تتجه العملية السياسية في العراق نحو المزيد من التعقيد، بعد الحريق المتعمد الذي التهم مخازنَ تحتوي على صناديق الاقتراع في الانتخابات الاخيرة.
وقال وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي امس إن الحريق في مخازن مفوضية الانتخابات في بغداد، كان متعمدا.
وأضاف أن التحقيقات الأولية عن أسباب الحريق الذي اندلع الأحد تشير من دون شك إلى أن الحريق تم «بفعل فاعل»، موضحاً أنه يتابع التحقيقات بشكلٍ مباشر مع فرق الأدلة الجنائية.
وتزامن الحادث مع قرار مجلس القضاء الأعلى تعيين قضاة للإشراف على عمليات العد والفرز اليدوي بدل أعضاء مجلس المفوضين الذين أوقفوا عن العمل.
وزاد الحريق الشكوك في نزاهة الانتخابات وقوض ثقة الناخبين، خصوصاً أنه جاء بعد ادعاءات بالتزوير، وطرح تساؤلات عن الجهات التي تريد اعادة العراق الى الوراء ونسف العملية الديموقراطية في هذا البلد.
واعتبر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حرق موقع لتخزين صناديق الاقتراع في بغداد «مخططا لضرب البلد ونهجه الديموقراطي»، من جهة أخرى حذر الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من حرب اهلية. واعتبر ضياء الأسدي، أحد كبار مساعدي الصدر أن الحريق مؤامرة تهدف لفرض إعادة الانتخابات وإخفاء حالات التلاعب، وان من عمد إلى افتعاله يهدف إلى أمرين إما إلغاء الانتخابات أو إتلاف بطاقات الحشو التي عُدت ضمن النتائج».
وضع صناديق الاقتراع
وعلى الرغم من الدعوات التي صدرت بعد الحريق والمطالبات من بعض الاطراف السياسية باعادة الانتخابات، استمر مجلس القضاء الاعلى بتحركه لإعادة الفرز اليدوي لجميع النتائج وفقاً للتعديل الذي اقره البرلمان المنتهية ولايته على قانون الانتخاب.
وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، امس، إن المحكمة الاتحادية العراقية فقط، وليس أي كيان آخر، هي التي يمكنها اتخاذ قرار بشأن إعادة الانتخابات البرلمانية.
وقال رئيس اللجنة العليا المستقلة للانتخابات رياض البلدران: إن الصناديق التي تحتوي على بطاقات الاقتراع سلمت من الحريق الذي شب في المخازن.
واعلنت مفوضية الانتخابات أن «الحريق لن يؤثر في النتائج»، حيث طال جميع أجهزة تسريع النتائج وأجهزة التحقق الإلكترونية الخاصة بمكتب انتخابات بغداد الرصافة لكنه لا يؤثر في نتائج الانتخابات كون الشيتات (الأوراق) الخاصة بالنتائج هناك نسخ احتياطية منها في المكتب الوطني (مقر المفوضية ببغداد) ومكتب انتخابات بغداد الرصافة إضافة الى أوراق الاقتراع في الصناديق.
وفي السياق ذاته، كشف وزير الداخلية الذي تواجد امس لفترة طويلة في مديرية الأدلة الجنائية للإشراف على التحقيق، عن مصير اصوات العراقيين، مؤكداً أن صناديق الاقتراع كلها سالمة وتم نقلها إلى مخازن أخرى، والذي تضرر واحترق أجهزة التحقق وتسريع النتائج، مع توافر جميع البيانات لدى المفوضية».
كما كشف المدير العام لمديرية الدفاع المدني أن المخازن التي تحتوي على اوراق الاقتراع تمت حمايتها جميعها ولم تصلها النيران، وأن الحريق نشب في المخازن الثلاثة التي تحتوي على أجهزة ووثائق.
