رغم تراجع التصنيفات الائتمانية السيادية للبلاد أخيراً، فإن الكويت لا تزال في رتبة متقدّمة عالمياً، مع تموضعها في المستوى «AA» وهو ثالث أعلى مستوى وفقاً لمعايير وكالة «فيتش»، وريادتها للرتبة «-AA» والتي تعتبر خامس أعلى مستوى وفقاً لمعايير وكالة «ستاندرد آند بورز»، إلى جانب حصولها على الرتبة «A1» والتي تمثل ثالث أعلى مستوى طبقاً لوكالة «موديز».
وتشمل قائمة الدول ذات التصنيفات الائتمانية الأعلى، أي عند «AAA» وفقاً لتصنيفات «فيتش»، 10 بلدان تضم كلاً من سويسرا والسويد وألمانيا ونيذرلاندز ولوكسمبورغ والدنمارك، إلى جانب كل من النرويج وسنغافورة وأميركا وأستراليا. وتتميّز هذه الدول بقوة مؤسساتها إلى جانب تمتعها بوجود اقتصاد متنوع وذي قيمة مضافة عالية.
نظرة تاريخية
وفي نظرة تاريخية لمسيرة تصنيف الكويت تحديداً ضمن تقييمات «فيتش»، يلاحظ حصولها في 2004 على تصنيف عند مستوى «-AA»، مع استمرار تأكيد هذا التصنيف خلال السنوات التالية حتى 2008 الذي تمت فيه ترقية البلاد إلى المستوى «AA» مع نظرة مستقرة، وهو الأمر الذي استمر أيضاً في السنوات التالية، إلا أن آخر تصنيف شهد تحولاً في الآفاق المستقبلية نحو النظرة السلبية، رغم تأكيد بقاء الكويت في الرتبة نفسها.
ويكشف هذا المسار حالة صعودية للبلاد بعد 2004 مع الثبات لفترات طويلة ضمن رتبة معينة، ما يشير إلى الاستقرار التاريخي لأوضاع البلاد الائتمانية رغم المرور بالأزمة المالية العالمية في 2008، إلا أن التصنيف الأخير يلوّح إلى إمكانية حدوث تراجع في مستوى البلاد في حال لم تعالج الاختلالات الموجودة، خصوصاً مخاطر السيولة، والتي تعتبر أهم عامل مؤثر أشارت إليه وكالات التصنيف خلال تقاريرها الأخيرة.
مستوى فرنسا
وتظهر المقارنة، تفوق تصنيف الكويت السيادي لدى «فيتش» على عدد من الدول المتقدمة مثل بريطانيا التي تصنف ائتمانياً عند «-AA»، واليابان التي قبعت في المستوى «A» وهو السادس في سلم التصنيف مع نظرة سلبية، رغم أن اليابان تعتبر من الاقتصادات المتقدمة والثرية، مع تمتعها بمعايير حوكمة ومؤسسات عامة قوية، إلا أن الوكالة أشارت إلى أنها تشهد ضعفاً على المدى المتوسط في آفاق النمو مع مستوى عالٍ جداً من الدين العام.
من جانب آخر، تتساوى الكويت مع تصنيفات دول متقدمة مثل فرنسا الحاصلة على «AA» مع نظرة سلبية، ونيوزيلندا التي جاءت عند الرتبة «AA» مع نظرة إيجابية، إضافة إلى تعيين التصنيف نفسه لصالح إمارة أبوظبي ولكن مع آفاق مستقبلية مستقرة.
خفض إضافي
ولعل السؤال الذي يبرز مع ذلك، هو كيف تقتفي الكويت أثر الدول المتقدمة اقتصادياً في معالجة خفض التصنيف؟ لتجنب حدوث المزيد من قرارات خفض التصنيف السيادي للبلاد، يرى مراقبون ضرورة أن تنظر الكويت على الأقل إلى نماذج البلدان التي سبقتها في هذا الاتجاه، خصوصاً في التركيز على تحقيق التنويع الاقتصادي الذي من شأنه أن يقدّم تنوعاً في المصدات التي يمكن من خلالها مواجهة أي ظرف أو أزمة طارئة، بدلاً من الاكتفاء بمصدر إيرادات واحد، والاضطرار إلى استهلاك الاحتياطيات المالية التي تم جنيها منه في كل أزمة تمرّ بالبلاد، سواءً أكانت أزمة نفطية أو صحية أو حتى ناتجة عن مخاطر جيوساسية.
