كويت تايمز: رغم حالة الانهيار التي تتعرض لها أسعار النفط، فإن الواقع يكشف عن مستقبل مشرق لعقود الشراء في سوق الطيران العسكري، الآخذ بالازدهار مع إقبال دول منطقة الشرق الأوسط في الشراء، وتوقيعها عقوداً مختلفة لاقتناء الطائرات الجديدة أو المستعملة، في مسعى منها لتحديث طائراتها القديمة أو لتضخيم حجم أسطولها.
وأشار تقرير نشر في مجلة «ناشونال ديفينس» إلى أنه وخلال السنوات القليلة الماضية شهدت أسعار النفط تراجعاً بلغ نصف سعرها في وقت سابق، وهو الأمر الذي أجبر العديد من الحكومات في المنطقة إلى إعادة تقييم ميزانياتها وفي بعض الحالات إلى تخفيضها، إلا أنه في مجال شراء الطائرات، خصوصاً العسكرية منها، فإن هذه الدول زادت من حجم طلباتها للحصول عليها.
وفي سبيل عقد مثل هذه الصفقات بعيداً عن أي تعثر مالي، فإن لدى هذه الدول احتياطيات للعملات الأجنبية يمكن أن تستفيد منها، أو صناديق ثروة سيادية هائلة جمعتها على مدى السنوات الماضية، علاوة على ذلك بإمكانها أن تنظر إلى التمويل الخارجي من خلال البنوك إذا احتاجت للحصول على القروض لمساعدتها في الاستحواذات.
وبحسب متخصصين في هذا المجال، فإن السوق آخذ بالنمو، ويتوقع أن تتزايد نفقات هذه الدول على جانبها الدفاعي بما يقارب 5 إلى 10 في المئة خلال السنوات المقبلة، وهو تزايد يأتي بسبب تنامي المخاطر الأمنية التي تعتبر أهم دافع لمثل هذه الخطوة.
وأوضح المحلل في مجال التوقعات الدولية ديريك بيساشيو، أنه لا يوجد حالياً أي تراجع لمستوى التهديدات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، والجانب الأهم هو أن هذه التهديدات تتميز بتنوعها الكبير، إذ يوجد هناك ارتفاع ملحوظ في مستوى التهديدات من قبل «داعش» و»القاعدة» والميليشيات (الحوثية) في اليمن على سبيل المثال، وهذا الأمر خلق لدى العديد من الحكومات حالة من القلق لأنهم يرون أنه حتى وإن كان ما يحدث من اضطراب لدى الدول المجاورة لهم فإن هناك احتمالية بأن يتسرب هذا الاضطراب داخل حدودهم.
ولفت التقرير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي، التي تمثل الحليف السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة، تواجه صراعاً وتنافساً طويل الأمد مع إيران، وهو ما يجعلها تستمر في زيادة قدراتها العسكرية.
وينوّه تقرير مؤشر القوة العسكرية المنبثق من «Heritage Foundation» إلى أنه وبعد الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرم عام 2015، أخذت هذه الدول على عاتقها تعزيز قدراتها العسكرية وشهدت تدفقاً في مشتريات التسليح.
من ناحية أخرى، أشار التقرير إلى أن دول المنطقة بشكل عام تفضل شراء المنتجات الأميركية، مبيناً أن العتاد العسكري الأميركي، وبدرجة أقل العتاد البريطاني والفرنسي مفضل بسبب فعاليته وقيمته الرمزية كدليل على العلاقة الأمنية القريبة وبسبب تجربتها القتالية.
وتعرف العديد من دول منطقة شرق الأوسط بأنها تمتلك مخزون متين من الطائرات المقاتلة المتقدمة، حيث تمتلك كل من الكويت والإمارات والأردن والسعودية أكثر من 400 طائرة من نوع «F -15 وF – 16 وF/A-18»، وتعتبر المملكة العربية السعودية أكبر دولة إنفاقاً على مستوى الشرق الأوسط، والتي تشتري العديد من الطائرات المقاتلة والاستطلاعية والمروحيات القتالية وللنقل. وقد أبرمت اتفاقاً بلغت قيمته 29 مليار دولار للحصول على طائرات جديدة وأخرى معاد تصنيعها من نوع «F-15s».
