كويت تايمز: أقر مجلس الوزراء السعودي في جلسته الاستثنائية التي عقدها برئاسة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، في قصر اليمامة بمدينة الرياض أمس، الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد.
وقال الملك «نعلن هذا اليوم (أمس) ميزانية السنة المالية المقبلة، والتي تأتي في ظروف اقتصادية شديدة التقلب عانت منها معظم الدول، وأدت إلى بطء النمو الاقتصادي العالمي، وانخفاض أسعار النفط، ما أثر على بلادنا، وقد سعت المملكة إلى التعامل مع هذه المتغيرات بما لا يؤثر على ما نتطلع إلى تحقيقه من أهداف».
وأوضح خادم الحرمين «اقتصادنا متين، ويملك القوة الكافية لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية الحالية، وهذا نتيجة للسياسات المالية الحصيفة التي اتخذتها الدولة، ونحن عاقدون العزم على تعزيز مقومات اقتصادنا الوطني، حيث تبنينا (رؤية المملكة 2030) وبرامجها التنفيذية وفق رؤية إصلاحية شاملة من شأنها الانتقال بالمملكة إلى آفاق أوسع وأشمل، لتكون قادرة على مواجهة التحديات، وتعزيز موقعها في الاقتصاد العالمي».
وأضاف «أن رؤيتنا ليست فقط مجموعة من الطموحات، بل هي برامج تنفيذية لنتمكن من تحقيق أولوياتنا الوطنية وإتاحة الفرص للجميع من خلال تقوية وتطوير الشراكة مع القطاع الخاص، وبناء منظومة قادرة على الإنجاز، ورفع وتيرة التنسيق والتكامل بين الأجهزة الحكومية كافة، ومواصلة الانضباط المالي، وتعزيز الشفافية والنزاهة».
وأكد الملك سلمان «سعينا من خلال هذه الميزانية وبرامجها لرفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي في الدولة، وتقوية وضع المالية العامة وتعزيز استدامتها، وإعطاء الأولوية للمشاريع والبرامج التنموية والخدمية التي تخدم المواطن بشكل مباشر، وتسهم في تفعيل دور القطاع الخاص، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي».
وأعرب خادم الحرمين الشريفين عن تفاؤله لتحقيق الرفاه الاقتصادي المنشود، مؤكداً أنه ينبغي على الجميع الحرص على تنفيذ هذه الميزانية بكل دقة، بما يحقق التنمية الشاملة والمتوازنة، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.
الميزانية بالأرقام
وأعلنت وزارة المالية السعودية الأرقام الرسمية لميزانية المملكة للعام المقبل 2017، والتي تضمنت إجراءات جديدة لتعزيز الاستدامة المالية، وتنويع مصادر الدخل، وترشيد الإنفاق الحكومي، ودعم القطاع الخاص بما يعزز مستويات النمو.
ويبلغ الإنفاق المقدر في العام المقبل 890 مليار ريال، بزيادة بنسبة 6 في المئة على الإنفاق المحقق في عام 2016.
وتصل قيمة الإيرادات المتوقعة في 2017، إلى 692 مليار ريال، بارتفاع 31 في المئة، عن الإيرادات المحققة في 2016.
وكشفت الأرقام المعلنة أن ميزانية 2017، ستسجل عجزاً بنحو 198 مليار ريال، أي أقل من 2016 بنسبة 33 في المئة.
وبحسب الأرقام الفعلية لميزانية 2016، فإنها سجلت إنفاقا بـ 825 مليار ريال، أي بتراجع طفيف بنسبة 1.8 في المئة، عما كان مخططاً، حيث بلغت قيمة الإيرادات الفعلية للسعودية في 2016، 528 مليار ريال، أعلى بنسبة 3 في المئة، عما كان متوقعاً.
وشهدت ميزانية 2016، عجزاً بـ 297 مليار ريال، أي بأقل نحو 9 في المئة، عن المقدر له سابقاً.
