يبدو أننا سنقول «وداعاً» قريباً للشاش والقطن الطبيين اللذين يُستخدمان تقليدياً منذ قرون كضمادات للجروح الجلدية. فما الذي سيحل محلهما ليقوم بدورهما؟
بفضل جهاز طبي تم ابتكاره حديثاً، سيصبح باستطاعة المسعفين وحتى الأشخاص العاديين أن «ينسجوا» ضمادات ذات خواص دوائية على الجرح مباشرةً.
وتعتمد فكرة الجهاز الجديد على تقنية النسج (الغزل) الكهروستاتيكي، وهي طريقة موثوقة أثبتت نجاعتها من خلال استخدام ألياف البوليمر في مجموعة واسعة من التطبيقات.
وقال الباحثون إنهم رأوا أنه من خلال استخدام مواد متوافقة بيولوجيا مع تلك الألياف، يمكن استخدام الألياف المنتجة للتطبيقات الطبية الحيوية. لكن المشكلة التي واجهتهم في البداية تمثلت في أنه بما أن ألياف البوليمر تكون مشحونة بتيار كهربائي عالي الجهد نسبيا، فإن نسجها بشكل مباشر على كائن حي ينطوي على خطورة إصابته بالصدمة.
لذلك، قام فريق من العلماء في جامعة مونتانا التكنولوجية الأميركية بابتكار جهاز نسج يعمل من خلال مجال كهربائي محصور في داخله ثم يطلق خيوط ألياف البوليمر العلاجية محمولة في تيار من الهواء لينفثها وينسجها كضمادات علاجية آمنة على الجروح مباشرة. وبهذا فإن تيار الهواء يعمل على تخليص ألياف البوليمر من شحنتها الكهربائية قبل أن تصل إلى الجرح.
واستعرضت مجلة «فاكيوم ساينس آند تكنولوجي» تفاصيل الجهاز الجديد الذي وصفه مخترعوه بأنه يعتمد على ضخ تيار من الهواء لرش ونسج شحنات الكتروستاتيكية قوامها خيوط ألياف بوليمر محملة بأدوية على الجروح الجلدية، وذلك بطريقة مشابهة لما يفعله جهاز رش الطلاء على الجدران والأسطح الأخرى.
وبفضل تلك الآلية، يمكن استخدام هذا الجهاز الجديد لتضميد الجروح بنسيج آمن عوضا عن الشاش الطبي التقليدي، مع ميزة كون ذلك النسيج يلتصق بالجلد تماما ويطلق الدواء المحمول فيه تدريجيا مع مرور الوقت إلى أن يبرأ الجرح ثم يتساقط النسيج تدريجياً.
ويأمل مبتكرو الجهاز الجديد أن يسهم في مساعدة الأطباء والمسعفين وغيرهم من العاملين في المجال الطبي في معالجة الجروح، وخصوصا في أماكن وظروف معينة كساحات الحروب والمناطق النائية التي لا تكون الرعاية الطبية العاجلة متاحة فيها بسهولة. كما أنه من الممكن تطوير أجهزة أصغر حجما بحيث يتسنى لأي شخص أن يحتفظ بها في منزله كإحدى مستلزمات الاسعافات الأولية.
ويشرح مخترعو الجهاز أن مزايا الجهاز أنه يساعد على نسج ضمادات يمكنها تغطية الجروح مهما كان سطحها معقداً، بالإضافة إلى قدرتها على بث المواد الدوائية في الجرح بشكل مستمر. ومن بين مزايا الجهاز الأخرى أنه يتيح لمستخدمه تحديد كثافة مادة الضمادة، ونوعيات وكميات الأدوية المستخدمة، فضلا عن كونه آمنا ولا ينطوي على تأثيرات جانبية ضارة.
وفي نسخته الحالية، يتميز الجهاز بأنه يمكن حمله ونقله بسهولة من مكان إلى آخر، بخلاف أجهزة النسج الكهروستاتيكي التقليدية التي تكون ضخمة أو لا يمكن حملها. وهذه الميزة تجعله مفيداً جدا، وبخاصة في الحالات التي تتطلب ضمادات عاجلة خارج المراكز الطبية، كالحالات الإسعافية العاجلة في حوادث الطرق وما شابه ذلك.