لا يكاد لبنان أن «يلتقط أنفاسَه»، ولو مرحلياً، من أزمة البنزين حتى يقع في حفرة أزمة المازوت، وكلاهما مرتبطتان بعصْف الانهيار المالي الذي حوّل غالبية القطاعات الحيوية في «بلاد الأرز» حُطاماً كما بعمليات التهريب الى سورية التي باتت بمثابة «الثقب الأسود» الذي «يبتلع» نحو 35 في المئة مما يستورده الوطن الصغير من «اللحم الحيّ» أي ببقايا الدولارات (من أموال المودعين) التي بدأت تُسحب من الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان.
وجاءت تغريدة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط عبر «تويتر» الأكثر تعبيراً عن الأبعاد التي بات يتخّذها ملف المحروقات الذي يضع المواطنين بين مطرقة دعمٍ بدأ يُرفع تدريجاً ولكنه لم يضمن حتى الساعة تأمين البنزين والمازوت في شكل مستدام، وبين سندان تحرير الأسعار بالكامل وما يعنيه من ارتفاعها في شكل لا قدرة لغالبية اللبنانيين على تحمّله ولا سيما أن المازوت يرتبط بمولدات الأحياء الخاصة التي توفّر الكهرباء للمنازل (بديلاً عن كهرباء «الدولة» شبه الغائبة) وبعمل المستشفيات والمصانع والسوبرماركت.
وقال جنبلاط: «كون النظام السوري رفع أسعار المحروقات فلا حل في أزمة المازوت والبنزين وغيرها من المواد إذا لم نوقف الدعم.ان النظام السوري يغذّي ميزانيته من سرقة تجار النفط والدواء والطحين في لبنان على حساب المواطن اللبناني».
وأضاف: «أوقفوا الدعم من الاحتياطي الإلزامي».
وفي موازاة ذلك، كان فقدان المازوت منذ أيام يستجرّ تداعيات كارثية سواء على المولدات الخاصة التي أطفىء غالبيتها في صيدا كما صور بما يعني ترْك المواطنين بلا تيار كهربائي، في حين جاء صاعقاً إعلان توقف العمل في معمل «زهرة» لإنتاج الأكسجين وتعبئته، وهو المعمل الوحيد في الجنوب والثاني في لبنان الذي يمد المستشفيات والمؤسسات الصحية وأجهزة التنفس لمرضى كورونا بالأكسجين، بسبب انقطاع الكهرباء ونفاد المازوت.
وأفادت إدارة المعمل أنه «ابتداء من ظهر الثلاثاء نفدت خزانات مولدات المعمل من المازوت، وبالتالي لم يعد هناك اي قدرة لدينا على الاستمرار في تشغيله من دون كهرباء ومازوت، علماً أن مخزون المعمل من الأكسجين استنفد كاملاً خلال الأسبوعين الأخيرين بسبب أزمة الكهرباء والمولدات التي زادت الطلب عليه، وخصوصاً لدى القطاع الاستشفائي ومرضى كورونا الذين كانوا يتزوّدونه عبر آلات تعمل على الكهرباء، واضطروا الى الاستعاضة عنها بتزوّده يدوياً مباشرة من قوارير الأكسجين»، لافتين إلى أن «هذه الأزمة باتت تنذر بكارثة صحية اذا لم يتم توفير الكهرباء أو المازوت للمولدات لتشغيل المعمل».
وفيما كان عدّاد إصابات «كورونا» في لبنان يسجّل رقماً هو الأعلى منذ أسابيع (494 إصابة) بفعل طغيان متحوّر «دلتا»، شهدت مناطق عدة تحركاتٍ احتجاجيةً على انقطاع المازوت وسط تقارير عن أن البلد مقبل على أزمة حادة على هذا الصعيد في ظل تخصيص اعتمادات لبواخر البنزين أكثر من المازوت وعدم فتح مصفاتي طرابلس والزهراني الا ليوم واحد في خلال الأسبوع المنصرم «ما سينعكس انقطاعاً تاماً في الكهرباء لعدم القدرة على تأمين المازوت للمولدات وبالتالي نفاد الكمية من المستشفيات والمصانع والافران وقطاعات حيوية اخرى».
وأعلنت المديرية العامة للنفط في بيان «فتح وتعزيز اعتماد الباخرة المحمّلة بكمية 30 ألف طن من مادة المازوت الراسية في طرابلس، لتبدأ عصراً تفريغ نصف حمولتها في منشآت النفط في طرابلس، على أن تستكمل الخميس تفريغ النصف الباقي في منشآت الزهراني، وعملياً سيُعاد تسليم السوق المحلية يومَي الخميس والجمعة مداورةً بين المنشأتين في طرابلس والزهراني».
وفي موازاة ذلك، وقّع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني كتاباً وأرسله إلى رئاسة مجلس الوزراء للحصول على موافقة لزيادة بدل النقل الذي يعطى للعاملين في القطاع العام ليصبح 24 ألف ليرة لبنانية بدلاً من 8 آلاف ليرة لبنانية.
وتأتي هذه الخطوة بعد أيام من رفْع جزء من الدعم عن المحروقات الذي بات يُباع على سعر دولار 3900 ليرة (عوض 1500) ما تسبب برفْع سعر صفيحة البنزين بنحو 60 في المئة (سعرها نحو 73 الف ليرة) عما كانت عليه قبل القرار علماً أن سعرها زاد بنحو 3 أضعاف عما كان عليه قبل عام.