اما رئيس الوزراء حيدر العبادي فقد أمر قوات الأمن بتشديد الحراسة على مخازن حفظ صناديق الاقتراع، متوعدا بملاحقة العصابات الإرهابية التي تحاول العبث بالأمن والانتخابات. كما امر المختصين في مديرية الأدلة الجنائية ومديرية الدفاع المدني بالكشف عن موقع الحادث وإعداد تقرير مفصل الأضرار بعد تدقيقها بشكل نهائي».
وقال العبادي إن «حرق المخازن الانتخابية الذي تزامن مع اليوم الذي احتلت فيه عصابات داعش الإرهابية مدينة الموصل عام 2014، يمثل مخططاً لضرب البلد ونهجه الديموقراطي وسنتخذ الإجراءات الكفيلة والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه زعزعة أمن البلاد ومواطنيه».
وكان رئيس البرلمان المنتهية ولايته سليم الجبوري -الذي فقد مقعده البرلماني في الانتخابات الأخيرة- اول الداعين إلى إعادة إجراء الانتخابات، معتبرا ان إحراق المخازن هو فعل متعمد، وجريمة مخطط لها، تهدف إلى إخفاء حالات التلاعب وتزوير الأصوات وخداع الشعب العراقي وتغيير إرادته واختياره».
من جانبه، جدد إياد علاوي رئيس ائتلاف الوطنية الانتخابي ونائب رئيس الجمهورية دعوته الأطراف السياسية العراقية لتشكيل حكومة تصريف أعمال تعمل على إجراء انتخابات تشريعية جديدة بعيدة عن التزوير.
اما الموقف الأبرز فجاء من الزعيم الشيعي مقتدى الصدر اذ حذر في رسالة الى العراقيين من خطورة الوضع ومن «بداية حرب اهلية»، مؤكدا أن المناصب اهون لديه من «عفطة عنز».
وحل تحالف سائرون الذي شكله الصدر، ويضم تياره مع الحزب الشيوعي والمجتمع المدني في المرتبة الاولى في الانتخابات الاخيرة بأغلبية 54 مقعداً.
ودعا الصدر العراقيين إلى التوحد بدلاً من حرق صناديق الاقتراع أو السعي لإعادة الانتخابات التي فازت فيها كتلته. وكتب في مقال نشره مكتبه على موقعه على الإنترنت: “كفاكم صراعاً من أجل المقاعد والمناصب والمكاسب والنفوذ والسلطة والحكم.. أما آن الأوان لأن نقف صفاً من أجل البناء والإعمار بدل أن نحرق صناديق الاقتراع أو نعيد الانتخابات من مقعد أو اثنين؟».
وأضاف: «أما آن الأوان لإيقاف الاحتلال والنفوذ الخارجي وايقاف الإرهاب والصراعات والاغتيالات، ولأن يجمعنا العراق بشرف وعفة وأخوّة وسلام؟!.. أما آن الأوان لأن ننزع السلاح ونسلمه بيد الدولة بدل أن نخزنه في المساجد والحسينيات فينفجر ويحصد أرواح الأبرياء؟!».
متسائلاً: «الى متى يبقى العراق في قعر الخوف ونقص الأموال والأنفس، ويبقى البعض خاضعاً ذليلاً أمام إرادة الأجنبي ومن هم خلف الحدود؟».
وختم الصدر رسالته بالقول ان امنيته هي ان يرى العراق سالما لا أن يكون كما أراده بائعو ثلثي العراق بداية لحرب أهلية لن يكون طرفاً بها. واضاف: فقد قلتها.. خذوا المناصب والمكاسب وخلو لي الوطن.. لن أبيع الوطن من أجل المقاعد ولن أبيع الشعب من أجل السلطة فالعراق يهمني وأما المناصب فهي عندي أهون من عفطة عنز».
من جهته، اعتبر نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، أمس، أن تشكيل الحكومة من دون معالجة التلاعب في الانتخابات «أمر مرفوض». وأكد المالكي على «ضرورة إجراء إصلاحي للعملية التي اقترنت بالتزوير والتلاعب بالنتائج بحيث يكون منسجما مع القانون ويرضي جميع الأطراف».