تدلّ النتائج شبه النهائية لفرز الأصوات في انتخابات الكنيست، التي جرت الثلاثاء، على أنه ستتشكل في إسرائيل الحكومة الأكثر يمينية، برئاسة زعيم حزب «الليكود»، بنيامين نتنياهو، الذي توقع محللون سياسيون أنه سيكون «الأكثر يسارية» في هذه الحكومة.
فقد نجح رئيس الوزراء السابق، على ما يبدو، في رهانه بالعودة إلى السلطة مجدداً، بدعم من حلفائه من الأحزاب الدينية واليمينية المتطرفة، ما تسبب في قلق بين الفلسطينيين والعرب الذين يخشون من أن ذلك سيصعد من التوتر في الشرق الأوسط.
وأظهرت معطيات لجنة الانتخابات المركزية، بعد فرز 97 من الأصوات، حصول تحالف نتنياهو على 65 مقعداً في الكنيست المكون من 120 عضواً.
وقال الزعيم اليميني المخضرم (73 عاماً)، لمؤيديه في القدس، «نحن قريبون جداً من نصر كبير».
وأشار في «خطاب النصر» برفقة زوجته سارة، إلى أن حكومته ستخدم كل المواطنين على الإطلاق وبفرض القانون وتخفيض الأسعار.
ومع صيحات الثناء عليه، تحدث نتنياهو عن الأمور الأمنية والاقتصادية وغيرها، حتى أنه ذكر السلام مع دول عربية.
لكن خصمه الرئيسي رئيس الوزراء المنتهية ولايته يائير لابيد، قال في تل أبيب «لم يتقرّر شيء»، وإن حزبه «ويش عتيد»، «سينتظر بصبر… النتائج النهائية».
ويظهر فرز الأصوات، حصول حزب الليكود بزعامة نتنياهو على 31 مقعداً، وحزب لابيد على 24، وتحالف «الصهيونية الدينية» بزعامة اليميني المتشدد إيتمار بن غفير على 14 مقعداً، و«المعسكر الوطني» بقيادة بيني غانتس على 12، بالإضافة إلى حزب «شاس» الديني الشرقي المتدين 12 مقعداً.
في المقابل، حصل حزب «يهدوت هتوراة» الديني المتشدد لليهود الغربيين على 8 مقاعد، والجبهة العربية للتغيير على 5 (أيمن عودة وأحمد الطيبي)، والقائمة الموحدة بقيادة منصور عباس على 5 مقاعد، و«إسرائيل بيتينو» 5، وحزب العمل 4 مقاعد.
أما حزب «ميريتس» اليساري الصهيوني، فلم يجتز نسبة الحسم شأنه في ذلك شأن حزب «التجمع الوطني الديموقراطي».
وفي النظام النسبي، يجب أن تحصل كل قائمة انتخابية على نسبة 3.25 في المئة، التي تؤهل للدخول إلى الكنيست بأربعة أعضاء، دفعة واحدة.
وعنونت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، «نتنياهو يسعى لنصر حاسم… ويائير لابيد يأمل بالتعادل… واليميني المتطرف بن غفير يحتفل».
وبحلول الأسبوع المقبل، سيتلقى الرئيس أسحاق هيرتسوغ، النتائج الرسمية والنهائية، يبدأ من بعدها وعلى أساسها بالمشاورات النيابية من أجل تكليف رئيس حكومة جديد.
وتبين من النتائج أن اليمين الفاشي، كان الرابح الأكبر، بحصول قائمة «الصهيونية الدينية»، برئاسة بتسلئيل سموتريتش وبن غفير، على عدد مقاعد أكثر من المتوقع.
ولفت المحلل السياسي في موقع «زْمان يسرائيل» شالوم يروشالمي، إلى حالة النشوة في «الليكود»، موضحاً أن الكثيرين من ناشطي الحزب جاؤوا إلى مقره بعد أن شاركوا في احتفالات في مقرّي سموتريتش وبن غفير.
وأضاف «كلهم تحدثوا عن الضربة التي تلقاها اليسار (أحزاب الائتلاف بقيادة لابيد)، عن القضاء على جهاز القضاء وعن قمع شديد للعرب وعن الكراهية لوسائل الإعلام وعن سيادة في يهودا والسامرة» أي ضم الضفة الغربية لإسرائيل.
وأضاف يروشالمي أن ناشطي «الليكود» توقعوا رسائل مشابهة من جانب بيبي، «لكنه رفض ذلك، ويبدو أنه أصيب بالهلع من نفسه ومن الائتلاف الذي سينبثق إلى جانبه في هذه الأيام، فقد حرص طوال حياته السياسية على أن يبتعد عن اليمين المتطرف، وإذا كان هناك حزب كهذا، فقد كان يهتم بإجراء توازن بضم حزب وسطي أو حتى من اليسار (الصهيوني)».
