تشكل شبكة الكابيتول لسكك الحديد تحت الأرض منذ عقود طويلة وسيلة التنقل المفضلة لبعض من أكثر السياسيين نفوذا في العالم، إلا أن أكثرية الأميركيين يجهلون حتى وجودها.
ويرتاد هذه الشبكة من القطارات الصغيرة التي تجوب أنفاق مقر الكونغرس في واشنطن، منذ أكثر من قرن الكثير من الرؤساء والبرلمانيين وقضاة المحكمة العليا وحتى نجوم هوليوود.
كما أن مقصورات «قطار الكونغرس السري» احتلت عناوين الأخبار أحيانا في مناسبات مختلفة، بينها محاولة اغتيال فاشلة وعرض فني ارتجالي، لكنها تستقطب يوميا زائرين مغمورين.
وقال دان هولت، وهو أحد مؤرخي مجلس الشيوخ، لوكالة «فرانس برس»، «يحب الأطفال ذلك، لذلك هناك دائما أعضاء في مجلس الشيوخ على استعداد لإحضار أقارب مع أطفالهم» لركوب هذا القطار.
وأضاف «هذا أمر مميز حقا».
وتمتد سكك الحديد هذه لمسافة كيلومتر تقريبا، وتتيح الثواني الـ90 التي يستغرقها الانتقال من محطة إلى أخرى تحت أضواء النيون، وقتا يكفي بالكاد للتحدث بالمستجدات السياسية أو التداول بآخر الأخبار أو إطلاق العنان للخيال ولو لبرهة قصيرة.
وتسود حماسة في المحطة الرئيسية المقامة في أقبية مجلس الشيوخ، عند عقد البرلمانيين جلساتهم. وعندما ترن الأجراس إيذانا بوصول كل قطار، يندفع حشد من الصحافيين إلى أعضاء مجلس الشيوخ لطرح أسئلة عليهم في شأن الموضوعات الساخنة.
لكن الأحاديث ليست دائما ودية.
ففي عام 1950، كانت السناتور الجمهورية مارغريت تشيس سميث على وشك إلقاء كلمة حاسمة في الكابيتول توجه فيه انتقادات حادة إلى زميلها جو مكارثي الذي كان يقود حملة ضد الشيوعيين.
وقال لها زميلها خلال التنقل في القطار عينه «مارغريت، وجهك يبدو عابسا للغاية. هل ستلقين خطابا؟». فأجابت «نعم. وهو لن يعجبك كثيرا»، وفق الرواية التي نقلها عنها هولت.
وقبل ثلاث سنوات، أطلق الشرطي السابق في الكابيتول وليام كايزر، النار على عضو مجلس الشيوخ جون بريكر. وقد لجأ هذا المرشح الرئاسي الخاسر إلى مقصورة قطار أخرى كانت متوقفة في المكان، وطلب بأعلى صوت من السائق الانطلاق فيما رصاصة ثانية كانت تطير فوق رأسه.
وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز» حينها «وحدهما الحظ وضعف مهارات المعتدي في إطلاق النار أنقذا السناتور».
وفي مراحل أخرى أكثر هدوءا، شكّل هذا القطار للسياسيين واحة سلام بعيدا من الوتيرة المحمومة للحياة في واشنطن.
وكان وليام هاورد تافت، الرئيس السابع والعشرون للولايات المتحدة، قد تسبب في حالة من الذعر لدى المقربين منه بعد اختفائه خلال يوم سبت من شهر يناير 1911 لمدة ساعة تقريبا، ليتبين أنه ذهب لرؤية قطارات الكابيتول.
وكتبت صحيفة «واشنطن تايمز» في ذلك الوقت «اجتاحت موجة خوف شديدة المدينة عندما كان الرد على أسئلة القلقين في البيت الأبيض بأن مكان الرئيس لم يكن معلوما».
وقد استقل قطار الكونغرس هذا مرشحون للبيت الأبيض مثل رونالد ريغان، وأيضا بطبيعة الحال باراك أوباما وجون ماكين اللذين كانا عضوين في مجلس الشيوخ خلال حملتهما الانتخابية.
من ناحية أخرى، رُفض دخول جون كينيدي حين كان عضوا شابا عاديا في مجلس الشيوخ، وقيل له يومها «دع أعضاء مجلس الشيوخ يمرون يا بني».
وافتُتحت أول شبكة للكونغرس تحت الأرض في 7 مارس 1909، وكانت مخصصة لأعضاء مجلس الشيوخ الذين كانوا يأملون تجنب الحر الشديد والرطوبة القوية خلال الصيف في واشنطن عند الانتقال من مكاتبهم إلى مبنى الكابيتول.
وفي بادئ الأمر، كانت القطارات عبارة عن مركبات «ستادبيكر» الكهربائية التي استُبدلت بعد ثلاث سنوات بخط حديدي أحادي.
ثم في عام 1960، أُطلقت أربعة قطارات كهربائية صغيرة بتكلفة 75 ألف دولار في ذلك الوقت ضمن هذا الخطط لسكك الحديد الذي سُمي «قطار الديموقراطية السريع».
وعلى جانب مجلس النواب، وُضع خط آخر بعد خمس سنوات. وفي عام 1993، افتُتح خط للقطارات الآلية من دون سائق بقيمة 18 مليون دولار وسط ضجة إعلامية كبيرة.
لكنّ القطار لا يثير إعجاب الجميع.
فقد منع النائب الجمهوري السابق مايك ديواين أعضاء فريقه من استخدام هذا القطار احتجاجا على ما يعتبره هدرا للمال العام.
كما استقل هذا القطار مشاهير كثر بينهم ريتشارد غير وتشاك نوريس ودينزل واشنطن والموسيقي بونو. حتى أن المؤلف الموسيقي والممثل لين مانويل ميراندا، مؤلف مسرحية «هاميلتون» الغنائية، صوّر نفسه عام 2017 وهو يغني بأعلى صوته على متن ما وصفه بـ «قطار الكونغرس السري».
مع ذلك، يحجم عدد متزايد من أعضاء الكونغرس عن استخدام هذا القطار في ظل سعي كثيرين منهم إلى الحفاظ على لياقتهم البدنية واختيارهم تاليا المشي بجانب مسارات القطار.