ما إن أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على قنوات مالية تعمل من لبنان والكويت وتمول «حزب الله»، وكذلك على شركات تدعم «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، حتى اشتعل النقاش محلياً، وكان العنوان العريض للجميع، هل توجد في الكويت ثغرة بالفعل يستغلها البعض في غسل الأموال لصالح منظمات محظورة، بإجراء تحويلات لصالحها، وهل سيتم تجميد حسابات الأشخاص الورادة أسماؤهم في القرار، وأين دور الجهات الرقابية وفي مقدمها وزارة الداخلية ووزارة التجارة ووحدة التحريات المالية وبنك الكويت المركزي من كل ذلك؟
البيان الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية ذكر أن العقوبات تشمل عدداً من الأفراد اللبنانيين، وكويتيين اثنين، وآخرين، وأن هؤلاء الأفراد ضمن الشبكة قاموا بعمليات غسل عشرات الملايين من الدولارات من خلال الأنظمة المالية الإقليمية، وأجروا عمليات تبادل للعملات وتجارة الذهب لصالح كل من الحزب و«الحرس الثوري».
تجميد الحسابات
وتوضيحاً للإجراءات الكويتية، ذكرت مصادر مالية مسؤولة أنه لا يحق قانوناً (في الكويت) لـ«المركزي» أو البنوك أو أي جهة رقابية أخرى تجميد حسابات أي عميل سواء شركة أو فرد، من دون أمر من النائب العام أو حكم محكمة، مع الأخذ بالاعتبار أن القرار صادر من دولة وليس من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة التي تعد قراراتهما ملزمة بحكم عضوية الكويت في هذه المؤسسات الدولية، ما يترتب عليه وجوب تنفيذها لأي قرارات تصدر منها بعد تعميم وزارة الخارجية القرارات الصادرة في هذا الخصوص.
وأفادت المصادر أن مصارف الكويت تدقق على أي تحويلات عبر قواعد البيانات العالمية للأفراد والمؤسسات في مثل هذه الحالات وقبل إجرائها، كما أنه وبحكم سياستها المتحفظة للمخاطر والرقابة اللصيقة والصارمة من بنك الكويت المركزي، للتحقق من مدى التزام الجهات الخاضعة لرقابته بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتعليمات ذات العلاقة، سترفع حساسيتها تجاه العملاء المدرجين في القائمة السوداء الصادرة من أميركا (أو أي مصدر آخر بشكل روتيني)، حيث يتوقع أن توقف تعاملات هؤلاء العملاء، وأبرزها منعهم من فتح حسابات جديدة أو إجراء التحويلات أو الحصول على قروض، وغيرها من المزايا المصرفية الأخرى، وفي حال كان من الأسماء العادية مصرفياً فسيتم التضييق عليه حتى يطلب سحب أرصدته، وربما يطلب منه مباشرة إغلاق حساباته.
تطور المعايير
ورقابياً، لفتت المصادر إلى أن إجراءات البنوك تنسجم تجاه المخاطر مع دور «المركزي» الرقابي والمحدد بالقانون (106) في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومع تطورات المعايير الدولية في شأن المكافحة المطلوبة، من خلال تعزيزه لمنظومة تعليمات متكاملة أصدرها لجميع الوحدات الخاضعة لرقابته تمكنها من أداء عملها وتسهل عملية مراقبة أعمالها بشكل لصيق وصارم للتحقق من مدى التزامها بالقانون.
وما يستحق الإشارة أيضاً أن البيان الأميركي لم يلفت إلى أن العمليات المالية المرصودة لديه تمت عبر النظام المصرفي تصريحاً أو تلميحاً، بل كان أقرب ميلاً للإشارة إلى أنها اتخذت أشكالاً أخرى والتي قد تشمل تجارة الذهب وتبادل السلع، وإعادة التصدير ونقل الأموال «الكاش» عبر الموانئ والمطارات والتجارة البينية مع لبنان وإيران ومكاتب الصرافة وتجاوز مهامها، وتأسيس شركات وهمية، وغيرها من القنوات التي تؤشر على أن هناك عشرات الأشكال التي يمكن استغلالها ضمن عمليات غسل الأموال خارج النظام المصرفي والتي يعكس نشاطها، التضييق الرقابي والبنكي المحلي، ما يبدد أي احتمالات بوجود ثغرة مصرفية بالكويت تسمح بمرور عمليات غسل الأموال.
وأشارت المصادر أيضاً إلى أن سلاسل غسل الأموال وتمويل الإرهاب طويلة ومعقدة ومتنوعة، ومع ذلك يصعب تحديد منبع الأموال، وتقدير قيمتها، كما لا يعني وجود كويتيين ضمن قائمة العقوبات أن الأموال المرصودة كويتية، فقد يكون جرى استخدام الكويت كمحطة لعبور الأموال المشبوهة، وهنا تبرز مشاركة الدور والمسؤولية الأميركية أكثر.
