غيّرت وكالة فيتش (Fitch Ratings) للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية لتصنيف الكويت السيادي من مستقرة إلى سلبية، لتعمق بذلك صدمة الأوساط المالية والاقتصادية من مخاطر الحالة المالية للدولة.
ورغم تأكيد «فيتش» تصنيفها الائتماني السيادي للكويت 2021 عند المرتبة «AA»، إلا أن تغيير نظرتها من مستقرة إلى سلبية عزز مخاوف مخاطر نفاد سيولة الاحتياطي العام، في حين تبحث الحكومة عدداً من الحلول الرامية لتعزيزها.
ولفتت إلى أن استنفاد السيولة يحد قدرة الحكومة بشكل كبير على الوفاء بالتزاماتها ويمكن أن يؤدي لاضطراب اقتصادي كبير، فيما يعكس تصنيف «فيتش» تخفيض النظرة المستقبلية مخاطر السيولة قصيرة الأجل والمرتبطة بالنفاد الوشيك لصندوق الاحتياطي العام في ظل غياب إذن للحكومة بالاقتراض.
ويشكل تخفيض «فيتش» لتصنيف الكويت الثالث من قبل الوكالات العالمية خلال السنة المالية الحالية، فيما يأتي بعد أن خفضت وكالة ستاندرد اند بورز منتصف الشهر الماضي مجدداً نظرتها للكويت لسلبية.
وفي ظل عدم وجود إصلاحات مالية كبيرة أو حدوث انتعاش في الطلب العالمي على النفط، تتوقع الوكالة أن يبقى عجز الميزانية العامة في خانة العشرات على المدى المتوسط إلى الطويل، مرجحة أن تُسجل الميزانية العامة عجزاً مالياً بنحو 7.5 مليار دينار أو ما نسبته 21 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 21 /2022، بافتراض أن متوسط سعر برميل النفط نحو 45 دولاراً، ومتوسط الإنتاج عند نحو 2.4 مليون برميل يومياً.
وأوضحت «فيتش» أن الخطر يتجذر في الجمود السياسي والمؤسساتي الذي يفسر أيضاً عدم وجود إصلاحات مؤثّرة لمعالجة العجز المالي الكبير في الميزانية، والضعف المتوقع في أرصدة الموازين المالية والخارجية للكويت، مشيرة إلى أنه ومع ذلك ستظل تلك الأرصدة بين أقوى الميزانيات السيادية التي تصنفها الوكالة.
أزمة السيولة
وتتوقع الوكالة أن عدم تمرير قانون الدين العام قد يؤدي إلى نفاد سيولة صندوق الاحتياطي العام في الأشهر المقبلة، منوهة بأن استنفاد السيولة يحد بشكلٍ كبير قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها ويمكن أن يؤدي لاضطراب اقتصادي كبير.
ويفترض السيناريو الأساسي لـ«فيتش» أن الحكومة ستجدد موارد «الاحتياطي العام» لتجنب النضوب حتى دون أي تشريع جديد، واستمرار الحكومة في خدمة الدين (حيث تبلغ نحو 400 مليون دينار وبنسبة 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2021)، إلاّ أنه لا يزال هناك درجة عدم اليقين.
وأشارت «فيتش» إلى أن السلطات أبدت التزاماً بتجنب أزمة السيولة ولديها المرونة لاتخاذ تدابير استثنائية لتحقيق هذه الغاية.
عجز الميزانية
ولفتت الوكالة إلى أنه لا يزال لدى «الاحتياطي العام» أصول غير سائلة يمكن تحويلها أيضاً إلى الأجيال القادمة، بما في ذلك مؤسسة البترول، مشيرة إلى أنه دون تشريع جديد، يمكن للاحتياطي العام الاقتراض من من الأجيال القادمة، كما حدث أثناء الغزو العراقي في 1990-1991، مع أن ذلك ليس خياراً تدرسه الحكومة في هذه المرحلة.
وتفيد الوكالة بأن كل جهود تقليص العجز المالي والإصلاح المالي وإقرار قانون الدّين العام لا تزال تواجه انقسامات سياسية راسخة وجموداً في الموازنة، حيث تُشكّل المرتبات والدعوم الحكومية أكثر من 70 في المئة من الإنفاق العام، ويُشكّل المواطنون الكويتيون نحو 80 في المئة من العاملين في القطاع العام.
وتتوقع «فيتش» اتساع عجز الميزانية العامة (بعد إضافة دخل الاستثمارات الحكومية) إلى نحو 6.7 مليار دينار أو ما نسبته 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بـ20 /2021.