وكجزء من الاتفاقية، فإن شركات أميركية ستعمل مع شركات سعودية محلية وستعمل على إنشاء مرفق لإعادة تصنيع الطائرات لتزويدها ببعض التحديثات وإكمال الكثير من العمل مع الدولة.
وأوضح التقرير أن تعزيز المملكة لصناعتها المحلية يمثل جزءاً من أهداف رؤيتها الإستراتيجية 2030، وهي خطة واسعة النطاق، تسعى قيادة السعودية لبناء مكانتها العالمية، مشيراً إلى أن المملكة تسعى إلى أن يكون 50 في المئة من احتياجاتها الدفاعية صناعة محلية.
إلا أنه في الوقت الراهن لا يوجد ما يشير إلى قرب تحقيق هذا الشيء، وهو طموح جداً كبير للمملكة، لكن الولايات المتحدة تتطلع من خلال برامج مثل «F-15» إلى مساعدة السعودية في ذلك وتطوير صناعتهم أيضاً.
من جهتها، تستثمر الإمارات مبالغ كبيرة في أسطول طيرانها العسكري، ورغم أن هياكل قوتها ليست كبيرة مقارنة بما هو موجود في السعودية، إلا أنه لم يوجد في السابق طلب كبير، لكن عبر رؤيتها خلال السنتين الماضيتين، فإن ذلك ازداد بشكل كبير، حيث بدأت الإمارات تشتري الطائرات المقاتلة، وطائرات النقل، والمروحيات المقاتلة.
وأفاد التقرير أن تفضيل الدول الشرق أوسطية المنتجات الأميركية والغربية الأخرى من الممكن أن يتغير، ففي الوقت الذي يعتبر فيه الحفاظ على الاتساق مع الطائرات الموجودة في مخزونها إلى جانب جودتها واحد أهم الأسباب التي تجعل الدول مستمرة في شراء المنتجات الأميركية، إلا أنه أحياناً توجد هناك أنظمة لا يستطيعون شراءها من أميركا والتي يمكن أن يشتروها من دول أخرى قد تكون روسيا مصدراً مهماً لهذه المنافسة، إذ إنه غالباً ما يوجد هناك شروط ملحقة مع العقود الأميركية، وفي المقابل تقدم روسيا بدائل في ذلك لا تتطلب شروطاً كتلك التي تفرضها أميركا.
وعلى سبيل المثال، فإن البحرين التي كانت مهتمة بشراء «F-16s» إلا أن الاتفاق قد توقف بسبب القلق من الحالة السياسية الداخلية في البلاد. وعلى مر الوقت فإن مثل هذه الأنواع من العقبات التي تواجه الشراء من الممكن أن تبعث الإحباط للدول التي من الممكن أن تبدأ بالبحث عن أماكن أخرى.
وأشار التقرير إلى أن كلاً من الكويت وقطر قامتا أخيراً بشراء طائرات «F/A-18» و»F-15»، ولكن لكونهما ستنتظران لسنوات لأخذ الموافقات فقد قامتا بشراء طائرات أخرى في هذه الفترة، حيث اشترت الكويت «Eurofighter Typhoons» في حين استحوذت قطر على «Dassault Rafales»، وقد لاحظت روسيا ذلك وهي تقوم حالياً بالترويج لمقاتلتها القادمة ميغ 35 كخيار بديل، وفي يناير الماضي تم الكشف عن نسخة من مقعدين لطائرة حيث تتطلع روسيا نحو مصر كزبون محتمل. وسوف يتم البدء بتصدير هذه الطائرات بحلول 2020.
