أكد سمو الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء اليوم الثلاثاء، أن هناك ثلاث قضايا من الممكن أن تلعب دورا واضحا في رسم المعالم الرئيسية للشراكة الاقتصادية الألمانية الكويتية.
وأوضح سموه في كلمته بالملتقى الاقتصادي العربي الألماني في دورته الـ 21 المنعقدة في برلين، أن أولى القضايا تتمثل بأن ما أكدته الكويت من مصداقية عالية في تعاملها مع ألمانيا طوال أكثر من نصف قرن يؤهلها لأن تطمح إلى دور أكبر في الاستراتيجية الألمانية لضمان وثبات التزود بالطاقة.
وأضاف سموه أن زيادة مساهمة الكويت في امدادات النفط لألمانيا تعتبر الطريقة الأسرع لتصحيح الانحراف الشديد في الميزان التجاري بين البلدين.
وأشار سموه في القضية الثانية إلى أن توجه الاستثمارات الألمانية إلى الكويت «مازال شديد التواضع طويل التردد»، مؤكدا أنه لا عذر الآن للشركات الألمانية في عدم الاستثمار بعد التحول الكبير الذي شهدته البيئة الاستثمارية في البلاد خاصة وأن (رؤية الكويت 2035) تقوم على خطط تنموية طموحة.
وذكر سموه في القضية الثالثة أن الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة في الكويت، يجب أن يلعب دور الجسر ذي الاتجاهين في التعاون العلمي والتجاري بين البلدين خاصة بعد ان ثبت عالميا أن أنشطة التعليم والتدريب تعتبر مجالا استثماريا عالي المردود وطويل المدى للطرفين الشريكين على حد سواء.
وفيما يلي نص كلمة سموه:
«معالي السيد بيتر ألتماير وزير الشؤون الاقتصادية والطاقة في جمهورية ألمانيا الاتحادية
سعادة الدكتور مصطفى أديب عميد السلك الدبلوماسي العربي في برلين
معالي الدكتور بيتر رامزاور رئيس غرفة التجارة العربية الألمانية
سعادة الأخ علي محمد ثنيان الغانم رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت
حضورنا الكريم
أشعر أن أول ما يفرضه الواجب هو أن أتوجه بالشكر والتقدير إلى الجهات الخمس المشاركة في تنظيم الملتقى الاقتصادي العربي الألماني معربا عن سعادتي بأن ألبي دعوتها لمخاطبة هذه النخبة في ملتقى احتل منذ مولده قبل واحد وعشرين عاما موقعا لافتا على خارطة المنتديات الاقتصادية العربية الدولية لما اتسم به من مستوى رفيع ومصداقية عالية.
ويشرفني أن أنقل إلى هذه الجهات وإليكم جميعا تحيات حضرة صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه مستذكرا الكلمة التي ألقاها سموه أثناء زيارته الرسمية لجمهورية ألمانيا الاتحادية في أبريل 2010 حيث أكد أن حرص دولة الكويت على تطوير تعاونها الاقتصادي الدولي لا يعدله إلا حرصها على أن يساعد هذا التعاون في ترسيخ قيم السلام والعدل والعطاء الإنساني.
وإني إذ أعرب عن اعتزازي بأن تكون دولة الكويت هي الشريك الرئيسي في ملتقى اليوم لأتطلع باطمئنان الواثق في نجاحه في تحقيق غايته ذلك أن المحاور الرئيسية التي تتناولها جلسات الملتقى تفصح عن تفهم عميق لمجالات التعاون الاقتصادي العربي الألماني كما تعكس نظرة سديدة شاملة للدور الذي يمكن أن يلعبه أحد أقوى الاقتصادات العالمية في تحقيق التنمية المستدامة للمنطقة العربية ولعل تركيز هذه المحاور على أهمية المزاوجة بين الاستثمار المباشر ونقل التكنولوجيا وتناولها لآليات وشروط التحول إلى الاقتصاد المعرفي ما يكرس مرة أخرى جدية هذا الملتقى وأطروحاته.
أصحاب السعادة
السيدات والسادة
منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي كان للكويت دور الريادة العربية في التوجه الاستثماري نحو الشركات الألمانية وما زال هذا التوجه ناشطا وناجحا على مستوى القطاعين العام والخاص ليتجاوز حجم الاستثمارات الكويتية في ألمانيا اليوم ثلاثين مليار يورو موزعة بصورة رئيسية على قطاعات الصناعة والعقار والمصارف.
وعلى المحور التجاري تتمتع المنتجات والتقنيات الألمانية ومؤسساتها بأعلى مستويات الثقة في السوق الكويتية حيث بلغت قيمة الصادرات الألمانية إلى الكويت عام 2017 أكثر من مليار وثلاثمائة مليون يورو مقابل رقم لا يكاد يذكر لحجم الصادرات الكويتية إلى ألمانيا والذي يعتمد أساسا على الصادرات النفطية.
