ارتفع عجز الموازنة العامة للدولة 200 في المئة خلال 11 شهراً من السنة المالية (2020/2019)، ليبلغ 1.825 مليار دينار بعد خصم حصة احتياطي الأجيال القادم بنهاية فبراير الماضي، مقارنة مع فائض بلغ 1.793 مليار عن الفترة ذاتها من السنة المالية الماضية.
ويتعين الإشارة إلى أن العجز المسجل عن هذا الفترة بدون احتساب تداعيات كورونا، على الاقتصاد وكلفة مواجهته، كما لا يشمل أيضاً تدهور سعر النفط في الايام الأخيرة الذي أفقد البرميل الكويتي نحو 15 دولاراً من سعره في تعاملات الاثنين.
وتراجع إجمالي الإيرادات على أساس سنوي بنحو 2.67 مليار دينار، إذ بلغت قيمة الإيرادات المحققة حتى نهاية فبراير الماضي 15.75 مليار دينار، مقارنة مع 18.43 مليار دينار في الـ11 شهراً المقابلة من السنة المالية (2019/2018)، إذ جاء التراجع مدفوعاً بانخفاض الإيرادات النفطية بنحو 2.84 مليار دينار لتبلغ 14.31 مليار، مقارنة مع 17.15 مليار بنهاية فبراير 2019.
وانخفضت المبالغ المحولة إلى احتياطي الأجيال القادمة خلال 11 شهراً من السنة المالية الحالية بنحو 268 مليون دينار، إذ بلغت قيمتها بنهاية فبراير الماضي 1.575 مليار دينار، مقارنة مع 1.84 مليار عن الفترة ذاتها من السنة المالية الماضية.
وبمقارنة الإيرادات، استناداً إلى الموازنة التقديرية، حصّلت الكويت 103.2 في المئة من إيراداتها النفطية بنهاية فبراير المنصرم، إذ بلغت قيمة المحصّل فعلياً من تلك الإيرادات 14.3 مليار دينار، مقارنة مع 13.86 مليار دينار تم تقديرها في الموازنة العامة للدولة عن السنة المالية الحالية كاملة، فيما حصّلت الدولة 74.2 في المئة من جملة الإيرادات غير النفطية بواقع 1.446 مليار دينار، من أصل 1.948 مليار تم تقديرها للسنة المالية.
كما حصّلت الدولة 81.4 في المئة من إيرادات الضرائب والرسوم بـ468.84 مليون دينار مقارنة مع 575.89 مليون مقدرة عن العام كاملاً، وتم تحصيل نحو 82.1 في المئة من إيرادات المساهمات الاجتماعية بـ88.73 مليون دينار، مقارنة مع 108 ملايين مقدّرة في الموازنة للعام بأكمله.
وحصّلت الحكومة 70.3 في المئة من الإيرادات الأخرى بواقع 876.93 مليون دينار مقارنة مع إيرادات مقدّرة عند 1.247 مليار، كما حصّلت نحو 67.5 في المئة من إيرادات التخلص من الأصول والإيرادات غير التشغيلية الأخرى بواقع 11.54 مليون دينار مقارنة مع 17.11 مليون مقدرة في الموازنة عن العام كاملاً. وأظهرت البيانات أن الحكومة أنفقت 71.1 في المئة من إجمالي الاعتمادات المالية للسنة المالية الحالية خلال 11 شهراً، إذ صرفت 16 مليار دينار، مقارنة مع 22.5 مليار مقدرة في الموازنة العامة للدولة.
دائرة مُغلقة
وتعليقاً على تلك العجوزات، حذّرت مصادر اقتصادية من دخول الكويت في دائرة مغلقة من المخاطر المالية والاقتصادية، مع استمرار أزمة فيروس كورونا، بالتزامن مع تراجع أسعار النفط، والارتفاع المتوقع في العجز التي ستحققه الموازنة العامة للدولة للسنة المالية المقبلة مقارنة بالتقديرات الحكومية، إذ ستصبح جميع خيارات الحكومة لتمويل عجز الموازنة المرشّح لمزيد من الارتفاع محفوفة بمخاطر مزدوجة.
ونوهت إلى أنه مع التقلص الكبير في صندوق الاحتياطي العام واحتمال نفاده قريباً، في ظل عدم إقرار قانون جديد للدين العام، فإن تسييل أصول في ظل الأوضاع الحالية سيكون بأسعار متدنية، إضافة إلى تراجع مؤكد للعوائد على الاستثمارات الحكومية، مشيرة إلى أن المخاطر لا تتوقف عند ذلك الحد، في ظل احتمال حدوث تدنٍّ حاد في الإيرادات النفطية التي قد لا تغطي حجم الرواتب في الموازنة العامة للدولة، إذا استمرت حرب تكسير العظام في سوق النفط، ما يلقي الضوء مجدداً على تأخر الحكومة في ملف الإصلاح المالي والاقتصادي.
