كشفت مصادر مطلعة أن بنك الكويت المركزي أبلغ البنوك بأنه سيمدّد الحزمة التحفيزية التي أطلقها بداية أبريل الماضي، وتتضمن خفض متطلبات معايير السيولة بما يقارب 77 في المئة 6 أشهر إضافية، لتنتهي المدة الجديدة في نهاية يونيو المقبل، بدلاً من ديسمبر الجاري، كما كان مقرراً.
ووفقاً للقرار، سيسمح «المركزي» للبنوك باستمرار الإفراج عن المصدة الرأسمالية التحوطية ضمن قاعدة رأس المال، بما يخفض متطلبات نسب السيولة، ويتيح للبنوك ولـ6 أشهر إضافية إمكانية الاستفادة من مساحة إقراضية إضافیة من أموالها واحتياطاتها الاحترازية تقارب 5 ملیارات دینار، يمكن توجيهها للقطاعات الاقتصادية المستحقة.
تفعيل الحزمة
وبيّنت المصادر، أن هناك تلميحات رقابية بإمكانية استمرار تفعيل الحزمة مصرفياً حتى نهاية 2021، إلا أنها أكدت أن ذلك مجرد دراسات أولية لم تحسم بعد، وأن التمديد الإضافي يعتمد على مدى الحاجة إليها في الفترة المقبلة، خصوصاً لجهة تطور تداعيات «كورونا».
وذكرت، أن «المركزي» أفاد البنوك بأنه وفي إطار الجهود الرقابية لدعم القطاع المصرفي لتجاوز تبعات «كورونا»، تقرر تمديد أجل الاستفادة من حزمة الإجراءات التي أقرها في 2 أبريل الماضي، بهدف تخفيف الضغوط على البنوك، في دعم القطاعات الاقتصادية الحيوية، والمشاريع ذات القيمة المضافة للاقتصاد المحلي، ومساعدة المتضررين من أفراد ومشاريع صغيرة ومتوسطة وشركات.
أهمية خاصة
وتحليلياً، يمكن القول إن هناك قراءتين للقرار، الأولى تدفع بأنه مستحق، ويكتسي أهمية خاصة، كونه يزيد الباب اتساعاً، وجسر التحفيز امتداداً، للبنوك في مواجهة تطورات «كورونا»، لا سيما بعد المتغيرات الأخيرة التي استدعت إغلاق بعض الدول لمطاراتها، ومنها الكويت، إضافة إلى اتخاذ إجراءات تعكس عدم ارتياح عالمي من الأوضاع الراهنة.
ويدفع المتفائلون هنا بأن القرار يؤكد من حيث المبدأ تجاوباً رقابياً مبنياً على قراءة المستقبل القريب، مع جرعة عالية من التحفظ، استعداداً لمواجهة أي تطور غير متوقع، على قطاع عالي الأهمية والحساسية لجهة علاقته مع القطاعات الاقتصادية الأخرى.
ويلفتون إلى أن الحزمة التي أطلقها «المركزي»، وعدّل بناءً عليها تعليماته الرقابية وأدوات سياسة التحوط الكلي، مثلت دفعة إيجابیة للسوق خلال الأشهر الثمانية الماضية، في مواجهة تداعيات «كورونا».
ولعل ما يؤكد ذلك، تصريحات «المركزي» وقتها، والتي أشارت إلى أن هذه الحزمة تساعد البنوك في هذه الظروف على أداء دورها الحيوي في الاقتصاد، ويحفّزها على تقديم مزيد من القروض والتمويل للقطاعات الاقتصادية المنتجة والعملاء المتأثرين من الأزمة، والذين هم بحاجة إلى سيولة تمكنهم من مواصلة نشاطهم دون توقف في ظل هذه الظروف، تجنباً لتحوّل الصعوبات التي يواجهها العملاء من نقص في السيولة إلى مشاكل طويلة الأجل تؤثر على ملاءتهم المالية.
نتائج التمديد
وفي المقابل، هناك قراءة متحفظة على نتائج التمديد المتفائلة، يدفع أصحابها بأن غالبية المصارف لم تستخدم السيولة التي وفرتها حزمة خفض المعايير، منذ إقرارها، فيما استخدمها البعض لفترة قصيرة، وعادوا سريعاً لإعادة ترتيب أوضاعهم ذاتياً، في مسعى لعدم احتساب هذا الاستخدام عليهم رقابياً.
وتشير هذه القراءة إلى أن السبب الرئيس وراء التعامل المصرفي مع كنز السيولة الذي فتحه «المركزي» مرة واحدة، ليس عدم الرغبة في الاستفادة من هذه الفوائض المركونة مصرفياً، بل بسبب الشرط الرقابي الصارم المصاحب للاستخدام، والذي يُلزم البنوك بعدم توزيع أي توزيعات نقدية عن السنة التي ستستخدم خلالها هذه السيولة.
