لم يسبق لحُكم قضائي في لبنان أن أثار ضجّةً كالتي «اجتاحتْ» البلاد على خلفية «درْسٍ» لقّنتْه قاضية لثلاثة شبّان أساؤوا إلى السيدة مريم العذراء، وذلك عبر استبدال عقوبة السجن بحفظ آياتٍ تكرّمها في القرآن الكريم ليتعرّفوا أكثر على دينهم ويتأكدوا أن فعلتهم إساءة إليه بالدرجة الأولى.
وفي تفاصيل هذه القضية التي قوبلت بموجة ترحيب عارم على مواقع التواصل الاجتماعي وبمواقف تقديرٍ كبير من رئيس الحكومة سعد الحريري وشخصيات سياسية عدة، أن قاضي التحقيق في شمال لبنان جوسلين متى (مسيحية) رفضتْ اعتماد المسار «التقليدي» مع 3 شبان مسلمين (أعمارهم بين 16 و18 عاماً) مدعى عليهم لإقدامهم على الإساءة لتمثال السيدة العذراء وتحطيمه في كنيسةِ مهنيّة منجز (عكار) حيث يتلقّون تعليمهم.
وبعد استماعها إلى الشبان الثلاثة وتيقُّنها من أن فعلتهم لا تنطوي على رغبة في إثارة النعرات الطائفية بمقدار ما أنها تنمّ عن جهْل، اختارتْ تفادي المسار القائم على العقوبةِ بحُكمٍ ولجأتْ إلى تدبيرٍ قضائي توجيهي وتثقيفي وفق منطوق المادة 111 من قانون أصول المحاكمات الجزائية (تسمح لقاضي التحقيق بالاستعاضة عن توقيف المدعى عليه) ألزمتْ بموجبها الشبان بحفْظ بعض آياتٍ من سورة آل عمران بحيث يطّلعون على ديانتهم عوض الإساءة إليها.
وفي أعقاب حفْظ المدعى عليهم الآيات الكريمة وتأكُّد القاضية من ذلك، تمت تخليتهم، علماً أنهم لم يمضوا أي ساعة في الزنزانة، بل قاموا بحفظ الآيات تحت حراسة أمنية قرب غرفة قاضي التحقيق التي شغلت الرأي العام اللبناني بتدبيرها الذي وُصف بأنه حكيم وينمّ عن ثقافة عالية ويشجّع فعلياً على التسامُح.
وكان أمين سر هيئة الإشراف والرقابة في «تيار المستقبل» وعضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى المحامي محمد المراد أوّل مَن كشف هذه السابقة، حين كتب على صفحته على «فايسبوك» أنه بينما كان يتابع (يوم الخميس) ملفاته في قصر العدل في طرابلس، لفته مشهد لم يرَه قبلاً «وهو وقوف ثلاثة شبان بحراسة أمنية أمام غرفة قاضي التحقيق الرئيسة جوسلين متى، حيث يحمل كل منهم القرآن الكريم ويقرأ فيه وبشكل واضح»، الأمر الذي أثار فضوله ليسأل عن السبب «لأحصل على جواب لم أتوقّعه وهو في منتهى الحكمة العالية التي قلّ نظيرها، والمتمثّل بقرار الرئيسة متى بإلزام المدعى عليهم الثلاثة بحفظ بضع آيات من سورة آل عمران التي تتجلّى فيها القدرة الإلهية بولادة السيدة مريم البتول وتفضيلها على نساء العالمين، وان القرار القاضي بإلزام المدعى عليهم بحفظ هذه الآيات ليعرفوا يقينا ستنا مريم وقدرها بدلاً من الإساءة إليها، ومتى حفظ هؤلاء الشباب الثلاثة هذه الآيات الكريمة يكونوا قد نفذوا العقوبة بدل توقيفهم في السجن».
وقد حيا الرئيس سعد الحريري عبر «تويتر» القاضية متى «لحكمها على الشبان في قضية السيدة مريم وإلزامهم بحفظ سورة عمران من القرآن الكريم»، معتبراً ذلك «قمة في العدالة وتعليم المفاهيم المشتركة بين المسلمين والمسيحيين».
بدوره، اعتبر الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي عبر «تويتر» أن «القرار الذي أصدرتْه القاضية متى باستبدال عقوبة السجن لشبان أساؤوا للسيدة العذراء بحفظ آيات تكرّمها في القرآن الكريم، هو مثال يحتذى في الأحكام القضائية الإصلاحية المبنية على التسامح والتثقيف الديني الصحيح واحترام الآخرين، وتحويل مجريات الأمور من سلبية إلى إيجابية».
شاهد أيضاً
مذا يحدث لجسمك إن نمت أقل من 6 ساعات نوم في اليلة؟
تقول العديد من الدراسات إن البالغين يجب أن يحصلوا على سبع إلى تسع ساعات نوم …