نشرت مجلة الجمعية الأميركية لأبحاث طب الأنف والأذن والحنجرة نتائج تجارب بحثية رائدة أسفرت عن إثبات أنه من الممكن فحص وقياس مدى قوة حاسة السَّمْع … عن طريق العينين.
فكيف ذلك؟
ابتكر باحثون طبيون في الولايات المتحدة طريقة غير مسبوقة لفحص السمع من خلال العينين، وهي الطريقة التي ستكون مفيدة جدا عند استخدامها لفحص المرضى الذين لا يستطيعون إبداء استجابة، كالأطفال الرضع والأشخاص المصابين بجلطة أو سكتة دماغية وذوي الإعاقات الذهنية.
ويعتمد الفحص الجديد على رصد وقياس التوسعات والتمددات التي تطرأ على حدقة العين بشكل غريزي وتلقائي لدى سماع الأصوات المختلفة.
ومنذ قرون، تعتمد جميع الطرق التقليدية لفحص السمع على إصدار موجات صوتية متفاوتة ومتصاعدة وفي تلك الأثناء يكون على المريض أن يعبر عما إذا كان يستطيع سماع تلك الأصوات بأن يرفع يده مثلا أو يضغط على زر معين في جهاز الفحص.
لكن أحد جوانب قصور تلك الطرق في أنه من غير الممكن استخدامها لفحص سمع الأشخاص الذين لا يستطيعون إبداء استجابة، كالمرضى المصابين بسكتة دماغية وذوي الإعاقات الذهنية والأطفال الرضع، وغيرهم.
وسعياً إلى التغلب على تلك المشكلة، قام فريق من الباحثين في معهد العلوم العصبية في جامعة أوريغون الأميركية بإجراء أبحاث علمية تحت قيادة الدكتور «أفيناش سينغ بالا» ونجحوا أخيراً في التوصل إلى طريقة غير مسبوقة لفحص سمع المريض من خلال مراقبة عينيه، وهي طريقة لا تحتاج إلى أن يعطي المريض أي استجابة مباشرة من جانبه.
كانت نقطة انطلاق أبحاث الدكتور «بالا» وزملائه من ملاحظة عملية أثبتتها أبحاث سابقة، وهي الملاحظة التي مفادها أن حدقة عين طائر البوم تتمدد وتتوسع بدرجات متفاوتة لدى سماع الأصوات المختلفة، وهذا يشير إلى وجود ارتباط عصبي ذي دلالة بين حاسة السمع وحركة حدقة العين. وعلى هذا الأساس، انطلق الباحثون في دراستهم الرائدة من فرضية تقول إن ذلك الارتباط ذاته يمكن أن يكون موجوداً لدى البشر.
وفي سياق اختبار فرضيتهم، استخدم الباحثون تقنية خاصة لرصد حدقات عيون 31 من المتطوعين البالغين الذين ليس لديهم أي مشاكل في حاسة السمع.
تقنية الرصد تمثلت في استخدام كاميرا فيديو خاصة تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وتم من خلالها مراقبة التغيرات التي تطرأ على حجم وشكل حدقة العين بالتزامن مع اختبار لمستوى السمع. وكان على كل واحد من المتطوعين أن يضغط على زر لدى سماع أصوات متتابعة على ترددات 1 و 2 و 4 و 8 كيلوهرتز على التوالي.
وأثناء الفحص، كان على المتطوعين أيضاً أن ينظروا إلى شاشة كمبيوتر تظهر عليها نقطة ثم يعقب ظهورها نغمات صوتية بتأخير عشوائي، وذلك لضمان منع المتطوعين من التنبؤ مسبقاً بسماع الصوت.
ولضمان الارتباط بين حاستي السمع والبصر، كان على المتطوعين لدى ظهور النقطة تتحول إلى علامة استفهام على الشاشة أن يضغطوا على زر معين للتعبير عما إذا كانوا قد سمعوا النغمة الصوتية أم لا.
ومن خلال تلك التجارب، رصد الباحثون أنماط التوسعات والتمددات التي طرأت على حدقة العين الحجم لمدة ثانية واحدة على الأقل قبل الصوت وثانيتين بعده، مع استبعاد التغيرات التي يمكن أن تكون حصلت نتيجة للجهد الذهني المبذول للضغط على الأزرار عند الطلب.
وبعد تحليل نتائج تلك التجارب، لوحظ أن هناك تزامناً وارتباطاً سببياً مباشراً وسريعاً جداً بين ما تلتقطه حاسة السمع من ناحية وحركات وتوسعات حدقة العين من ناحية ثانية. وبشكل محدد، لوحظ أن حدقة العين بدأت تتسع بعد 0.25 من الثانية بعد سماع الصوت، كما أن التوسع متناسب مع مستوى نبرة الصوت.
وتكمن أهمية تلك النتائج في أنها تدل بوضوح وبشكل قاطع على أنه من الممكن عملياً فحص واختبار حاسة السمع من خلال حدقة العين بالدقة ذاتها التي تمنحها الطرق التقليدية الحالية التي تعتمد على القياسات الصوتية وعلى الاستجابات من جانب المرضى.