كويت تايمز: أجرت السلطات الصينية مسيرات كبرى شارك فيها الآلاف من رجال الأمن بصحبة معدات عسكرية، وذلك في مقاطعة زين جيانغ أوغور ذات الحكم الذاتي، وكان ذلك في يومي 16 و17 فبراير الماضي، ولقد وصفت أجهزة الإعلام المملوكة للدولة تلك الاستعراضات العسكرية التي جرت في مدينتي كاشغار ، وخوتان الجنوبيتين، بالإضافة إلى العاصمة الإقليمية أورومكي بأنها لمكافحة الإرهاب، وهي «مسيرات تعبر عن الولاء». وأكد نائب سكرتير الحزب الشيوعي الصيني زهو هاليان أن تلك المسيرات تعبر عن تصميم الصين على استخدام «القوة الغاشمة» عن طريق «حمل السلاح وإخراج السكاكين من غمدها، ورفع قبضاتنا ومد الأيادي»، لتوجيه «ضربة قوية» للإرهابيين الايغور في جميع أنحاء المنطقة.
وتأتي تلك المسيرات بعد مواجهة من الاعتداءات الإرهابية التي وقعت في المنطقة خلال السنوات الماضية، وهناك أدلة متزايدة تشير إلى تورط المتشددين من الايغور ليس فقط في المناطق المعروفة تاريخياً بذلك مثل أفغانستان وآسيا الوسطى، بل أيضاً في سوريا والعراق. وهنالك ثلاثة تطورات كبرى حدثت خلال العام الماضي تعطي صورة لحجم تلك الأعمال.
الأول حدث في 30 أغسطس عام 2016، حيث قاد انتحاري من الايغور ممن قاتلوا في سوريا شاحنة مليئة بالمتفجرات واقتحم بها أبواب الحماية الأمنية للسفارة الصينية في بشكيك عاصمة قرغيريستان، والثاني هنالك الشخص المسلح الذي نفذ الاعتداء على الملهى الليلي في اسطنبول في ليلة رأس السنة الجديدة 2016، وقد صرحت السلطات التركية بأنه من الايغور ولديه ارتباطات بالجماعات الجهادية في سوريا، واخيراً ففي 27 فبراير الماضي أطلق متشددو الدولة الإسلامية شريط الفيديو الدعائي ليقدم تفاصيل تعرض لأول مرة «مشاهد من حياة القادمين من تركستان الشرقية اي زين جيانغ في أراضي الدولة الإسلامية».
التورط في النزاعات الدولية
وتشير هذه الأحداث إلى أن مشكلة الصين مع عمليات الايغور التي عايشتها لفترة طويلة باتت تخرج عن نطاق مقاطعة زين جيانغ الواقعة في شمال غرب البلاد وتعاني من الاضطرابات، ويرى البعض أن ذلك يعد نتيجة ثانوية لتواجد الصين المتزايد في منطقة ظلت تعاني من الإرهاب، وقد أشارت صحيفة «غلوبال تايمز» في افتتاحية نشرت في أعقاب الاعتداء الذي وقع في قرغيرستان إلى أن «الصين باتت قوة عظمى» وأنه من المحتمل أن «يتم جر الصين للتورط في النزاعات الدولية» وتتحوّل إلى هدف للإرهاب غير أن هذا القول يتجاهل إن دور سياسيات الصين الخاصة في زين جيانغ كما في آسيا الوسطى والشرق الأوسط، ظلت تلعب دوراً في إثارة التهديد الإرهابي لمصلحة الصين، فلقد ظلت الصين تستخدم استراتيجية تقوم على الدمج القسري الذي يعتمد على السيطرة الاجتماعية والثقافية، ويشمل ذلك أيضاً سيطرة قومية الهان الصينية على حكومة الإقليم، وتقييد الممارسات الدينية والقمع المباشر للمعارضة، وتشجيع عمليات توطين قومية الهان الصينية، ولقد ظلت هذه السياسات هي المتبّعة خلال العقدين الماضيين من خلال برنامج تحديث اقتصادي تشرف عليه الدولة يهدف إلى تحويل مقاطعة زين جيانغ إلى مركز ارتباط اقتصادي لمنطقة يور آسيا. وعلى الرغم من نتائج التنمية الاقتصادية المجزية، فإن تلك الاستراتيجية أدت في بعض الأحيان إلى إثارة معارضة عنيفة في أوساط المواطنين الأيغور ممن يعانون تقليص وجودهم ديموغرافيا جراء التهميش السياسي وتدخل الدولة المستمر في شؤون ممارسة حرياتهم الدينية، وقد لعبت تلك العوامل أيضاً دوراً في تحفيز أعداد كبيرة من الإيغور على الهجرة الشرعية وغير الشرعية من الصين.
وخارجيا، فإن اعتداءات 11 سبتمبر و«الحرب ضد الإرهاب» التي قادتها الولايات المتحدة، مكّنت الصين من ربط أحداث معارضة الإيغور والعنف المعادي للدولة بتنظيم القاعدة، وقد حقق ذلك الربط نجاحا،ً حيث اعتبرت الأمم المتحدة «حركة تركستان الشرقية الإسلامية»، التي ادعت بكين أنها «مدعومة وممولة» من قبل أسامة بن لادن، بأنها «منظمة إرهابية دولية» في عام 2002.