وعلى صعيد الإيرادات العامة، ترجح الوكالة انخفاضها بنحو 33 في المئة ليصل إلى ما يزيد قليلاً على 14 مليار دينار أو ما 42 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مدفوعة بانخفاض أسعار النفط وكميات إنتاجه.
أما بالنسبة للمصروفات العامة، تتوقع الوكالة أن تتماشى مع المصروفات الفعلية للسنة المالية السابقة عند نحو 21 مليار دينار أو ما نسبته 62 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي أقل من المصروفات المرصودة في الموازنة العامة في 20 /2021.
وأفادت بأنه وعلى مدار السنة المالية الحالية، خصصت الحكومة 740 مليون دينار (أقل من 2 في المئة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) كإنفاق إضافي لمكافحة كورونا ودعم القطاع الخاص، والذي قابله مدخرات في بنود أخرى، بما في ذلك انخفاض الدعوم الحكومية.
وتتوقع «فيتش» أن تشهد الكويت انتعاشاً اقتصادياً معتدلاً هذا العام مع بدء تلاشي الصدمة المزدوجة لانخفاض إنتاج النفط وكورونا.
وترجح أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي انكماشاً بنحو 7 في المئة (انكماش القطاع النفطي بنحو 9 في المئة، وانكماش القطاعات غير النفطية بنحو 4 في المئة) في 2020.
زيادة الإنفاق
وفي ظل الافتراضات نفسها، تلفت «فيتش» إلى أن مشروع الموازنة العامة الأخير يُخطط لزيادة واسعة النطاق في الإنفاق العام إلى نحو 23 مليار دينار أو ما نسبته 65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، إلّا أن الوكالة تتوقع أن تكون الزيادة الفعلية في الإنفاق أقل من ذلك.
وتُقدّر أن متوسط سعر برميل النفط التعادلي للموازنة العامة سيصل إلى نحو 80 دولاراً للبرميل عند مستويات الإنتاج الحالية للنفط.
وبموجب منهجية وزارة المالية في إعداد التقارير المالية، والتي لا تتضمن دخل الاستثمارات الحكومية، تتوقع الوكالة أن يصل عجز الميزانية العامة (من دون حساب دخل الاستثمارات الحكومية) إلى نحو 10 مليارات دينار أو ما نسبته أكثر من 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 20 /2021، ويتوافق هذا إلى حد كبير مع الاحتياجات التمويلية للميزانية العامة.
دخل الاستثمارات
وأشارت الوكالة إلى أن الجزء الأكبر من أصول الهيئة العامة للاستثمار ودخل الاستثمارات الحكومية مرتبط بصندوق احتياطي الأجيال القادمة، الأمر الذي يتطلب موافقة مجلس الأمة للسحب منه لتمويل عجز الميزانية.
ورجّحت «فيتش» أن تظل الميزانية العامة في الكويت من بين أقوى الميزانيات السيادية التي تصنفها، حتى مع افتراض وجود إصلاحات مالية محدودة وعدم انتعاش أسعار النفط أو كميات الإنتاج.
وفي ظل عدم إفصاح الحكومة عن حجم أصول وأداء الهيئة العامة للاستثمار، تتوقع الوكالة أن يصل صافي الأصول السيادية الخارجية التي تُديرها «هيئة «الاستثمار» نحو 581 مليار دولار أو ما نسبته 652 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2020، رغم السحوبات من «الاحتياطي العام».
وتُعتبر نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي من بين الأدنى للسلطات السيادية المصنفة من الوكالة، وتبلغ نحو 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لـ2020، موضحة أن تمرير قانون الدين العام قد يؤدي إلى رفع النسبة إلى 50-60 في المئة، أعلى بقليل من متوسط أقرانها في التصنيف «AA».
وزير «المالية»: تغير السلبية يتطلّب استكمال الإصلاح
تعقیباً على تقرير «فيتش» أكد وزیر المالیة خليفة مساعد حمادة أن المركز المالي للكويت قوي ومتين لكونه مدعوماً بالكامل من قبل صندوق احتياطي الأجيال القادمة، والذي يشهد نمواً مستمراً بفضل جهود القائمين عليه.
وأشار إلى أن ما تعاني منه المالية العامة للدولة والتي تتعلق بالإيرادات والمصروفات السنوية من اختلالات هيكلية، أدت إلى قرب نفاد السيولة في خزينة الدولة (صندوق الاحتياطي العام).
وقال الوزير «من أهم أولوياتنا في السلطة التنفيذية في المرحلة القادمة تعزيز السيولة في الخزينة، ونؤكد كما أكدنا في السابق على ضرورة تضافر جهود جميع الجهات والعمل كفريق واحد لتحقيق استدامة المالية العامة فإذا كان مركز الكويت المالي متین إلا أن تغير النظرة المستقبلية يتطلب منا العمل الجاد على استكمال عملية الإصلاح في المالية العامة».
