شددت خطبة العيد في المسجد الكبيرعلى أهمية الأمن والاستقرار، محذرة من أن «الظرف دقيق والشأن بالغ الخطورة من تقلبات اقليمية، واستثناءات سياسية، وفتن تلوح في الافق ما بين مبتدع يخطط ويؤمل، وناعق يسمع ويحرض، ومجرم يتربص ويتحين».
ونبهت الخطبة التي ألقاها في المسجد الكبير وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فريد عمادي على أن «لا مجال في تلك الظروف الا للوعي الوطني الذي يبصر مقتضيات الواقع، فيتعامل معها بروح وطنية واعية ومتسامحة، بعيدا عن الانتماءات الضيقة، والقناعات الحسيرة، والآراء المقصية للآخر».
وأشارت إلى أن «الوحدة الوطنية والتعايش السلمي نعم تستدعي الحمد وتستوجب الشكر ليس على المواطن فحسب بل على كل من عاش على ارض الكويت»، مبينة أن «شعب الكويت يعيش بالوسطية ويقدم نموذجاً فريداً للعطاء الانساني والخيري، وأن الكويت مضرب للامثال في الحنو على اللاجئين والشفقة على المحتاجين ووجهة للمؤتمرات الاغاثية في العالم».
واضافت: «لا يشعر بنعمة الامن والاستقرار الا كل من اكتوى بنار الخوف والرعب والفرار واصطلى بلهيب التشريد، ومن لا يقدر الامن والاستقرار فليسأل الغريب عن وطنه والمشرد عن اهله واللاجئ عند الاخرين كيف ذاق الذل والعوز والحاجة في بعده».
وحذرت الخطبة من أنه «ما من بلد اختلفت فيه الكلمة وانحل فيه عقد الطاعة وسقطت منه هيبة الحكم إلا وتمزق شمله»، مشددة على أن «الامن الوطني لا يمكن ان يتحقق الا بوجود أمن فكري يعمل على حماية الاجيال الناشئة وشباب الامة من براثن التطرف».
ودعت الخطبة إلى الاهتمام بالشباب وإيلائهم العناية اللازمة «لئلا يتركوا فريسة للافكار الهتاكة والخلايا الارهابية الفتاكة»، منبهة إلى ضرورة تحذيرهم «من الشرور الخطرة لوسائل التواصل الاجتماعي واثارها المدمرة اذا أسيء استعمالها».
ودعا عمادي في الخطبة بالرحمة «لفقيد المسجد الكبير الراحل، خطيب المنبر الجليل ومفوه المقام الاصيل الشيخ الدكتور وليد العلي» الذي استشهد في رحلة عمل خيرية الصيف الماضي.
وفي ما يلي نص الخطبة:
الحمد لله الذي منّ علينا باتمام شهر الصيام وقيامه، وجعل لنا عيد الفطر مسكا لختام ايامه، نحمده سبحانه حمدا كثيرا ونشكره شكرا جزيلا على مزيد فضله وانعامه، ونشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي تفضل علينا ببلوغ شهر الرحمة وانعم علينا بادراك ختامه، ونشهد ان سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، إمام رسله وسيد انامه، صلى الله عليه وعلى آله واصحابه واتباعه وسلم تسليما كثيرا الى يوم لقائه في دار كرامته واكرامه.
الله اكبر الله اكبر، الله اكبر، لا إله إلا الله، الله اكبر، الله اكبر، ولله الحمد.
أما بعد:
فيا معاشر السادة الكرام:
هنيئا لنا عيدنا هذا الذي نشهد، وفرحتنا التي نعيشها اليوم في كل لحظة ومشهد، هنيئا لنا اتمام الصيام، وقراءة القرآن وحسن القيام، واعمار المساجد واكرام كل راكع فيها وساجد، وزيادة الطاعات وتنوع القربات، واطعام الفقراء واعانة الضعفاء، فاليوم هو يوم فطرنا وشكرنا، كما كان امس يوما لصيامنا وصبرنا، وانه لمن محاسن دين الاسلام: هذا العيد الذي تتم فيه الفرحة والسرور للانام، ويتلاقى المسلمون فيه بالبشر والتهنئة والسلام، ويكبرون الله تعالى على ما اولاهم من الفضل وما اسبغ من الانعام، هذا يوم الجائزة التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: «للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه» (أخرجه البخاري ومسلم).
الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، لا إله إلا الله، الله اكبر، الله اكبر، ولله الحمد.
لقد غرس العيد بفرحته وبهجته في قلوب المؤمنين مبادئ اصيلة، وغذى فيها اخلاقا نبيلة، وعزز قيما رفيعه، واقام حصونا من الالفة والمودة منيعة، قال تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) (يونس: 58) وحسبنا ان نقف في هذه البهجة السعيدة مع درسين عظيمين، وقيمتين كبيرتين:
فأول هذين الدرسين والقيمتين: شكر الله تعالى على نعمة الوطن الذي نستظل بدفئه، ونعيش اجواءه، ونتنفس هواءه ونتضلع فيه الرسوخ، والسكينة، والاستقرار والطمأنينة، وطن ضاربة جذور مجده في ارض التاريخ وبالغة عنان السماء، وباسقة غراس خيره في آفاق الدنيا بالبذل والعطاء، وتسامحه في كل ساح وميدان، تاج فخار وعز وامان، فيه اقوات ونعم وأرزاق، واستقرار ووحدة بفضل الله الواهب الخلاق، وامن وايمان، وطمأنينة وامان، (فليعبدوا رب هذا البيت * الذي اطعمهم من جوع وءامنهم من خوف) (قريش: 3 – 4).
