يعد اختلال التركيبة السكانية في الكويت، نتاجاً طبيعياً لاختلالات أخرى في الاقتصاد الوطني، مثل الاعتماد الكلي على النفط، وضعف النظام التعليمي، وعزوف المواطنين عن العمل في القطاع الخاص، مقابل أفضلية الرواتب في القطاع العام، في وقت يعتبر إصلاح سوق العمل مدخلاً رئيسياً لإصلاح التركيبة السكانية.
ويمثل الكويتيون أقلية في وطنهم نتيجة لاختلالات السياسات العامة، وانتشار الثقافة الاستهلاكية لدى المجتمع، نتيجة تدفق العائدات النفطية إلى تمويل نمط حياة وسلوك مرفه للمواطنين لم يعد اليوم مستداماً.
تلك النقاط، تشكل بعض الخلاصات التي خرجت بها ورقة «قبل فوات الآوان»، التي قدمها 29 أكاديمياً متخصصين في الاقتصاد والعلوم الإدارية من جامعة الكويت، ونشرها موقع (KuwaitImpakt.com) المتخصص في نشر الأوراق والدراسات المتعلقة بالسياسة العامة في الكويت.
خطاب الكراهية
وقال الدكتور شملان وليد البحر، أحد الموقعين على الورقة، إن الحديث عن خلل التركيبة السكانية بات أمراً مشروعاً، ويجب ألا يقترن بخطاب الكراهية، فهناك اختلال مثبت علمياً وبالأرقام، إلا أنه وبكل أسف، لا يمكن قول ذلك عن الحلول المطروحة.
وأضاف أن السلطتين التشريعية والتنفيذية تضعان التشريعات والنسب بعيداً عن البحث العلمي والدراسات، مبيناً أنه ولأن الاختلالات الاقتصادية متشابكة ومتداخلة في بعضها البعض فلا يمكن الحديث عن التركيبة السكانية قبل مناقشة سوء النظام التعليمي، الذي يضعف من تنافسية العمالة الوطنية، ما يدفع القطاع الخاص إلى توظيف العمالة الأجنبية برواتب وحقوق أقل.
وتابع البحر «يجب علينا اليوم كويتيين بأن نتحاور في ما بيننا بصراحة ومن دون مجاملة، للخروج بتصور حول شكل كويت المستقبل والمكونات المجتمعية فيها، من خلال وضع سياسة وطنية للهجرة والإقامة تدعم التنمية الاقتصادية وتراعي الهوية الاجتماعية والثقافية».
وذكر أنه يتم خلال السياسة تحديد الأعداد والتخصصات المسموح باستقدامها، بما ينسجم مع مستهدفات التنمية الاقتصادية، ووضع حد أقصى لمعدل نمو تعداد غير الكويتيين لا يتجاوز معدل النمو الطبيعي لتعداد الكويتيين.
العدالة الاجتماعية
أكد البحر أن العدالة الاجتماعية تشكّل ركيزة أساسية للإصلاح الاقتصادي، وأنه لا يمكن الحديث عنها من دون حل جذري ونهائي لقضية «البدون»، تُـغَـلَّب فيه الجوانب الإنسانية وأهمية تنمية رأس المال البشري، بما يحقق المستهدفات التنموية للاقتصاد الكويتي.
إصلاح الخلل
قدّمت الورقة جملة من الحلول الممكن تطبيقها لإصلاح خلل التركيبة السكانية، بداية بفرض ضريبة على أصحاب الأعمال مقابل توظيف العمالة الأجنبية، وتحميلهم تكاليف الرعاية الصحية لهم بدلاً من الدولة، وانتهاءً بإلغاء نظام الكفالة واستبدالها بهيئة عامة لتنفيذ سياسة الهجرة والإقامة وتنظيم استقدام العمالة الأجنبية وحقوقها وواجباتها.
وكشفت الورقة عن أرقام صادمة لأعداد المقيمين والوظائف التي يشغلونها، حيث احتلت العمالة المنزلية المركز الأول بـ747 ألفاً، أي بمعدل عامل منزلي لكل مواطنَين، إضافة إلى تركز العمالة بقطاعات استهلاكية كالخدمات والتنظيف والتجزئة.
ودعا الأكاديميون في الوقت ذاته إلى تغيير السلوك الاستهلاكي المتجذر في المجتمع، وإعلاء قيم الاكتفاء الذاتي، والاعتماد على النفس كأحد أهم الركائز لإصلاح التركيبة السكانية.
ولم يغفل الأكاديميون الـ29 المطالبة بإيجاد حل جذري ونهائي لقضية «البدون» كونها شريحة مهمشة في المجتمع محرومة من المساهمة الفاعلة في المجتمع، وتحمل تكلفة اقتصادية باهظة.