كشفت مصادر ذات صلة أن البنوك رصدت خلال الفترة الماضية ارتفاعاً ملموساً في متوسط أرصدة الحسابات الشخصية لديها، وبوتيرة غير مسبوقة تاريخياً، مبينة أن الصعود في ثروات الأفراد المحققة من استقرار سحوباتهم من حساباتهم الجارية وودائعهم نسبياً عن هذه الفترة شمل جميع المصارف، بما يخالف التقليد الذي كانت تتميز به هذه الحسابات في الأوقات المقابلة من كل عام، حيث كانت تشهد حسابات الأفراد، خصوصاً الجارية، سحوبات كبيرة.
وقدرت دراسة مصرفية حديثة أن حجم أرصدة الحسابات الشخصية في البنوك ارتفع أخيراً بمتوسط راتب شهرين عن السنة، مقابل راتب شهر كان يدخره المواطن عادة عن كل سنة قبل «كورونا».
وأوضحت المصادر أن معدلات «الكاش» المودعة في حسابات الأفراد أخذت خلال الفترة الماضية منحنى صعودياً، وهذا يشمل حسابات الودائع، وكذلك الجارية، مفسرة هذه الزيادة بتراجع مصروفات الأفراد والأسر عموماً بسبب تداعيات أزمة كورونا، والتي عطّلت الكثير من خطط الصرف الشحصية المعتادة في أكثر من مناسبة سنوياً.
الإنفاق السياحي
فمن نافل القول إن الكويتيين من أكثر الشعوب إنفاقاً على السفر والسياحة بالخارج، لكن وبسبب تداعيات كورونا سجل إنفاقهم بهذا القطاع هبوطاً حاداً بلغ نحو 93.14 في المئة في الربع الثاني مقارنة بالربع الأول من العام الجاري، ما يعني أن السيولة المصدرة إلى الخارج سنوياً سجلت انخفاضاً واسعاً، ومن ثم استقرت هذه السيولة أو غالبيتها في الحسابات الشخصية.
وبحسب آخر إحصائية فصلية لميزان المدفوعات، أصدرها بنك الكويت المركزي، بلغ إنفاق الكويتيين على السفر في الربع الثاني من العام الجاري، نحو 81.7 مليون دينار، مقارنة بـ1.19 مليار دينار صرفوها على السفر خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2020، حسب البيانات المعدّلة للربع الأول، فيما بلغ إجمالي الإنفاق على السفر خلال النصف الأول من العام الجاري نحو 1.27 مليار دينار متراجعاً بنحو 56.35 في المئة عن مستوى الإنفاق خلال الفترة نفسها من العام الماضي البالغ 2.916 مليار دينار.
ونتيجة لذلك، قابل التراجع الكبير في هذا الصرف، استقرار في سيولة الحسابات الجارية، خصوصاً أنه لم يتغير شيء يُذكر على إيرادات الشريحة الأكبر من الموظفين، لا سيما العاملين في القطاع الحكومي، بعد استقرار وظائفهم خلال الأزمة، كما أنه كان لفترة الحظر الجزئي والكلي، وعودة الحياة تدريجياً وعلى 5 مراحل، لم نصل فيها إلى المرحلة الأخيرة، دوراً بارزاً في تقليص الإنفاق الشخصي عموماً، ما أسهم أيضاً في تقليل الحاجة للسحوبات التقليدية.
متطلبات السيولة
ومصرفياً، يبرز السؤال حول أهمية ارتفاع أرصدة الحسابات الشخصية في البنوك، حيث توضح مصادر مسؤولة أن سيولة الحسابات الشخصية ساعدت جميع المصارف في تملك حيز مالي كبير، استفادت منه في إدارة متطلبات السيولة لديها، وفقاً للمتطلبات الرقابية بمقدرة أكبر، كما خفضت المبالغ المرتفعة من حاجتها للاستدانة التي كانت تضطر إليها في الأوقات المقابلة، سواءً لأغراض رقابية أو حتى استثمارية.
وأوضحت المصادر، أنه وفقاً لمعايير بازل (3) تصنف قيمة الحسابات الشخصية لجهة الأهمية المصرفية بضعف قيمة حسابات الشركات، وهذا يرجع لأكثر من سبب، ليس أقلها، أن العادة درجت على أن عملاء الحسابات الشخصية لا يختلفون كثيراً مع البنوك على أسعار فوائد ودائعهم في حال خفضت من الهامش قليلاً، بخلاف الشركات التي يمكن أن تسحب أرصدتها من بنك وتودعها في آخر إذا وجدت لديه سعر فائدة أعلى، حتى ولو بربع نقطة.
وتشكل الحسابات الجارية أهمية إضافية، خصوصاً لدى البنوك الفقيرة في حساباتها الجارية، وأفرع البنوك الخارجية، حيث تعاني هذه الجهات في ترتيب معايير السيولة لديها إذا لم يكن لديها قاعدة مناسبة من عملاء التجزئة، بخلاف المصارف الكبرى التي تسيطر على الحصة العظمى من الحسابات الشخصية ما يجعلها في موضع استفادة أكبر من تراكم السيولة في هذه الحسابات، خصوصاً في الوقت الحالي.
استفادة ثانية تحققها البنوك من استقرار سيولة الحسابات الجارية لديها تتمثل في أنها تستطيع امتصاص جزء منها في ترتيب سيولة استحقاقاتها القريبة في ما يتعلق بنسب السيولة، كما أن المعدل المرتفع من «الكاش»، سواءً في شكل حسابات جارية أو ودائع شخصية يقلل حاجة البنوك للاقتراض، وتحديداً للفترات قصيرة الأجل، والتي تتراوح عادة بين ليلة وأسبوع، مع الأخذ بالاعتبار أنه لا يمكن الاعتماد على هذه السيولة رقابياً في بناء مراكز استدانة طويلة الأجل، أو استثمارياً لجهة شراء أصول جدديدة تفادياً لمخاطر سحبها في أي وقت يطلبه العميل.
ومصرفياً، يظهر هذا الأثر في تعاملات سوق في ما بين البنوك أو ما يعرف بـ«الإنتربنك»، حيث يلحظ تراجع تعاملات هذه السوق خلال الفترة الماضية، وإذا كان لا يمكن اعتبار ارتفاع السيولة في الحسابات الشخصية السبب الوحيد، فإن هذه الأرصدة تشكل أحد الأسباب في هدوء «الانتربنك».
السحوبات الحكومية… توقّفت
أكدت المصادر أن جميع البنوك نجحت في الفترة الأخيرة بترتيب مراكز السيولة المطلوبة لديها كافة حتى نهاية العام 2020، وذلك وفقاً لمتطلبات المعايير الرقابية المقررة في هذا الخصوص، مبينة أن مستويات «الكاش» مستقرة مصرفياً، ولا توجد أي تحديات تواجه أي بنك.
وأفادت المصادر بأن السحوبات الحكومية من البنوك توقفت خلال الربع الرابع من 2020، بعد أن سجلت نشاطاً واسعاً في الفترات السابقة، موضحة أن هذه الحالة أسهمت بجانب ارتفاع أرصدة الحسابات الشخصية في رفع مستويات السيولة عموماً لدى المصارف، ما مكّنها من إعادة ترتيب نسب السيولة مبكراً.
ونوهت المصادر إلى أن الجهات الحكومية التي لديها سيولة من الدينار والدولار، وفي مقدمتها الهيئة العامة للاستثمار، أبدت تعاوناً كبيراً في توفير احتياجات البنوك من السيولة، منوهة إلى أنها أسهمت في توفير احتياجات المصارف من السيولة، لكن بأسعار السوق.