وذكرت المصادر أن التطورات الأخيرة على المستوى العالمي جاءت مفاجئة وغير متوقعة، وبعضها خارج سياسات التحوط، الأمر الذي يغلّ من قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات جديدة لتمويل الميزانية من دون تحقيق خسائر، خصوصاً وأن التعامل مع الوضع الراهن بشقيه الصحي والنفطي يخضع لمحددات لا تسيطر عليها الكويت، لكنها تتأثر بها كثيراً.
ولفتت إلى أن المخاطر التي تحيط بالكويت تتمثل في 3 عوامل رئيسية، الأول تراجع أسعار النفط، والثاني انخفاض عوائد الاستثمارات، أما الثالث فهبوط قيمة الأصول المستثمر بها حول العالم، وكلها عوامل تحققت أو قيد التحقق حالياً، موضحا أن الكويت كانت لديها القدرة على مواجهة الوضع سابقاً، إذ إن تلك المخاطر لم تكن تأتي متزامنة أو تحت ضغوط متزايدة في شأن الموازنة، ما أتاح للدولة الفرصة لاقتناص فرص استثمارية وتحقيق عوائد مجزية من خلالها.
وتابعت المصادر «هذه المرة الوضع مختلف، والمتغيرات تقود نحو المجهول يوماً بعد الآخر، خصوصاً وأن عجز الموازنة يحتاج إلى تمويل، ولا خيارات لدى الحكومة سوى التمويل من الاحتياطيات التي يعاني فيها الاحتياطي العام بالفعل من تقلص حجمه إلى أقل من 20 مليار دينار، مع إمكانية نفاد سيولته قريباً، مع غياب قانون للاقتراض الحكومي، ناهيك عن أن استثمارات صندوق احتياطي الأجيال التي تتوزع على 120 اقتصاداً حول العالم تنكشف على اقتصادات متعددة كثير منها تأثر بالوضع الراهن، ما يعني أن استثماراتنا تأثرت بالفعل، ولدينا خسائر غير محققة، ولكن لن يظهر ذلك إلا إذا سُيّلت».
وأشارت المصادر إلى أن تأثر الأسواق العالمية كافة ظهرت مؤشراته بصورة مخيفة خلال الأيام الماضية، الأمر الذي قد يقود نحو أزمة قد تكون أعمق من 2008، منوهاً إلى أن الكويت في 2008 كانت تحقق فوائض لكن أثر الأزمة انعكس على اقتصاد الدولة ككل، فما بالك الآن في ظل موازنة عاجزة؟
وأفادت المصادر بأن قانون الاقتراض المعطل منذ ما يزيد على عامين، بات ضرورة والخيار الأفضل في الوقت الراهن، نظراً لتدني معدلات الفائدة مقارنة بالبدائل الأخرى التي تحيق بها مخاطر، متوقعاً أن تبدأ الأمور في العودة إلى طبيعتها بعد نحو عامين من الآن.
إعادة نظر
أوضحت المصادر أنه لا بد من إعادة النظر في الاستثمارات الحكومية، إذ إن أهم عاملين للتقييم لدى الدول، هما معدلات النمو الاقتصادي وإستراتيجيات التخارج من السوق، قد لا يحققان الهدف الاستثماري في ظل المعطيات الحالية، ما يتطلب سياسة تحوط أكثر شمولية تتعاطى مع احتمالية حدوث أزمات غير تقليدية مثل ما نمر به حالياً، مؤكدة أنه لم يكن في حسبان الكثيرين إمكانية التحوط من مخاطر فيروس كورونا على سبيل المثال.
حرب الحصص
تزيد… التحديات
تزداد التحديات التي تواجهها الموازنة العامة للدولة، مع اندلاع شرارة حرب الحصص السوقية في سوق النفط، لا سيما بعد أن تبعت الكويت السعودية في خفض أسعار بيع نفطها لشهر أبريل إلى آسيا بنحو 6 دولارات للبرميل عن أسعار مارس الجاري، ما ينذر بانخفاض كبير في الإيرادات النفطية، ويفاقم من قيمة عجز السنة المالية المقبلة، الذي قدّرته وزارة المالية بـ9.2 مليار دينار وفقاً لسعر تقديري للبرميل بالموازنة يبلغ 55 دولاراً.