تحل الذكرى الحادية والثلاثون للغزو العراقي الغاشم على أرض الكويت، اليوم، لتعيد ذكرى اختبار في غاية الصعوبة لإرادة الشعب الكويتي وقوته وصموده، حيث تمثل هذه الذكرى ملحمة وطنية كويتية رغم ما شكله الاحتلال من «صدمة تاريخية» لاتزال آثارها محفورة في وجدانه، حين انتهك المعتدي سيادة بلده لإسقاط شرعيته ضاربا عرض الحائط بجميع الأعراف والقوانين الدولية.
ومنذ الساعات الأولى للاحتلال الغاشم، الذي استمر سبعة أشهر، سطر الكويتيون أروع معاني الوفاء والتضحية حين أدركوا نوايا المحتل بطمس سيادة البلاد وهويتها، معلنين رفضهم التام لهذا العدوان السافر، ووقوفهم إلى جانب قيادتهم الشرعية صفاً واحداً للدفاع عن سيادة وطنهم وحريته، معلنين عصيانهم ورفضهم لجميع الأوامر الصادرة عن سلطات الاحتلال متحملين بذلك الرفض كل صنوف التعذيب والاضطهاد.
ومع هذا الصمود الكبير من الكويتيين، عمد النظام العراقي إلى استخدام جميع وسائل التخويف والتعذيب والسجن والاعتقال، كما لجأ إلى اتباع سياسة الأرض المحروقة إذ أحرق 752 بئراً نفطية، وقام بحفر الخنادق التي ملأها بالنفط والألغام، لتكون في وقت لاحق من فترة الغزو حداً فاصلاً بين قواته وقوات التحالف.
شرعية… دولية
في المقابل، لم يقف المجتمع الدولي صامتاً أمام هذا الحدث الجلل، بل أدان جريمة النظام العراقي السابق في حق الكويت، وأصدر مجلس الأمن الدولي قرارات حاسمة، بدءاً بالقرار 660 الذي طالب النظام العراقي حينها بالانسحاب فوراً من الكويت، إضافة إلى حزمة قرارات أصدرها المجلس تحت بند الفصل السابع من الميثاق والقاضية باستخدام القوة لضمان تطبيق تلك القرارات.
واستمرت قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالكويت تتوالى تباعاً، حتى صدور القرار رقم 678 في 26 نوفمبر من عام 1990 الذي كان بمنزلة صدمة كبرى للنظام العراقي البائد، عندما أجاز مجلس الأمن استخدام القوة العسكرية لتحرير الكويت وعودة شرعيتها.
إدارة الأزمة
وكان للإدارة الحكيمة المتمثلة في الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، والأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله، وسمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، رحمهم الله، فضلاً عن التأييد الشعبي الدور البارز والكبير، في كسب تأييد المجتمع الدولي لتحرير دولة الكويت من براثن الغزو.
وأدى صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد حفظه الله ورعاه، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع أنذاك، دوراً بارزاً حيث ساهم سموه في القرارات الحاسمة لمواجهة الغزاة وجند كل الطاقات العسكرية والمدنية من أجل تحرير البلاد وأدى دوراً بارزاً في قيادة المقاومة وتأمين وصول الشرعية للمملكة العربية السعودية الشقيقة إلى جانب قيادته للجيش.
فزعة ونخوة
ويستذكر الكويتيون في هذه الأيام، محنة الغزو العراقي الغاشم، بكل ما حملته من آلام وتضحيات تكللت بالتحرير وعودة الحق إلى أهله، وكل الرجالات العظام الذين وقفوا مع الحق الكويتي من الأشقاء والأصدقاء.
ويتصدر خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز، هؤلاء الأوفياء، حيث كان صاحب الموقف الصلب الرافض للغزو، كما قام رحمه الله بدور بارز في دعم حرب التحرير، وتأييد الحق الكويتي في استعادة الأرض ونيل الحرية. وبعد وقوع محنة الغزو أعلن الملك فهد، رحمه الله، رفض بلاده للاحتلال العراقي، وأبدى دعم المملكة لأي تحرك يهدف إلى تحرير الكويت. وفي الخامس من أغسطس 1990 التقى الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد بالملك فهد بن عبدالعزيز في جدة، وبحثا في أسلوب التحرك إزاء العدوان على الكويت.
وقد عبر الملك فهد في خطاب للشعب السعودي في 13 أغسطس من عام 1990، عن ألمه الشديد لما تعرض له أبناء الشعب الكويتي بسبب الغزو العراقي، قائلاً إنها «بادرة خطيرة ويحز في النفس أن يتعرض شعب الكويت لهجوم لا أخلاقي من دولة عربية جارة له وشقيقة». في موازاة ذلك، أجرى الملك فهد طيب الله ثراه اتصالات واسعة مع مختلف الأطراف العربية والإسلامية، أملا في إيجاد حل للقضية لكي ينأى بها عن أي تدخل أجنبي.
ولا يمكن أن تنسى الكويت الجهود البارزة التي بذلها رحمه الله في مراحل ما قبل الغزو وخلاله وما بعد التحرير، وكانت مقولته الشهيرة (الكويت والسعودية بلد واحد…نعيش سوية أو نموت سوية)، خير دليل على مدى إيمانه بالكويت دولة شقيقة في الخليج العربي والمنطقة.
ولدى الإعلان عن انتهاء حرب التحرير وعودة الحق الكويتي إلى أهله في فبراير 1991، كان الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، أول المهنئين لدولة الكويت قيادة وحكومة وشعبا.
وحظي الملك الراحل بمكانة رفيعة لدى أهل الكويت لموقفه ودوره خلال محنة الغزو العراقي الغاشم، حين جعل من المملكة سكناً لكل العائلات الكويتية، ورعايتها رعاية شاملة إذ لا يزال أهل الكويت يستذكرون كلماته الشهيرة تجاه الكويت، ومنها «الكويت في قلبي وفي قلوب جميع الشعب السعودي».