وكانت التكهنات قد كثرت حول كم سيشكل هذا العجز من الناتج المحلي الإجمالي، حيث أتت الأرقام أفضل من التوقعات، إذ شكل عجز 2016 نحو 10 في المئة، من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ 2.97 تريليون ريال، في حين أن العجز المتوقع في 2017، من الناتج المحلي الإجمالي، سيكون عند 8 في المئة.
وبمقارنة هذه الأرقام مع توقعات المؤسسات العالمية، فإن صندوق النقد الدولي توقع عجزاً بـ 13 في المئة، ووكالة «إس آند بي» التي توقعت نسبة العجز كمتوسط من 2016 وحتى 2020 عند 9 في المئة، ووكالة «فيتش» كمتوسط من 2016، وحتى 2021 عند 11.2 في المئة، و«موديز» بتوقعات لمتوسط 5 سنوات عند 9.5 في المئة.
وانخفض العجز إلى 297 مليار ريال (79 مليار دولار) في 2016، ليقل كثيرا عن مستواه القياسي الذي سجله في 2015 البالغ 367 مليار ريال. كما يقل العجز أيضا عن تقديرات الحكومة في خطة الميزانية الأصلية لعام 2016 والتي بلغت 326 مليار ريال.
الإيرادات النفطية
ويتوقع أن يرتفع إجمالي الإيرادات للسنة المالية المقبلة بنسبة 31 في المئة ليبلغ 692 مليار ريال، إذ قدرت الإيرادات النفطية بنحو 480 مليار ريال تشكل 46 في المئة من الإجمالي، بينما قدرت الإيرادات غير النفطية بنحو 212 مليار ريال بارتفاع 13 مليار ريال وبنسبة 6.5 في المئة عن الإيردات المحققة خلال 2016.
من جهة أخرى، كرست المملكة جل اهتمامها لدعم التعليم والصحة، وخصصت لهما الإنفاق الأكبر في ميزانيتها، بهدف خدمة جميع المواطنين وكافة الفئات داخل المجتمع، إذ قدر إجمالي الإنفاق في الميزانية الجديدة بنحو 890 مليار ريال، بارتفاع 8 في المئة مقارنة مع السنة الحالية الذي بلغ 825 مليار ريال.
وقد خصص لبرنامج «التحول الوطني 2020» نحو 42 مليار ريال، إضافة إلى المشاريع التي سبق اعتمادها من فوائض ميزانيات السنوات المالية الماضية، واحتياجات الاقتصاد، لتحفيز النمو خصوصاً في القطاع الخاص.
كما خصصت المملكة لقطاع الإدارة العامة نحو 26.71 مليار ريال، و190.85 مليار للإنفاق العسكري، ونحو 96.68 مليار ريال لقطاع الأمن والمناطق الإدارية، و47.9 مليار للخدمات البلدية، و47.26 مليار للخدمات الاقتصادية، و52.16 مليار لقطاع التجهيزات الأساسية وخدمات النقل، و107.26 مليار لوحدة البرامج العامة.
في سياق متصل، تضمنت الميزانية مبادرات جديدة، واستكمال إنشاء وتجهيز مستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية في جميع المناطق، فضلاً عن اعتماد عدد من المبادرات لبرامج ومشاريع التحول الوطني بمبلغ يزيد على 6 مليارات ريال.
إجمالي الدين
وسيصل إجمالي حجم الدين العام بنهاية 2016 إلى نحو 316.5 مليار ريال، تشكل 12.3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للعام بأكمله، وقد شكل الدين العام المحلي الحيز الأكبر من الإجمالي وبلغ 213.4 مليار ريال، بينما وصل الدين العام الخارجي إلى 103.1 مليار ريال تقريباً.
وتظهر الأرقام أن الدين العام كان يبلغ 84 مليار ريال مع نهاية العام 2012، قبل أن ينخفض إلى 60 مليارا عام 2013، وإلى 44 ملياراً عام 2014، في حين ارتفع إلى 142 ملياراً العام الماضي، قبل أن يرتفع بشكل كبير إلى 316.5 مليار ريال مع نهاية العام الحالي.