يحيا اهله في السراء والضراء بروح الالفة والاخوة الاسلامية، والوحدة الوطنية والتعايش السلمي، والتسامح التاريخي، وتلك منة تستدعي الحمد، ونعمة تستوجب الشكر، ليس على المواطن فحسب بل على كل من عاش على ارض الكويت، او ملأ صدره من هوائها ونسماتها، واخذ بحظه من افضالها وخيراتها، ان يتغلغل حبها في القلب صدقا وايمانا، ويسكن في النفس رسوخا وامتنانا، وتترجمه الجوارح والطاقات سلوكا وعملا، وتتلهف له النفوس رجاء واملا، خاصة وان الظرف دقيق… والشأن بالغ الخطورة … من تقلبات اقليمية، واستثناءات سياسية، وفتن تلوح في الافق ما بين مبتدع يخطط ويؤمل، وناعق يسمع ويحرض، ومجرم يتربص ويتحين، ولا مجال في تلك الظروف الا للوعي الوطني الذي يبصر مقتضيات الواقع فيتعامل معها بروح وطنية واعية ومتسامحة، بعيدا عن الانتماءات الضيقة، والقناعات الحسيرة، والآراء المقصية للآخر، قال الله تعالى: (كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور) (سبأ: 15).
الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، لا إله إلا الله، الله اكبر، الله اكبر، ولله الحمد.
معاشر المؤمنين الكرام:
لقد امتن الله تعالى علينا بوطن يعطر جنباته القرآن، ويتضلع اهله بحب الاسلام وحلاوة الايمان، وبتعظيمه والاعتناء به دعوة ونشرا، وتعليما وتدريسا، وحفظا وتحفيظا، ويعيش شعبه بالوسطية التي شملت حياته منذ النشأة، ويتمثل القيم الانسانية الفاضلة، ويقدم نموذجا فريدا للعطاء الانساني والخيري، ومضربا للامثال في الحنو على اللاجئين، والشفقة على المحتاجين، حتى صار مضربا للامثال ووجهة للمؤتمرات الاغاثية في العالم، فكم اطعم هذا الوطن من جائع؟ وكم اغاث من مكلوم ولاجئ! وكم كسا من عار فقير! وجبر من قلب كسير! وكم نفس من كرب! وهون من خطب! وكم فرج من عسر، ويسر من أمر، وعلى ذلك بفضل الله ثم بدعم ورعاية، وتوجيه وعناية، من سمو قائد الانسانية في العالم.
وهذا من فضل الله وارادته الخير لنا، اذ منحنا قلوبا رحيمة بالمكلومين والمنكوبين، وايادي سخية للمحرومين، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء) (اخرجه احمد وابو داود والترمذي).
فابشروا يا اهل الخير واملوا، فقد قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم: «ان اهل المعروف في الدنيا اهل المعروف في الآخرة، وان اهل المنكر في الدنيا اهل المنكر في الآخرة) (أخرجه الطبراني وصححه الالباني).
اقول ما سمعتم من الوعظ والذكر الحكيم، واستغفر لي ولكم الله ربكم الغفور الحليم، فاستغفروه وتوبوا اليه انه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله حمداً كثيرا، وسبحان الله بكرة واصيلا، واشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وكفى به وكيلا، واشهد ان محمد عبده ورسوله اكرم به هاديا وانعم به خليلا.
أما بعد:
معاشر الاحبة الكرام:
وثاني ذينك الدرسين اللذين نستلهمهما من فرحة العيد: هو شكر الله تعالى على نعمة الامن والرسوخ، والاستقرار، ومنّة الدعة والطمأنينة في الديار، فقد جعلنا الله تعالى بلدا آمنا مطمئنا، يأتيه الخير من كل مكان، ارخى علينا رداء الامن، وفتح لنا ابواب الرزق، واسبغ علينا فضله وكرمه، واتم علينا افضاله ونعمه، وكسانا بوافر السكينة والطمأنينة التي تسعد بها النفوس، ويشمل فضلها كل رئيس ومرؤوس، وترفرف بأجوائها اعلام السعادة، وتطمئن بها القلوب لاداء الواجبات والقيام بالعبادة، من غير خوف هضم ولا حرمان، ولا هلع من ظلم وطغيان، ولنتذكر ابراهيم الخليل – عليه السلام – يوم ان دعا ربه ليهيئ بمكة اسباب السعادة، كيف قدم الامن على الرزق، فقال تعالى: (رب اجعل هذا بلدا ءامنا وارزق اهله، من الثمرات من ءامن منهم بالله واليوم الآخر).
الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، لا إله الا الله، الله اكبر، الله اكبر، ولله الحمد.
عباد الله:
انه لا يشعر بنعمة الامن والاستقرار، الا كل من اكتوى بنار الخوف والرعب والفرار، واصطلى بلهيب التشريد والغربة، وعايش الاسى واللوعة والكربة، ومن لا يقدر تلك النعمة قدرها فليسأل القرى المنكوبة من حوله، وليسأل الغريب عن وطنه، والمشرد عن اهله، بل وليسأل اللاجئ عند الاخرين كيف ذاق الذل والعوز والحاجة في بعده، بعد ان كان عزيزا كريما في بلده، وليشاهد – بعين الشكر والبصيرة – ما تنقله وسائل الاعلام نقلا حيا مباشرا – فو الله – ما من بلد ضاع فيه الامن والاستقرار واختلفت فيه الكلمة، وانحل فيه عقد الطاعة، وسقطت منه هيبة الحكم، الا وتمزق شمله، وتقاتل اهله، وضاع امنه وامانه، وسلب دينه وايمانه، والتاريخ يشهد بل والواقع أيضا ان الامن اذا اختل عظم فقده، وعسر رده.
وان الامن الوطني لا يمكن ان يتحقق الا بوجود امن فكري يعمل على حماية الاجيال الناشئة وشباب الامة من براثن التطرف، وسهام الغلو واساءة التصرف، واعلاء ثقافة الولاء للوطن، وغرس الملكات العلمية والمعرفية، وتجسيد حضارية الاسلام التي توازن بين الحفاظ على الثوابت الشرعية والوطنية، وبين مكتسبات العصر ومتطلباته الضرورية، وهنا يأتي دور البيت والاسرة والمسجد والمدرسة ووسائل الاعلام والمؤسسات الرسمية والشعبية حتى يسلم العباد وتأمن البلاد.
معاشر السادة الكرام:
ولا يخفى ما للشباب من دور فعال واثر بناء في الماضي والحاضر والمستقبل، فهم عماد الامم، وحماة الذمم، وحملة القيم، وثروة الاوطان الاغلى، وسلاحها الامضى، اذ لم تزدهر حضارة، ولم ترتق امة، ولم يصنع مجد، ولم يحقق نصر – بعد فضل الله – الا بجهد الشباب وتضحياتهم.
فعلينا ان نولي هذه الفئة المهمة والمستهدفة جل عنايتنا ومزيد رعايتنا، لئلا يتركوا فريسة للافكار الهتاكة، والخلايا الارهابية الفتاكة، فالشباب امانة في الدنيا، ومسؤولية امام الله يوم القيامة، وعلى قدر الاهمية تكون المسؤولية.
كما ان لوسائل التواصل الاجتماعي، والقنوات الفضائية والشبكات العنكبوتية: أثرا عظيما، وخطرا جسيما، في توجيه الافكار وتكوين القناعات، لذا كان لزاما العناية بشأنها واغتنام اثرها في توجيه الشباب في دينهم ودنياهم وحماية عقولهم وابدانهم، والارتقاء بمجتمعاتهم واوطانهم، وكذلك في تحذيرهم من شرورها الخطرة واثارها المدمرة، اذا اسيء استعمالها او اخطئ في التعامل معها، فوسائل الاعلام لها رسالة وعليها امانة، فهي اما ان تبني وتعمر، او تهدم وتدمر، فليراع كل امرئ مسؤوليته وامانته.
فاللهم اجعل هذا البلد امنا مطمئنا اولا واخرا، واسبغ عليه نعمك الباطنة والظاهرة، وادفع عنه برحمتك يا ارحم الراحمين كل الفتن المدلهمة والمحن القاهرة، الله احفظ اميرنا ووالدنا وانت خير الحافظين ووفّقه، واعنه يا معين بفضلك على مصالح الدنيا والدين، الله بارك له في ولي عهده الامين، وآزره اللهم برئيس مجلس الامة ذي الرأي الرزين، ورئيس حكومته القوي المكين، وألبسهم جميعا ثوب العافية والايمان، والصحة والامان، واممن عليهم بوافر المنن، وهبهم طول عمر يصحبه قوة بدن ويقارنه عمل حسن، اللهم وأيد جميع الوزراء بالامر الرشيد، وسدد اخوانهم النواب بالقول السديد، اللهم جنب شعبنا اسباب التفرق والشقاق، وحبب اليهم مكارم العادات وفضائل الاخلاق.
اللهم ارحم فقيد المسجد الكبير الراحل، خطيب هذا المنبر الجليل ومفوه هذا المقام الاصيل الشيخ الدكتور وليد العلي واجعل منزلته في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
هذا عيد مبارك ان شاء الله تعالى على بلادنا وأميرنا وحكومتنا وشعبنا وعلى جميع المسلمين. وتقبل الله منا ومنكم اجمعين.
ولتصحبكم السلامة مغفورا لكم، وطبتم وطاب ممشاكم، ومن كل سوء سلمتم، وجعلكم الله العلي القدير مباركين أينما كنتم.