إلا أن هدف نتنياهو الأساسي هو استهداف جهاز القضاء من أجل إلغاء محاكمته، بتهم فساد خطيرة.
من جانبه، تعهد سموتريتش في حملته الانتخابية، العمل على إلغاء مخالفات الاحتيال وخيانة الأمانة، فيما تعهد بن غفير إلغاء المحاكمة برمتها من خلال «القانون الفرنسي» الذي يعني منع محاكمة رئيس حكومة أثناء ولايته.
وأشار محلل الشؤون الحزبية في صحيفة «هآرتس» يوسي فيرتر، إلى أن «نتنياهو سيشكل الحكومة، لكنه سيكون رئيس حكومة بن غفير».
وأضاف أن «بن غفير، وليس نتنياهو، فرض سحره على الجنود، والشبان الذين يصوتون للمرة الأولى، وغير المبالين والكسالى في مدن التطوير، الذين ساروا وراءه. كما أن بن غفير، جعل ناخبي (وزير الدفاع بيني) غانتس و(وزير العدل جدعون) ساعر و(حزب) يمينا وحتى لابيد، الذين هلعوا من أحداث (عملية) حارس الأسوار والعمليات في تل أبيب وإلعاد وبني براك، ينتقلون إلى الجانب الآخر، واعتبر بنظر اليمينيين أنه سياسي مركزي وشخص يتحدث دُغري».
وتتناقض الآراء حول بن غفير، الذي كان يعتبر في وقت من الأوقات منبوذاً في الساحة السياسية.
وقال بن غفير مخاطباً مناصريه «صوّت الجمهور للهوية اليهودية… حان الوقت أن نعود لنكون أسياد بلدنا».
وأضاف «الناس يريدون السير في الشوارع بأمان، وألا يكون جنودنا وشرطتنا مقيدي الأيدي» مكرراً دعوته لاستخدام القوة، خصوصا ضد الفلسطينيين في القدس الشرقية وفي الضفة الغربية المحتلة.
في المقابل، حذر ساعر، زعيم حزب «الأمل الجديد» الذي انشق عن حزب الليكود سابقاً، من خطر رؤية إسرائيل تتجه نحو «تحالف من المتطرفين» بقيادة نتنياهو وحلفائه.
وكتبت صحيفة «هآرتس» اليسارية «إسرائيل على وشك أن تبدأ ثورة يمينية ودينية وسلطوية، هدفها تدمير البنية التحتية الديموقراطية التي بنيت عليها الدولة»، مضيفة «قد يكون هذا يوماً أسود في تاريخ إسرائيل».
وينظر كثيرون إلى بن غفير (46 عاماً) على أنه مشرّع مهووس بتفجير التوتر، معتبرين أن سياسته تهدّد بـ «إشعال النار» في الدولة العبرية.
يذكر أن بن غفير يطالب بتولي حقيبة الأمن الداخلي، فيما يميل نتنياهو إلى عدم الموافقة على ذلك، لكن من الجائز أن يضطر إلى التنازل عن رفضه إثر مفاوضات ائتلافية صعبة.
ويتوقع أن يطالب سموتريتش بحقيبة الدفاع أو القضاء أو المالية، حيث ستضع هذه المطالب نتنياهو أمام صعوبات إصرار الخطاب السائد في الليكود، الذي بموجبه يجب أن تبقى الحقائب الوزارية الهامة بأيدي الحزب، حسب ما ذكرت محللة الشؤون الحزبية في موقع «واينت»، موران أزولاي.
كذلك يطالب رئيس حزب «شاس» أرييه درعي، وهو حليف نتنياهو الرئيسي، بتولي حقيبة المالية أو بمنصب القائم بأعمال رئيس الحكومة. لكنه قد يوافق على تولي حقائب أخرى، مثل الداخلية أو الأديان.
وبسبب تكرار الانتخابات، كان السياسيون يخشون أن يصاب الناخبون البالغ عددهم 6.8 مليون بالإزهاق، إذ يتوجهون لصناديق الاقتراع للمرة الخامسة في أقل من أربع سنوات. إلا أنّ نسبة المشاركة بلغت نحو 71.3 في المئة. وتجاوز عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم 4.8 مليون، وهي الأعلى منذ 2015، بحسب لجنة الانتخابات المركزية.
في المقابل، اعتبر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، أن صعود الأحزاب اليمينية الدينية المتطرفة، «نتيجة طبيعية لتنامي مظاهر التطرف والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي، والتي يعاني منها شعبنا منذ سنوات، تقتيلاً، واعتقالاً، وتغولاً استيطانياً، واستباحة للمدن والقرى والبلدات، وإطلاق العنان للمستوطنين وجنود الاحتلال لارتكاب جرائمهم، وتقويض حل الدولتين».
وقال الناطق باسم حركة «حماس» حازم قاسم، إن التعويل على نتائج انتخابات الكنيست «غباء سياسي».