«المركزي» ينظم المصارف جيداً
أشارت الوكالة إلى أن معظم السمات الهيكلية للكويت أضعف من متوسط أقرانها في التصنيف «AA»، بما في ذلك مؤشرات البنك الدولي لمعايير الحوكمة.
ولفتت إلى أن القطاع المصرفي يتمتع بمعدلات رسملة جيدة، وهو منظّم بشكل جيد (Well-regulated) من قِبل بنك الكويت المركزي، حيث يبلغ متوسط مستوى تقييم الجدوى للقطاع المصرفي الكويتي عند «BBB».
وبيّنت أن الاقتصاد الكويتي يُعتبر من أكثر الاقتصادات اعتماداً على النفط بين الحكومات المصنفة من قِبل الوكالة، مشيرة إلى أن القطاع النفطي ساهم بأكثر من 90 في المئة من الصادرات ونحو 60 في المئة من إجمالي الإيرادات العامة في الميزانية (بما في ذلك دخل الاستثمار) خلال 2020.
مؤشرات الكويت المالية حساسة لتغيرات النفط
نوهت «فيتش» بأن القطاع الخاص المصرفي وغير المصرفي يعتبران في وضع صافي دائن خارجي ومستثمر رئيسي في المنطقة، ما يفسر آفاق النمو المحلي الفاتر نسبياً.
ما يوفر دعماً لرصيد الحساب الجاري وصافي وضع الاستثمار الدولي (IIP)، والذي تقدره الوكالة بنسبة 675 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020.
وقد حقق الحساب الجاري للكويت فائضاً في جميع السنوات العشرين الماضية ما عدا سنتين.
وذكرت الوكالة أن المؤشرات المالية والخارجية للكويت شديدة الحساسية للتغيرات في أسعار ومستويات إنتاج النفط، حيث إن تغير متوسط سعر برميل النفط بنحو 10 دولارات للبرميل (صعوداً أو هبوطاً) عن مستوى الافتراضات الأساسية من شأنه أن يُغير رصيد الموازنة العامة بنحو 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (صعوداً أو هبوطًا).
كما أن زيادة إنتاج النفط بنحو 100 ألف برميل يومياً ستحقق فائضاً في رصيد الموازنة العامة بنحو 1.5في المئة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع انتعاش الطلب العالمي على النفط وإعادة النظر في حصص إنتاج أوبك، تلفت الوكالة إلى أن هناك احتمالاً برفع إنتاج الكويت تدريجياً نحو الطاقة الإنتاجية الحالية البالغة 3.1 مليون برميل في اليوم (والتي تخطط مؤسسة البترول الكويتية لزيادتها إلى 3.5 مليون برميل في اليوم بحلول 2025.
كما يمكن أن يؤدي بدء تحديث المصافي ومشروع الوقود النظيف لمؤسسة البترول وزيادة إنتاج الغاز إلى دعم النمو في السنوات 2021-2022.
مؤثرات سلبية على التصنيف
لفتت «فيتش» إلى أهم العوامل التي يمكن أن تؤثّر سلباً وبشكل فردي أو جماعي على التصنيف الائتماني السيادي وهي كالتالي:
السمات الهيكلية: استمرار استنزاف موارد صندوق الاحتياطي العام في ظل عدم إقرار قانون جديد للدين العام، أو تشريع يسمح بالنفاذ إلى أصول صندوق الأجيال القادمة، أو قيام الحكومة بتدابير استثنائية لضمان استمرارها في الوفاء بالتزاماتها، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر خدمة الدين.
المالية العامة: التآكل المستمر لمتانة الأوضاع المالية والخارجية نتيجة استمرار انخفاض أسعار النفط أو عدم القدرة على معالجة الاستنزاف الهيكلي للمالية العامة.
وأوضحت الوكالة أن أهم العوامل التي يمكن أن تؤثّر إيجاباً بشكل فردي أو جماعي على التصنيف الائتماني السيادي عبارة عن:
المالية العامة: اعتماد الحكومة لاستراتيجية تمويلية واضحة ومستدامة من خلال تمرير القوانين التي تسمح بإصدار الدين بانتظام أو النفاذ إلى أصول صندوق الأجيال القادمة، مصحوبة بأدلة على أن المؤسسات والنظام السياسي في الكويت قادرة على مواجهة التحديات المالية طويلة الأجل من خلال إجراءات لتنفيذ خطة واضحة للحد من العجز في الميزانية العامة للدولة.