وقد لجأت المملكة إلى الدين بالرغم من وجود احتياطي مالي كبير، لأن الأخير متوافر بالدولار، ويساعد على الحفاظ على الاحتياطيات ذات العوائد الجيدة، وهو وسيلة لتأكيد الثقة بالريال واستقرار الأسعار على الصعيد المحلي، فضلاً عن كونه وسيلة لامتصاص الصدمات الاقتصادية والمالية، في وقت يمنح اللجوء إلى الاستدانة في ظل وضع مالي قوي ميزات عديدة، كونه يتعلق بتكلفة الاقتراض.
وبلغت الإيرادات خلال العام 2016 نحو 528 مليار ريال، وصلت نسبة غير النفطية منها نحو 38 في المئة، وقد بلغت 199 مليار ريال تشكل ضعف الرقم الذي حققته خلال العام 2012، في حين كانت قد بلغت 165.9 مليار ريال خلال العام الماضي.
من جهة أخرى، بلغت الإيردات النفطية نحو 329 مليار ريال تقريباً، مقابل نحو 446.43 مليار ريال مع نهاية العام 2015.
وقد وصل الإنفاق إلى نحو 825 مليار ريال، على أن يرتفع إلى 930 مليار ريال بعد تسوية جميع المبالغ المستحقة حتى نهاية العام الحالي.
رسالة للمستثمرين
رأى خبراء أن الحديث عن انخفاض العجز في الميزانية، يبعث برسالة طمأنة إلى قلوب المستثمرين الدوليين القلقين من قدرة السعودية على التأقلم مع حقبة النفط الرخيص. وتعرض الريال لضغوط ناتجة عن المضاربة هذا العام غير أن المخاوف المرتبطة بالعملة هدأت في الأشهر الأخيرة.
وقلصت الرياض الإنفاق على البنية التحتية ومزايا الموظفين الحكوميين للسيطرة على ماليتها العامة. وللمرة الأولى في سنوات أبقت المملكة إنفاقها دون تقديراتها الأصلية للميزانية في 2016 إذ بلغ الإنفاق الفعلي 825 مليار ريال مقارنة مع تقديرات أولية لإنفاق قدره 840 مليار ريال.
وجاءت الإيرادات أعلى قليلا من المتوقع إذ بلغت 528 مليار ريال بدلا من 514 مليارا في الوقت الذي جمعت فيه الحكومة سيولة من خطوات من بينها رفع رسوم التأشيرات والخدمات البلدية.
وفي خطة الموازنة لعام 2017 قالت الرياض إنها سترفع الإنفاق إلى 890 مليار ريال من 840 مليارا في التقديرات الأولية لعام 2016. لكن الحكومة قالت إن العجز في العام المقبل سيواصل الانخفاض ليضل إلى 198 مليار ريال بفضل ارتفاع أسعار النفط والإيرادات غير النفطية.
وتباطأ النمو الاقتصادي إلى 1.4 في المئة في 2016 ليقل كثيرا عن متوسطه البالغ 4 في المئة في السنوات العشر الماضية في ظل إجراءات التقشف التي أثرت سلباً على دخول المستهلكين ودفعت الشركات الخاصة للعزوف عن الاستثمار رغم أن استثماراتهم ضرورية لتنويع الاقتصاد السعودي وتقليص اعتماده على النفط في الأمد الطويل.
وقالت وزارة المالية إن موازنة 2017 تهدف إلى دعم الاقتصاد السعودي من خلال زيادة الإنفاق الحكومي على البنية التحتية في حين ستتبنى المملكة نظاماً جديداً للدعم النقدي للمواطنين الأشد فقراً تعويضاً لهم عن تأثير رفع الحكومة لأسعار الطاقة المحلية تدريجياً بهدف تخفيف عبء الدعم.