استندت محكمة الوزراء، في حكمها ببراءة جميع المتهمين في قضية صندوق الجيش، إلى أن الأموال التي صرفت من الودائع والحسابات محل الاتهام، تم تخصيصها والتصرف فيها «تحت مظلة الشرعية لاعتبارات سيادية تتعلّق بالأمن القومي».
وخلصت إلى أن ذلك تم بمعرفة المتهمين الأول سمو رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ جابر المبارك، والثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السابق الشيخ خالد الجراح، وبمعرفة وبموافقة المغفور له بإذن الله تعالی سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، وأن الصرف كان تحت مظلة ما يبيحه القانون للموظف العام عند استعماله سلطات وظيفته أو تنفيذه لأمر من تجب عليه طاعته، وفق نص المادة 27 من قانون الجزاء.
وجاء في حيثيات الحكم الذي قضى ببراءة جميع المتهمين التسعة، أن «الأموال التي صرفت تم تخصيصها في أمور تتعلّق بالأمن القومي للبلاد ومصالحها العليا، ولاعتبارات سيادية تجعلها بمنأى عن الرقابة عليها، وعلى أوجه صرفها، لما تتسم به هذه النوعية من المصروفات والأغراض الذي خصصت لها، من سرية تتماشى مع المصالح العليا للبلاد التي قد تتطلب قدراً كبيراً من التكتم والسرية، لاعتبارات دولية وسياسية وأمنية تقدرها القيادة السياسية، وقد يترتب على إفشائها أو البوح بها وتداولها بين العامة، أضرار كبيرة قد تلحق بالأمن القومي أو تؤثر في علاقات الدولة الخارجية، ومن ثم يكون ما قام به المتهمون قد تم تحت مظلة شرعية تحكمها اعتبارات سيادية».
وأضافت ان «تمسك المتهمين بالإنكار، وامتناعهم عن الإفصاح عن حقيقة أوجه صرف تلك المبالغ، حال كونهم تابعين للمؤسسة العسكرية وقت ارتكاب الوقائع المنسوبة إليهم، يجسد سنده في ما تنص عليه المادة 14 من القانون 32 /1976 في شأن الجيش، التي تحظر عليهم إفشاء أي معلومات تتعلق بعملهم حتی بعد انتهاء خدمتهم، وهو ما يشكل قيداً يكبل حريتهم في ممارستهم حق الدفاع عن أنفسهم، وهو ما تأباه العدالة ولا ترضاه لمن يلوذ بمحرابها».
وبحسب الحيثيات، فإن «الأموال (المصروفة) لم تكن معلومة ومدرجة بميزانية وزارة الدفاع من الأساس، كما أن كتاب (الديوان الأميري الذي وجهه وزير الديوان السابق الشيخ علي الجراح للمحكمة في 2021/3/31) يُستخلص منه أن هذه الأموال صرفت على أمور ارتأت القيادة العليا للدولة أنها (سيادية) وهو ما يخرجها من نطاق الرقابة، كما أنه حتى على فرض أنه قد شاب عملية الرقابة المحاسبية على تلك الأموال أي مخالفة للإجراءات المتبعة، فإنها لا ترقى إلى مرتبة الجرائم الجنائية، طالما صرفت تلك الأموال في الغرض الذي خصصت له بالفعل والمتعلق بأمن البلاد كما أشار الكتاب (من علي الجراح)».
وأشارت المحكمة إلى أن «ما قام به المتهمون من تصرفات في الأموال محل الاتهام، وفق كتاب الديوان الأميري، كان تحت مظلة ما يبيحه القانون للموظف العام عند استعماله سلطات وظيفته أو تنفيذه لأمر من تجب عليه طاعته وفق نص المادة 27 من قانون الجزاء، حيث إن قيام المتهمين الأول والثاني بالتصرف في تلك الأموال، كان قد تم بعلم وموافقة صاحب السمو أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه، وهو ما يعد بمثابة أمر من رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وممن تجب طاعته، ثم توالت عقب ذلك الأوامر والتوصيات من المتهمَين (الأول والثاني) إلى باقي المتهمين، وهو ما يجعل تصرفاتهم بمنأی عن التأثيم».
