ذكرت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني أنه وفقاً لبيانات عام 2019، كان هناك أكثر من 160 مصرفاً يعمل في منطقة الخليج تخدم نحو 58 مليون نسمة، مقارنة مع نحو 12 بنكاً في المملكة المتحدة تخدم 66 مليوناً، الأمر الذي يشير إلى فائض في عدد البنوك بالمنطقة، ويمثل عائقاً هيكيلياً للمصارف الخليجية.
وأوضحت الوكالة في تقرير لها بحسب البنك الدولي، يوجد في الكويت 22 بنكاً تخدم 4.21 مليون نسمة، ما يعني أن هناك 5.2 بنك تخدم كل مليون نسمة في البلاد، ومقارنة مع دول المنطقة، فإن الكويت تعتبر الثالثة خليجياً في تخمة عدد البنوك من حيث عدد السكان، بعد البحرين وقطر. وبحسب «موديز»، فإنه رغم تراجعها مقارنة بعددها في 2018، جاءت البنوك الكويتية في المرتبة الثانية خليجياً بـ2019 من حيث عدد الأفرع إلى كل 1000 شخص، وبنحو 0.10.ووفقاً لبيانات «موديز»، بلغت عوائد البنوك الكويتية على حقوق المساهمين أقل من 10 في المئة خلال العام الماضي، ما يضعها في المرتبة الخامسة خليجياً.
وأفاد التقرير بأن تراجع أسعار النفط وتأثير تداعيات فيروس كورونا يعملان على تحفيز حدوث موجة جديدة من عمليات الاندماج بين البنوك الخليجية، في الوقت الذي تكافح فيه مصارف المنطقة ضغوطات الإيرادات، لافتاً إلى أن الاندماجات بين المصارف الخليجية ستتسارع خلال فترة التباطؤ الاقتصادي.
وأشار إلى أن الاقتصادات الضعيفة والأنظمة المصرفية المجزّأة علاوة على المنافسة الشديدة، أدت إلى موجة من الاندماجات والاستحواذات بين البنوك الخليجية في السنوات الأخيرة، وهي الآن تواجه تعديلات أكبر في التكلفة، حيث تقيّد أسعار النفط المنخفضة وتداعيات «كورونا» فرص النمو ويضعفان ربحية البنوك بشدة.
وأوضح التقرير أن انخفاض أسعار النفط بات يمثل حجة دامغة نحو المزيد من عمليات الاندماج بين البنوك في المنطقة، مبيناً أن عملية الاندماج بين بيت التمويل الكويتي (بيتك) وبنك الأهلي المتحد التي تم تأجيلها إلى ديسمبر المقبل بسبب «كورونا»، ستكون ضمن الموجة الثانية من عمليات الاندماج، التي تأتي في أعقاب تداعيات الفيروس، وبعد تسجيل أسعار النفط تراجعاً دون مستوى 60 دولاراً للبرميل.
التباطؤ الاقتصادي
من ناحية أخرى، بيّن التقرير أن التباطؤ الاقتصادي الحالي يلقي بظلاله على منطقة الخليج بأكملها، متوقعاً أن تسجل جميع دول المنطقة انكماشات اقتصادية كبيرة، مع تفاقم الانخفاضات في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي من 3.5- إلى 6- في المئة خلال 2020، ومرجحاً أن يبلغ مستوى الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في الكويت أكثر من 3 في المئة خلال العام الحالي.
وتفترض توقعات «موديز» الحالية لأسعار النفط أن متوسط سعر خام برنت الفوري سيكون عند مستوى 35 دولاراً للبرميل في 2020 و45 دولاراً في 2021، أي أقل من متوسط 65 دولاراً خلال العام الماضي، منوهة إلى أنه رغم استئناف النشاط التجاري، فإن اقتصادات المنطقة لا تزال تتعافى من الآثار السلبية للاضطراب الاقتصادي الناجم عن فيروس كورونا.
الانكماش السكاني
في المقابل، رأى تقرير الوكالة أن الانكماش السكاني المتوقع في بعض البلدان مع مغادرة الوافدين، قد يؤدي إلى تفاقم الطاقة المفرطة للبنوك في المنطقة، مبيناً أن الآثار الأخرى الناجمة عن الانتكاسة الاقتصادية المستمرة في المنطقة تشمل أيضاً تخفيضات في الإنفاق الحكومي، وتقلبات بالسوق، علاوة على اهتزاز ثقة المستثمرين وضعف ثقة المستهلك.
وأشار إلى أن ذلك أدى إلى استجابة الحكومات بدعم نقدي ومالي واسع النطاق، لافتاً إلى أنه في حين أن الحزم الحكومية تشمل تدابير من بينها تأجيل الاقساط، ما من شأنه أن يخفف موقتاً الضغوط على المقترضين، إلا أن ذلك يؤجل اعتراف البنوك بجودة الائتمان الضعيفة.
وبينت أن ظروف السوق تنذر بإعادة تحديد المتطلبات الأساسية لبقاء البنوك قادرة على المنافسة، كما أنها ستزيد الخلفية الصعبة من فرص التوسع المحدودة في الميزانية العمومية لمصارف المنطقة، وتقلل بشدة من الأرباح، وتدعو إلى تعديلات كبيرة في التكلفة، من شأنها تعزيز الحوافز للبنوك لتوحيد قواها.