ومن جهة أخرى ورغم كثرة الصناعات الضخمة والشركات الكبرى في ألمانيا فإن الاقتصاد الألماني يقوم فعلا على المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يعمل فيها قرابة 70 في المئة من قوة العمل الوطنية كما أن التقنيات والمهارات الألمانية في مجالات التعليم والتدريب المهني والرعاية الصحية وتكنولوجيا الطاقة والاقتصاد المعرفي تجعل قوة الاقتصاد الألماني لا تعتمد فقط على مقياس الناتج المحلي الاجمالي بل تزداد رسوخا وتأثيرا بتوازن هذا الاقتصاد وتنوعه وتكامل بنيته وبمردود انفاقه السخي على الأبحاث والتطوير ما أهله ليكون قاطرة الاقتصاد الأوروبي بلا منافس.
وهذه الحقائق مجتمعة تدعونا إلى طرح القضايا الثلاث التالية التي نعتقد أنها ستلعب دورا واضحا في رسم المعالم الرئيسية للشراكة الاقتصادية الألمانية الكويتية:
أولا – إن ما أكدته الكويت من مصداقية عالية في تعاملها مع ألمانيا طوال أكثر من نصف قرن يؤهلها لأن تطمح إلى دور أكبر في الاستراتيجية الألمانية لضمان وثبات التزود بالطاقة خاصة وأن زيادة مساهمة الكويت في امدادات النفط لألمانيا تعتبر الطريقة الأسرع لتصحيح الانحراف الشديد في الميزان التجاري بين البلدين.
ثانيا – من الواضح أن توجه الاستثمارات الألمانية إلى الكويت مازال شديد التواضع طويل التردد وإذا كنا سابقا نجد للشركات الألمانية بعض العذر في ذلك ـ فإن من الصعب علينا أن نلتمس لها مثل هذا العذر بعد التحول الكبير الذي شهدته البيئة الاستثمارية في الكويت بمنطلقاتها وتسهيلاتها وبمقوماتها وأطرها القانونية والاقتصادية والتنظيمية خاصة وأن (رؤية الكويت 2035) تقوم على خطط تنموية طموحة لتنفيذ مشاريع استثمارية كبيرة في كافة القطاعات الاقتصادية وفي طليعتها مجالات الكهرباء والماء والإنشاء وقضايا الصحة والتعليم والتدريب والبيئة ناهيك عن برامج الخصخصة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ثالثا – بدأ الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة في الكويت بتقديم خدماته التمويلية والتدريبية على أسس علمية مدروسة برأسمال يقارب 7 مليارات دولار وبتسهيلات ائتمانية تصل الى 80 في المئة من تكاليف المشروع وفي اعتقادنا أن هذا الصندوق يمكن بل يجب أن يلعب دور الجسر ذي الاتجاهين في التعاون العلمي والتجاري بين البلدين خاصة بعد ان ثبت عالميا أن أنشطة التعليم والتدريب تعتبر مجالا استثماريا عالي المردود وطويل المدى للطرفين الشريكين على حد سواء.
أصحاب السعادة
السيدات والسادة
من الصعب أن نتحدث عن الشراكة التنموية العربية الألمانية دون أن نؤكد على شروطها الأساسية السلام والعدل والحرية وهنا استميحكم عذرا في التوجه إلى هذا الحضور المتميز من مضيفينا لأصارحهم القول بأن هذه الشروط يتعذر تحقيقها بدرجة كافية في الشرق الأوسط ما دام المجتمع الدولي يتعامل مع قضايا هذه المنطقة بقدر مريب من التجاهل وما دامت الأمم المتحدة تخفق مرة بعد أخرى في توفير الحماية للشعوب المضطهدة وهنا أريد أن أتوجه بتحية تقدير وإعجاب إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية لسياساتها الحكيمة والمتميزة في هذا الصدد ولمواقفها الإنسانية الشجاعة تجاه مأساة المهاجرين فقرا ويأسا وتجاه فجيعة المهجرين ظلما وحربا.
إن قوة الدول في مثل هذه الظروف الإنسانية لا تقاس بما تتحكم به من سلاح بل تقاس بمقدار احتكامها إلى الضمير وقد اعتدنا نحن العرب أن نستلهم بإعجاب التجربة الألمانية الفذة في إعادة الإعمار وفي استعادة وحدة الشعب والأرض وها نحن اليوم نستلهم أيضا وبكل إكبار التجربة الألمانية الرائعة في الاستعاضة عن سطوة القوة بسلطة الضمير.
أتطلع بثقة إلى المستقبل وأجد في ملتقاكم ما يشجعني على ذلك.
تحية لكم وشكرا لإصغائكم».