ولفت نائب رئيس قطاع التحليل في «Teal Group» ريتشار أبو لافيا إلى أن توجه مصر نحو الطائرات الروسية أمر مثير للاهتمام، مبيناً أن مصر تمثل أحد أسباب القلق، فبعد اتفاق كامب ديفيد عام 1979 كانت مصر متوجهة نحو الغرب حيث اشترت العديد من طائرات «F-16s» وغيرها من الأنظمة التسليحية، وبشكل مفاجيء وفي أعقاب الربيع العربي عادت إلى شراء الأنظمة التسليحية الروسية وهو تغير حقيقي.
وأوضح أبو لافيا أن مصر اشترت 46 طائرة «ميغ 29» وهناك حديث عن شراء المزيد، وكي نكون عادلين فقد اشترت مصر أيضاً دفعة من طائرات «رافال» الفرنسية تم بدء تسليمها نهاية العام الماضي، وهو ما يؤكد فكرة أنه ربما ليس كثيراً ما تتوجه مصر نحو روسيا لكن الأمر الواضح هو أنها تريد أن تبتعد عن أميركا.
وأضاف التقرير أن أهم الطائرات المتقدمة في السوق تعتبر «F-35»، من إنتاج «لوكهيد مارتن» حيث تعاقدت كل من تركيا واسرائيل لاقتناء نظام الجيل الخامس، إلا أن ذلك سيستغرق بعض الوقت بالنسبة لدول شرق الأوسط الأخرى ليسمح لها بالشراء.
وتاريخياً منح اسرائيل القيادة لخمس سنوات لهذا النوع، وهذا يعني أن مبيعات joint strike fighter للمنطقة بحلول 2023 لا يمكن استبعادها، وعلى المدى القصير فإن الإمارات من المرجح بشكل كبير شراءها F-35 وقت توافرها، إلا أنه على المدى الطويل من المرجح أن تشتري السعودية المزيد منها، وهناك العديد من المؤشرات التي توضح بأن الإمارات تعمل على الدفع بالولايات المتحدة لتسريع الخط الزمني لوقت إمكانية شرائها joint strike fighter.
ومبكراً خلال هذا العام، أعلنت كل من الإمارات وشركة روستيك الروسية عزمهما البدء بتطوير الجيل الخامس المبني على ميغ 29 في 2018. ومن المتوقع أن تستغرق مدة التطوير من 7 إلى 9 سنوات.
وذكر التقرير أن من أهم الأسباب التي تجعل الإمارات مهتمة بذلك هو ضغطها على الولايات المتحدة للموافقة على بيع F-35، مضيفاً أنه من الواضح تماماً أن أميركا تضع منعاً على المبيعات لأي دولة أخرى بسبب اسرائيل. إلا أنه في غضون العقد القادم، سيكون مسموحاً للإمارات بالحصول على الموافقة لشراء هذا النظام.
ولفت أن «ميغ 35» لا تعتبر البديل الأفضل لـ «joint strike fighter»، لكنه لا يزال يعتبر من نوع ميغ في نهاية المطاف، فإذا أردت الأفضل ولم تستطع أن تحصل على «F-35» تستطيع شراء «F-15» كما فعلت قطر والسعودية. وهذا بلا ريب يعتبر أفضل بديل.
وفي الوقت الذي يزدهر فيه سوق الطائرات العسكرية في الشرق الأوسط، لا تزال هناك تساؤلات حول كيفية تأثير الحظر التجاري على مبيعات قطر، لاسيما مع المقاطعة التجارية التي فرضتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر أخيراً.
ورغم الخلاف، فإن ذلك لم يوقف بيع طائرات «F-15s» الأميركية لقطر في يونيو الماضي، وقد بلغت قيمة الصفقة نحو 12 مليار دولار.
وأوضح أبو لافي أن قطر تسهم في تقديم سوقاً نامياً كبيراً إلا إذا كان هناك مضاعفات من جراء المقاطعة.