وعلى الرغم من أن لدى الحركة وجودا في أفغانستان يعود إلى أواخر التسعينات وما بعدها، فإن ارتباطها بالقاعدة كان محدوداً حتى وقوع أحداث 11 سبتمبر، ولكن بعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان نقلت الحركة قاعدة عملياتها إلى منطقة وزيرستان، وفي فترة ما بعد 11 سبتمبر تلك بدأت ارتباطاتها بالقاعدة والجماعات الأخرى المشابهة وتعززت. وفي تلك المرحلة برز حزب تركستان الإسلامية خلفا لحركة تركستان الشرقية الإسلامية في عام 2005، وتحالف هذا الحزب مع القاعدة وحركة أوزبكستان الإسلامية وطالبان.
والأهم من ذلك، فإن زعيم حزب تركستان الإسلامي عبدالحق التركستاني أصبح عضواً في مجلس شورى القاعدة وأصبحت بعدها قدراتها في مجال الدعاية السياسية أكثر تطوراً، حيث شرعت في إنتاج أشرطة فيديو تعرض في يوتيوب تهدد دورة الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008، كما باتت للحركة مجلة إلكترونية تصدر باللغة العربية وليس بلغة الإيغور.
توالي الاعتداءات
ومنذ بروز حزب تركستان الإسلامي اتهمته السلطات بتنفيذه لعدة اعتداءات من بينها إعتداء تفجير شاحنة في أكتوبر عام 2013 في ساحة تيانامين وفي محطة كون مينغ للقطارات في مارس عام 2014، وعلى منجم فحم في أكسو في سبتمبر عام 2015، وزيادة قدرات الحزب على تنفيذ الإعتداءات قد تكون لها صلة بالانتقال من الساحة الأفغانية ــ الباكستانية إلى منطقة الشرق الأوسط الأوسع.
وبصفة خاصة مع اشتعال الأزمة السورية، ومع بدء نشاط القاعدة في سوريا عبر تأسيس جبهة النصرة في يناير 2012، بدأ حزب تركستان الإسلامي في نشر أشرطة فيديو حول النزاع السوري ومقالات في مجلته، وبينما هناك معلومات قليلة يمكن التثبت منها حول عدد أنصار الحزب المقاتلين في سوريا، يبدو أن هناك وجودا كبيرا لهم يصل إلى المئات، وهذا التقدير يمكن استخلاصه عن طريق متابعة مواد الدعاية السياسية للحزب ونشاطاته في الساحات القتالية في سوريا، ومن بينها بعض المعارك المهمة التي خاضها في إدلب وجسر الشغور وسهل الغاب، ومن الملاحظ أن الحزب ظل متحالفاً بثبات مع جبهة النصرة، وتلك التي خلفتها جبهة فتح الشام.
قيادة الحزب أصدرت بيانات في العام الماضي تدين فيها بشدة تصرفات داعش ووصفتها بمخالفتها للشرع.
قوة مساعدة أمنية
لم يكن من المستغرب في ظل الارتباطات بين حركة تركمانستان الشرقية الإسلامية وحزب تركمانستان الإسلامي بالتطورات في أفغانستان وباكستان، تحولت توجهات الصين بعد ان ظلت تنأى بنفسها عن النزاع في أغلب أعوام الألفية، فقد شجعت النشاطات المتزايدة للمتشددين الإيغور في الصين على النظر في استخدام ما وصف بتحويل جزئي لمهامها الأمنية لتقوم بها قوة مساعدة أمنية دولية عبر الجيشين الأفغاني والباكستاني، وفي ما يختص بأفغانستان بذلت بكين محاولات للتوصل إلى اتفاقية سياسية فيما بين طالبان وكابول من خلال تأمين حصول أفغانستان على عضوية مراقب في منظمة شنغهاي للتعاون، كما توصلا إلى اتفاقية «شراكة استراتيجية» في يونيو 2012، تضمنت التركيز على العمل المشترك ضد «الإرهاب والحركات الانفصالية والتطرف.
كما انه مؤخراً في أغسطس 2016 اجتمع الجنرال فانغ فينغوي بممثلين من أفغانستان وباكتسان وطاجكستان في أورمكي عاصمة زين جيانغ، وتركز اللقاء على نقاش تطور آليات تعاون «رباعي» لمكافحة الإرهاب يقوم على تبادل المعلومات الاستخبارية.
وإعطاء بكين أهمية قصوى لحماية أمن مصالحها في المنطقة يظهر في مشروع الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني، وهو ممر بطول 3 آلاف كيلومتر وبكلفة 46 مليار دولار يقوم على تطوير شبكة طرق وخطوط سكك حديدي وخطوط أنابيب نفط تربط ميناء غوادار بمدينة كاشغار الصينية.
ولدى الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني هدفان أساسيان بالنسبة للصين: تأمين الاستقرار على طول الحدود الغربية للبلاد من خلال التنمية الاقتصادية، كما يقوم أيضاً بدور «صّمام أمان» جيوستراتيجي لمكافحة أي عملية تطويق قد تقدم عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها للممرات البحرية الآسيوية، كما أن تورط حزب تركستان الإسلامي في القتال الدائر في سوريا دفع الصين إلى تطوير التعاون مع النظام السوري ويشمل ذلك تبادل المعلومات الاستخبارية.