في خطوة مفاجئة، وصل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أمس، إلى مدينة أربيل مركز إقليم كردستان العراق، في أول زيارة لها منذ أزمة الاستفتاء بالإقليم في سبتمبر الماضي، حيث كان في استقباله بمطار أربيل رئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني. وكان العبادي زار مدينة السليمانية كمحطة أولى، حيث عقد مؤتمراً صحافياً لإطلاق لائحته الانتخابية في المدينة.
وقال العبادي، خلال إعلان لائحته الانتخابية في أربيل، «اليوم نحن تحت خيمة العراق، وأي واحد يريد أن ينفصل هناك ضباع تتربص به». وأضاف أن «الأخوة الكردية العربية دائمة ومستمرة، أبطال البشمركة والجيش العراقي واجهوا داعش معاً وتقاسموا المعاناة لتحقيق النصر».
وتابع: «اليوم نحن بأمس الحاجة الى هذه الوحدة، النزاع والفرقة ورفض الآخر منهج غير سليم. نحن نقوى باجتماعنا».
ويطمح العبادي، لشغل منصب رئيس الوزراء للدورة الثانية على التوالي، عبر قائمة «النصر»، التي تضم في الغالب قوى سياسية شيعية، فضلاً عن كتل سنية صغيرة. ويركز العبادي، خلال حملته الدعائية للانتخابات المقبلة، على قيادته البلاد لتحقيق النصر على «داعش»، وإفشال المشروع الانفصالي للأكراد، فضلاً عن تعهده بمحاربة الفساد مستقبلاً.
بين التوافق والأغلبية
إلى ذلك، ليس ثمة اتفاق في الأوساط السياسية الممثلة للمكونات العراقية، أو إجماع على اعتماد آلية من بين ثلاث آليات تحكم مسار العملية السياسية في نظام حكم «شبه ديموقراطي». فبعد غزو العراق، أسست الولايات المتحدة لنظام حكم يقوم أساساً على «التفاهمات» بين الكتل الكبيرة، أو ما يطلق عليه اصطلاحاً «الديموقراطية التوافقية»، التي أصبحت محاصصة سياسية باعتماد التمثيل النسبي للمكونات طائفياً وعرقياً، وفاقمت من الأزمات، التي استوجبت دعوة بعض الأصوات إلى مسار ثالث بديل، وهو مسار «الأغلبية السياسية».
قد تكون للكيانات الداعية إلى تبني مسار «الأغلبية» رؤية صائبة «نظرياً»، حيث تحكم هذه الفئة، في حين تكون الأقلية في المعارضة داخل البرلمان.
وستعطي الأغلبية السياسية الفرصة لمشاركة كل المكونات العراقية في إدارة الدولة، سواء في الحكومة، أو في المعارضة، لخلق حالة تنافسية تفرض رقابة على الأداء الحكومي للحد من الفساد المالي والإداري، وقد تحد من تعطيل البرلمان بسبب المناكفات والإخفاقات في «التفاهم» بين الكتل الكبيرة.
ولم يشهد أي برلمان عراقي معارضة للحكومة، لأن قبول كيان سياسي أو تحالف بأن يكون في المعارضة، فإن هذا يعني تنازله عن المشاركة بحصته من الوزراء والمناصب «السيادية»، وهذا ما لم تفعله الكتل السياسية.
ظهرت الدعوات لتبني مسار «الأغلبية السياسية» منذ انتخابات مارس 2010، التي جددت لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وإذا كان المالكي، الذي هو أول من دعا إلى «الأغلبية السياسية» في دورات سابقة، وهو الذي يدعو إليها اليوم بإصرار، فإنه في عام 2010 التف على مبدأ «الأغلبية»، مستغلا نفوذه على المحكمة الاتحادية لتفسير المادة 76 من الدستور، واعتبار أن الكتلة الأكبر هي التي تتشكل داخل البرلمان، وليست التي تفوز بأكبر عدد من المقاعد.
لكن «الأغلبية السياسية» تفترض حالة وطنية بعيدة عن المحاصصات، يمكن لها أن تشكل تحالفات لتشكيل الحكومة من وزراء ينتمون إلى رئيس الحكومة، لا إلى مكوناتهم العرقية أو الطائفية، ولا إلى أحزابهم وكتلهم السياسية. ولا يمكن بأي حال من الأحوال القفز على واقع الانقسام المجتمعي، وانعكاسات هذا الانقسام على تشكيل التحالفات والكيانات على أسس الانتماء العرقي والطائفي، الذي أفرز تكتلات شيعية وأخرى كردية، وثالثة سنية، لا تؤهل العملية السياسية لتبني مسار «الأغلبية السياسية».
ويمكن لاعتماد مسار «الأغلبية» أن يشكل محاولة للخروج من مسار «المحاصصة»، الذي فرضته «الديموقراطية التوافقية»، تحت مظلة حكومة الوحدة الوطنية، التي تتمثل فيها جميع مكونات المجتمع العراقي وفقاً للنسب التمثيلية لكل مكون إلى مجموع سكان العراق، من دون اعتماد أسس صائبة تعكس حقيقة تلك النسب التمثيلية، مثل إجراء تعداد سكاني بإشراف الأمم المتحدة ومنظمات دولية متخصصة.
ولا تحظى الدعوات إلى «الأغلبية السياسية» بإجماع أو تأييد الكتل السياسية المنتمية إلى مكون من مكونات المجتمع، وتلقى هذه الدعوات معارضة من داخل التحالف الوطني الحاكم، الذي هو ذات التحالف، الذي ينتمي إليه ائتلاف دولة القانون بقيادة المالكي، وينتمي إليه أيضاً رئيس الوزراء حيدر العبادي؛ ومن خارج التحالف الوطني تلقى دعوات الأغلبية السياسية تحفظات واعتراضات من التيار الصدري، والكتل السياسية للمكونين العربي السني والكردي.
اذاً، الفرص المتاحة أمام القفز من الديموقراطية التوافقية والمحاصصة السياسية إلى الأغلبية السياسية، لا تبدو متاحة في العراق، على الأقل في الدورة الانتخابية الحالية، حيث لا توجد في المشهد السياسي أحزاب وكيانات على أساس التنوع الفكري والاختلاط الطائفي والعرقي، بل على العكس تماماً، ولابد من أخذ مخاوف العرب السنة والأكراد والمكونات الأخرى من أن تؤدي «الأغلبية» إلى سيطرة طائفة أو مكون ما على السلطة، وفرض الهيمنة، وهي ستكون سيطرة «شيعية» بكل تأكيد.