلى ورقة لصالحه في انتخابات 18 يونيو الرئاسية، بل يريد إنجاحها وأنه لن يترشح لها.
بدوره انتقد الرئيس حسن روحاني، هيئة الإذاعة والتلفزيون، لإعادة بثها أخيرا الفيلم الوثائقي «نهاية اللعبة» حول الصفقة النووية، الذي سجل قبل عامين وينتقد الاتفاق.
وكانت وزارة الخارجية، أصدرت أخيرا، بيانات، وصفت التقارير الإذاعية الرسمية بـ«الوهمية»، واتهمتها بالتعمد في عرقلة إحياء الاتفاق النووي.
ومن خلال متابعة الإعلام المتشدد، يستشف المراقب جلياً أن أطيافا واسعة من الأصوليين يعتقدون أن مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا من قبل حكومة روحاني، والتي تحظى بتأييد المعتدلين والإصلاحيين، ستضرهم في يونيو.
كما يشعرون بأن طاولة فيينا في حال نجاحها قد تؤدي إلى زيادة الإقبال على التيار المعتدل، خصوصاً أن المتشددين يسيطرون على البرلمان ويخططون للفوز بكرسي الرئاسة حتى تصبح السلطة التنفيذية متجانسة مع السلطة التشريعية، والتخلص بالتالي من التيار الإصلاحي إلى الأبد وانتهاء الصراع على السلطة لمصلحتهم.
يذكر أنه ورغم أن استطلاعات الرأي تشير إلى احتمال مقاطعة واسعة للانتخابات الرئاسية، كما حصل للانتخابات التشريعية الأخيرة، إلا أن بعض الإحصاءات تشير إلى أن شعبية ظريف مرتفعة مقارنة بغيره من المرشحين نسبياً.
وتعتقد مصادر المعارضة أن المقاطعة ستكون قياسية مقارنة بالانتخابات السابقة وسيفوز الرئيس المقبل، بأقل الأصوات منذ العام 1979.
وفي واشنطن، علق وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، على التسجيل الصوتي، معتبراً أنه أثبت أن خطوات الإدارة الأميركية «كانت صائبة».
وكتب في تغريدة على «تويتر»: «هجوم إدارتنا الرائع على قاسم سليماني كان له تأثير واسع في إيران والشرق الأوسط. لستم بحاجة لسماع هذا الكلام مني، اسألوا ظريف».
كما عقّب بومبيو قائلاً «لا يزال الرئيس جو بايدن يعتقد أنه كان هجوماً خاطئاً»، في إشارة إلى اغتيال سليماني.