وبالطبع، يقلل هذا الشرط من شهية مساهمي المصارف وتنفيذييها، باعتبار أن التوزيعات النقدية باتت ركيزة أساسية لدى المستثمرين الحاليين الذين يعتمدون بشكل رئيس على التوزيعات في معالجة أوضاعهم المالية، ما يصعب على البنوك المضي في استخدام هذه السيولة، مقابل عدم توزيعها أرباحاً نقدية لمدة عامين متتالين، هما 2020 و2021، حتى لو اضطرت إلى استخدام مصادر أخرى بكلفة مقبولة.
التوزيعة والربحية
ويبدو أن عدم توزيع أرباح لا يوتر علاقة البنوك بمساهميها التقليديين فحسب، بل المحتملين أيضاً، وهذا محل تخوف مصرفي، خصوصاً مع المستثمرين الأجانب التي زادوا ملكياتهم مصرفياً مع ترقية الكويت إلى مصاف الأسواق الناشئة في 30 نوفمبر الماضي على مؤشر مؤسسة مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال «MSCI»، حيث تعد استثماراتهم مؤسسية، ما يعني أن قراراتهم الاستثمارية تتم وفقاً لاعتبارات من ضمنها الربحية والتوزيعة.
ونتيجة طبيعية لذلك، يرجح أن تستمر البنوك في عدم استخدام هذه السيولة، لا سيما أنها تتمتع بأوضاع قوية تعكس مؤشرات سلامتها المالية، التي تتخطى المعدلات العالمية، مع الأخذ بالاعتبار أن تحسن مؤشراتها يأتي بفضل السياسات التحوطية التي تبناها «المركزي» منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 تحسباً لمواجهة مثل هذه الظروف التي تمر بنا اليوم.
وعموماً تتقاطع القراءتان على أن مجرد تمديد وقت حزمة خفض معايير السيولة يؤكد التحرك الرقابي المرن ما يبعث مصرفياً على الطمأنينة، وسط الرصيد القوي والمتين من القواعد الرأسمالية والمخصصات الاحترازية والمصدات التحوطية، بما يؤهل البنوك المحلية للاستمرار في أداء دور فعال لدعم الاقتصاد الوطني في الظروف الراهنة.
تحفيز المصارف على التمويل
شملت التعليمات التي أصدرها «المركزي» في 2 أبريل الماضي، خفض معايير السيولة المطبقة على البنوك مثل معيار تغطية السيولة، وصافي التمويل المستقر، ونسبة السيولة الرقابية، إلى جانب رفع الحدود القصوى للفجوات التراكمية في نظام السيولة، ورفع الحد الأقصى المتاح لمنح التمويل.
كما تم خفض أوزان مخاطر الائتمان لمحفظة المشاريع الصغيرة والمتوسطة من 75 في المئة إلى 25 في المئة لغرض احتساب نسبة كفاية رأس المال، بهدف تحفيز المصارف على تقديم مزيد من التمويل لهذا القطاع الحيوي والهام، فيما سمحت التعليمات بالإفراج عن المصدة الرأسمالية التحوطية ضمن قاعدة رأس المال بما يخفض المتطلبات الرأسمالية. وعلى صعيد القروض الموجهة لشراء أو تطوير عقارات السكن الخاص والنموذجي شمل التعديل زيادة النسبة المسموح بها للتمويل الممنوح إلى قيمة العقار أو تكلفة التطوير.
6.4 مليار دينار إيداعات البنوك لدى «المركزي»
ما يستحق الإشارة في هذا الخصوص، أنه وكما سبق ونشرت «الراي» في عددها الصادر بتاريخ 8 أبريل الماضي، تحت عنوان ( 6.4 مليار دينار إيداعات البنوك لدى «المركزي») بلغ حجم إيداعات البنوك الكويتية لدى «المركزي»، نهاية 2019 نحو 6.399 مليار دينار، بزيادة تقارب أكثر من 550 مليوناً قياساً بمستوياتها المسجلة في 2018. وشهدت السنوات الثلاث الماضية ارتفاعاً كبيراً في مستويات السيولة المودعة لدى «المركزي»، مقارنة بالسنوات الثلاث التي شملت 2008، وما قبلها، فيما قفزت نسب هذه السيولة في 2019 نحو 7.7 مرة وذلك عند قياسها بمستويات 2008، التي سجلت معدلات بـ834 مليوناً.
وفي 2006 بلغت إيداعات البنوك الكويتية لدى «المركزي» 1.313 مليار دينار، ارتفعت في 2007 إلى 1.893 مليار، أما في 2008، واستجابة لتداعيات الأزمة المالية العالمية، وكتحرك رقابي مرن لمواجهة انعكاسات هذه الأزمة على السوق المحلي، تم تخفيض نسب السيولة لتنخفض عن هذه الفترة إيداعات البنوك لدى «المركزي» بنحو 55 في المئة، وصولاً إلى 834 مليوناً.
وبالقياس بآخر 3 سنوات، بلغت هذه الإيداعات في 2017 نحو 4.6 مليار دينار، تمت زيادتها في 2018 إلى 5.842 مليار، ثم إلى 6.399 مليار في 2019.