ومن نافل القول – حسب المصادر – أن جميع التحويلات للخارج يتعين أن تمر عبر بنوك أميركا من خلال ما يعرف باسم البنك المراسل، فأي أموال تنقل للخارج يتم التدقيق على سلامتها من البنوك المحلية وشركة الصرافة إذا أجري من خلالها التحويل، ومن ثم ينقل التحويل بكامله إلى التدقيق الأميركي عبر البنك المراسل، وإذا وجدت أي شبهة تتم مصادرة الأموال أو إرجاعها لدولة المنشأ.
ورقابياً يمثل عدم وقف البنوك المراسلة «الأميركية» لأي تحويلات من الكويت للوارد أسماؤهم اعترافاً أميركياً بسلامة المعاملات المصرفية الكويتية وإجراءات التدقيق عليها من السلطات المحلية المعنية.
وأضافت المصادر أنه يتعين عدم تجاهل أن«حزب الله» وأي منظمة محظورة سواء من الأمم المتحدة أو أميركا أو حتى إقليمياً لا تملك حسابات مصرفية مباشرة، وأنها تعتمد في تنفيذ تحويلاتها وعملياتها لغسل الأموال على أفراد غير مدرجين أو مصنفين كتابعين لها، وباعتبار أن المصارف ليست جهات استخباراتية أو مخافر شرطة فيصعب التنبؤ بالموالين أو كشف العناصر المنفردة، ما دام غير صادر بحقهم أي عقوبة أو مدرج أسماؤهم بأي كشف عقابي.
وختمت بالإشارة إلى نقطة مهمة أخرى تتعلق بأنه قد يكون تم التبليغ عن الأسماء الكويتية المدرجة بالقائمة الأميركية لوحدة التحريات المالية، وربما لا، مع الأخذ بالاعتبار أنه وفقاً للقانون يتعين على البنوك إبلاغ الوحدة عن أي شبهات مباشرة دون الرجوع لـ«المركزي».
رقباء «غاسلي الأموال» في الكويت
أشارت المصادر إلى أن هيكل الجهات الرقابية المسؤولة عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في الكويت يشمل أكثر من جهة، أبرزها اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الأرهاب، والمشكلة برئاسة وحدة التحريات المالية وعضوية وزارات التجارة والصناعة والعدل والمالية والداخلية والخارجية والشؤون الاجتماعية والعمل والإدارة العامة للجمارك والهيئة العامة لمكافحة الفساد، علاوة على بنك الكويت المركزي وهيئة أسواق المال والنيابة العامة.
وتهيمن «اللجنة الوطنية» على هذا الدور الرئيس في مكافحة غسل الأموال وتمويل الأرهاب بحكم صلاحياتها وأدوارها المتسعة، كما أن هناك لجنة أخرى تتبع الخارجية، والمعنية بتنفيذ القرارات الأممية والدولية.
كما حدد القانون (106) لسنة 2013 الصادر في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الأدوار المنوطة بكل الجهات المعنية بهذا الأمر، ومنها «المركزي» وهو احد الجهات الرقابية المنصوص عليها بالقانون، إضافة إلى «التجارة» و«هيئة الأسواق» وذلك لكل من تلك الجهات وفي نطاق ما يخضع لإشرافها من شركات ومؤسسات، كما حدد الدور المنوط بوحدة التحريات المالية، ومن ثم حدد الالتزامات التي يتعين على المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة والمخاطبة بالقانون القيام بها.
ونظمت المادة (14) مهام «المركزي» وأبرزها إصدار التعليمات إلى الجهات الخاضعة لرقابته وتحديد التدابير التي يتعين على تلك الجهات اتخاذها اتساقاً مع درجة المخاطر وحجم النشاط إضافة إلى الفحص الميداني على تلك الجهات والتحقق من التزامها بمتطلبات القانون، وتطبيق الجزاءات المنصوص عليها بالقانون حال تكشف وجود مخالفة لدى أي من هذه الجهات.
ولعل ما يزيد من إحكام «المركزي» رقابياً تحققه من خلال مهام التفتيش الميداني من مدى التزام الجهات الخاضعة لرقابته بتنفيذ أحكام القانون ولائحته التنفيذية والقرارات ذات الصلة، وكذلك المتطلبات الواردة بالتعليمات الصادرة منه في هذا الخصوص، وفي حال وجود مخالفة لدى أي منها يحق له توقيع الجزاءات المالية اللازمة التي يصل في حدها الأقصى إلى 500 ألف دينار، وكذلك الجزاءات الإدارية المنصوص عليها في القانون، ويتم عرض تلك الجزاءات المطبقة في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للبنك المخالف.
مع الإشارة الى أن قرارات وزارتي العدل والداخلية حول تحويل العقارات والسيارات تضيق الخناق أكثر على غاسلي الأموال.