تحفيز متزايد
وذكر التقرير أن صفقات الاندماج بين بنوك المنطقة ستحظى بتحفيز متزايد ناتج عن اعتبارات مالية، موضحاً أن ملكية الحكومات والكيانات التابعة لها في البنوك شجعت أيضاً على الاندماجات، وأن الضغوط المتصاعدة من تراجع أسعار النفط والصدمات الوبائية ستؤدي بشكل متزايد إلى دفع الاندماجات، لاسيّما بين البنوك الأصغر التي يزاحمها المنافسون الأكبر.
وأشار إلى أن التحديات الناتجة عن تراجع أسعار النفط و«كورونا»، ستؤثر على ربحية البنوك عبر تباطؤ نمو الائتمان، علاوة على تسجيل المصارف لهوامش صافي فائدة أقل وتجنيبها مخصصات أعلى للقروض المعدومة، مبيناً أن صدمة الإيرادات ستحول انتباه إداراتن البنوك إلى ضبط التكلفة وبحث فرص الاندماج كمصادر رئيسية لزيادة صافي الأرباح.
من جانب آخر، أوضح التقرير أن نشاط عمليات الاندماج والاستحواذ سيبقى موضوعاً ذا بعد ائتماني متكرر خلال السنوات المقبلة، لافتاً إلى أن العهد الجديد لأسعار النفط المنخفضة منذ عام 2014 سيستمر في تحقيق نمو اقتصادي متباطئ وفرص أعمال قليلة للبنوك في المنطقة، وأن الصدمة الاقتصادية الحالية تؤكد على مدى استمرار اعتماد اقتصادات الخليج على العوائد النفطية.
وأفاد تقرير «موديز» بأنه رغم أجندة التنويع واسعة النطاق، لا تزال عملية التنويع محدودة، مشيراً إلى أن العديد من البنوك ستحتاج إلى زيادة حجمها في حال رغبت أن تلعب دوراً كاملاً في التحول الاقتصادي بالمنطقة.
الودائع الحكومية
وذكر أنه على مدى السنوات الخمس الماضية، ومع انخفاض عائدات الطاقة وارتفاع الديون، واجهت الحكومات الخليجية عجزاً أوسع في الميزانية، يمكن أن يخنق تدفقات الودائع الحكومية، منوهاً إلى أن ذلك سيؤثر على آفاق نمو الأصول لدى البنوك على المدى الطويل، وقد يكون تحقيق وفورات الحجم في ظل هذه الظروف حافزاً آخر لعمليات الاندماج.
من جانب آخر، أشارت الوكالة إلى أن كفاءة البيئة التشغيلية ستكون المحرك الرئيسي لربحية البنوك الخليجية في المستقبل، موضحة أنه بالنظر إلى المعيار الدولي المحاسبي للتقارير المالية رقم (9) الجديد، من المتوقع أن يسجل خسائر ائتمان للنظام المحاسبي للبنوك الذي يتطلب مخصصات استشرافية واسعة النطاق للقروض المتعثرة.
وأكدت الوكالة أن هذه العوامل ستؤثر بشكل كبير على ربحية البنوك الخليجية، في حين أن الودائع ستكلّف البنوك مزيداً من الفائدة، حيث يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى إبطاء تدفقات الودائع الحكومية إلى البنوك، مبينة أن الانكماش الحاد في النشاط التجاري في معظم قطاعات الاقتصاد غير النفطي يعني أن البنوك الخليجية ستضطر إلى حجز مخصصات أعلى مقابل القروض المتعثرة المتزايدة خلال الأرباع المقبلة.
20 في المئة تراجعاً متوقعاً بأرباح المصارف
بحسب تقديرات «موديز»، فإن الدخل الأساسي المنخفض والارتفاع في المخصصات سيؤديان إلى انخفاض متوسط أرباح العام بأكمله بأكثر من 20 في المئة للبنوك المصنفة من قبل الوكالة في المنطقة، علاوة على إضعاف معتدل لمستويات كفاءتها، لافتة إلى أنه رغم ذلك يعتبر وضع البنوك سليماً مقارنة بالمعايير العالمية.
في المقابل، أوضحت الوكالة أن العائد على رأس المال آخذ بالتراجع في الأنظمة المصرفية الخليجية.
بنوك الكويت الثالثة في التكلفة للدخل
في الوقت الذي أكدت فيه «موديز» أن الكفاءة التشغيلية ستكون من بين أهم الأولويات الإدارية بالنسبة لبنوك المنطقة، أظهرت تقديرات الوكالة أن نسبة التكلفة إلى الدخل لدى البنوك الكويتية بلغت أقل من 40 في المئة خلال العام الماضي، ما يجعلها في المرتبة الثالثة خليجياً بعد البنوك العمانية والبحرينية. وبدلاً من البحث عن الربحية العالية نسبياً، ذكرت الوكالة أن بنوك المنطقة ستركز أكثر على التكلفة، مع التطلع لتحقيق نمو معتدل بشكل مستمر، فيما رأت أن عمليات الاندماج ستتسبب بحدوث طفرة في الرقمنة وإغلاق فروع البنوك.
تعافي التشغيل سيستغرق وقتاً
توقعت «موديز» أن تعود اقتصادات الخليج نحو تحقيق النمو الإيجابي خلال 2021، لافتة إلى أن هذا الانتعاش سيعوّض بعض الأضرار الاقتصادية، لكن لا يُتوقع تعافي إجمالي الناتج المحلي غير النفطي إلى مستويات ما قبل فيروس كورونا بالأرقام المطلقة قبل عام 2022.
وأكدت أن بنوك المنطقة تواجه ضغوطاً اقتصادية أكثر حدة مما كانت عليه خلال هبوط أسعار النفط السابقة، مرجحة أن يستغرق تعافي ظروف التشغيل وقتاً أطول.