وخلصت المحكمة إلى أنه «من المقرر قانوناً في المحاكمات الجزائية الاكتفاء بأن تتشكك محكمة الموضوع في صحة وقوع الجريمة، أو في صحة إسنادها إلى المتهم، لكي تقضي بالبراءة ما دام الظاهر من حكمها أنها محصت الدعوى، وألمت بظروفها وأحاطت بأدلة الثبوت فيها عن بصر وبصيرة، وأوزنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم، أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات، وأقامت قضاءها على أسباب تحمله وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها».
وأكدت أن «الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر، ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة. وكانت المحكمة بعدما استعرضته من ظروف الدعوى وملابساتها قد نازعت بواطن عقيدتها الشبهات وداخلتها الريبة في صحة عناصر التعويل عليه في إسناد أي اتهام للمتهمين، ما يتعين معه والحال كذلك براءة المتهمين من كل الاتهامات المنسوبة إليهم».
استدلال بلا تعسّف
جاء في الحكم أن من المقرر في أصول الاستدلال أن يكون الدليل الذي يعوّل عليه في الحكم، مؤدياً إلى ما رتبه عليه من نتائج، من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق.
حظر إفشاء المعلومات
أورد الحكم نص المادة 14 من القانون 32 /1976 في شأن الجيش، التي تنص على أنه «يحظر على العسكري أن يفشي أي معلومات تتعلّق بعمله حتى بعد انتهاء خدمته بالجيش».
طاعة الأوامر
استند الحكم إلى نص المادة 27 من قانون الجزاء الذي ينص على أن «أسباب الإباحة هي استعمال الحق والدفاع الشرعي، واستعمال الموظف العام سلطته وتنفيذه الأمر تجب طاعته».
أسرار الدولة العليا
شدّدت المحكمة في حيثيات الحكم على أنه «ليس من الإنصاف وضع (المتهمين) تحت مقصلة المساءلة الجنائية، جراء حرصهم على الحفاظ على أسرار الدولة العليا، والتزامهم بما تفرضه عليهم مناصبهم، ووظائفهم التي تقلدوها من مسؤوليات، ولا ينال من ذلك ما قررته رئیسة اللجنة المشكلة لفحص الحسابات محل الاتهام، الشاهدة الأولى، في شأن وجود رقابة على المصروفات السرية، إذ إن ذلك ينطبق على الأموال المدرجة بالميزانية».
حفظ شكوى حمد صباح الأحمد
تداولت المحكمة الدعوى بالجلسات، خصوصاً ما ورد أمام لجنة التحقيق من كتاب وزير شؤون الديوان الاميري (السابق الشيخ علي الجراح) في 2021/3/31، الموجه إلى رئيس اللجنة الدائمة الخاصة بمحاكمة الوزراء، واطلعت عليه المحكمة وألمت به. كما استمعت المحكمة بهيئة مغايرة لأقوال الجراح في مضمون الكتاب، وقرر أنه تسلّم الرسالة من سمو الأمير، وقام بطباعتها والتوقيع عليها وإرسالها إلى اللجنة.
وبالاستعلام من النيابة العامة، ورد کتاب النائب العام في 2022/1/16، واطلعت عليه المحكمة عن الشكوى رقم 2021/1504، المقيدة من الشيخ حمد صباح الأحمد، ضد كل من وزير شؤون الديوان الأميري (السابق) الشيخ علي الجراح، ورئيس الديوان الأميري الشيخ مبارك الفيصل الصباح، ورئيس الفتوى والتشريع المستشار صلاح حسين المسعد، في شأن کتاب الديوان الأميري المشار إليه، وأنه تضمن ما يسيء إلى الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، وصدر من دون العرض على سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد أو علمه أو موافقته. وقد تم حفظ الشكوى بتاريخ 2022/1/10.
تحويل 734 ألف دينار إلى وزارة الدفاع البحرينية
لفتت المحكمة إلى أنه ورد في تقرير لجنة التحقيق وجود تحویل مبلغ مليون دينار بحريني، بما يعادل مبلغ 734.839.31 دينار كويتي إلى حساب مكتب الملحق العسكري في البحرين، وتم نقلها إلى حسابات غير معلومة، وهو المبلغ موضوع التهمة الأولى المنسوبة للمتهم الثالث جسار عبدالرزاق الجسار، في حين ثبت بصورة كتاب من البنك أن المستفيد من هذا التحويل هو حساب خاص بوزارة الدفاع البحرينية وليس مكتب الملحق العسكري في البحرين، كما أنه ليس حساباً مجهولاً كما ورد بوصف التهمة، وهو ما يبعث على عدم الاطمئنان إلى ما ورد بتقرير اللجنة.
شهادة قائمة على الظن
رأت المحكمة أنها «باستعراض ما حوته الدعوى من أدلة التي أقامت لجنة التحقيق دعائم الاتهام عليها، نجد أنها قد أصابها الوهن وحملت بين طياتها معادلة هدمها، وأقوال الشاهدة الأولى في القضية، وهي رئیسة اللجنة المشكلة لفحص الحسابات محل الاتهام، جاءت في كثير من نقاط الفحص مرسلة، قوامها الظن والاستنتاج، وعجزت عن إيضاح كل النقاط اللازمة لإظهار وجه الحق في الدعوى، وهو ما ينطبق أيضا على أقوال الشاهد السابع رئيس لجنة فحص حسابات صندوق الجيش وما يرتبط به من حسابات».
أموال للوزارة… وخارج ميزانيتها
ذكرت المحكمة أن «المستفاد من أقوال الشهود أن الأموال محل الاتهامات، كانت بالأساس ودائع أنشأتها الحكومة من فترات طويلة، وتم نقل تبعيتها إلى وزارة الدفاع في العام 2001، إلا أن تلك الأموال لم تدرج في الدفاتر الرسمية والميزانيات المتلاحقة (للوزارة) ولم تخضع يوماً ما للإشراف عليها ومتابعتها من قبل الجهات الرقابية والمحاسبية في الدولة، وإن وزارة الدفاع التي من المفترض أنها المالكة لتلك الأموال لا تعلم عنها شيئاً، ولم تتمكن لجنة التحقيق من كشف هذا الغموض الذي اعترى وأحاط بتلك الودائع.
ومن غير المتصور عقلاً ومنطقاً أن تكون الجهة المالكة لتلك الأموال ليس لديها أي علم أو مستندات تفيد ملكيتها ولا تقوم بالإشراف عليها طوال تلك المدة، ولا يتم مراقبة التصرفات التي تمت عليها تحت أسس منضبطة حتی يمكن تحديد ما يحيط بها من مخالفات أو يشوبها من شبهات أو أخطاء».
حجب الرقابة
بيّنت المحكمة أن «لجنة التحقيق لم تتوصل إلى المصدر الأساسي لتلك الأموال، وسبب عدم إدراجها في ميزانية (وزارة الدفاع) والآلية المتبعة لمنح التفويض في التعامل عليها، لا سيما أن هذه الودائع كانت قائمة من قبل تولي المتهمين مهام وظائفهم، وهو ما يشير ويؤكد أن هذه الأموال، منذ إيداعها بالخارج على هذا النحو، كانت بغرض استخدامها في أمور معينة تتعلق بسيادة الدولة، ما استدعى حجبها عن الأجهزة الرقابية والعاملين بوزارة الدفاع منذ البداية، وهو ما يؤكد صحة ما ورد بكتاب الديوان الأميري».