معايير التصنيف
وتصنّف «فيتش» الدول وفقاً لعدد من المعايير الرئيسية، والتي تشمل السمات الهيكلية للاقتصاد التي تجعلها أكثر عرضة أو تجنباً لمخاطر الصدمات، إلى جانب المخاطر المنعكسة من القطاع المالي، والمخاطر السياسية والعوامل المتعلقة بالحوكمة.
إضافة إلى تقييم أداء وسياسات وآفاق الاقتصاد الكلي والتي تتضمن آفاق النمو، والاستقرار الاقتصادي، علاوة على تماسك ومصداقية السياسات، كما تشمل معيار التمويلات العامة والذي يشمل تقييم ضبط الميزانيات وهيكلة واستدامة الدين العام، إلى جانب التمويل واحتمالية تبلور الالتزامات الطارئة، مع تقييم التمويلات الخارجية، والتي تتمحور في استدامة أرصدة الحساب الجاري، والتدفق الرأسمالي، ومستوى وهيكلية الديون الخارجية.
ووفقاً للنتائج التي تحققها البلدان في هذه المعايير يتم تصنيفها في مستويات تبدأ من المستوى «AAA» وهو أعلى مستوى تقييم، ويدل على القوة الائتمانية للبلد الذي تتحصل عليه، نزولاً إلى رتبة «+AA»، ثم الرتبة «AA»، والرتبة «-AA»، حتى أدنى رتبة عند المستوى «C».
أعلى 10 دول تصنيفاً لدى «فيتش» عند «AAA» سويسرا… اقتصاد متنوع
عيّنت «فيتش» التصنيف الائتماني لسويسرا عند المستوى «AAA» مع نظرة مستقرة، وذكرت الوكالة أن هذا القرار يعكس ما تتمتع به البلاد من اقتصاد متنوع وذي قيمة مضافة عالية، إلى جانب قوة الحوكمة ومؤشرات التنمية البشرية.
كما يأتي التصنيف مدعوماً بوضع الدائن الخارجي الصافي الضخم لسويسرا، والفوائض المرتفعة والمستمرة في الحساب الجاري، إضافة إلى وضع العملة الاحتياطية العالمية للفرنك السويسري.
ألمانيا… قوة المؤسسات
في تقييمها لتصنيف ألمانيا عند مستوى «AAA»، ذكرت الوكالة أن بلاد الماكينات، تتمتع بقوة مؤسساتها إلى جانب سجل حافل من المالية العامة السليمة التي مكنت من تقديم سياسة استجابة قوية تجاه صدمة الوباء. كما أشارت إلى ما تحظى به البلاد من اقتصاد متنوع وذي قيمة مضافة عالية.
السويد… حوكمة عالية
في تعليقها على تصنيف السويد السيادي، أشارت «فيتش» إلى أن هذا التصنيف يتماشى مع سجل طويل من المرونة والفعّالية في صنع السياسات في البلاد، مدعوماً بمؤسسات قوية ومؤشرات حوكمة عالية جداً، كما نوّهت إلى تميز الاقتصاد السويدي بالتنوع والقيمة المضافة العالية، إلى جانب مستوى مرتفع من المدخرات المحلية المرتفع، والميزانية العمومية الحكومية السليمة ومقاييس التمويل الخارجية القوية، الأمر الذي يمنح السويد القدرة على امتصاص الصدمة الوبائية، ودعم التوقعات المستقرة.
نيذرلاندز… مرونة وانفتاح
جاء تصنيف نيذرلاندز مدعوماً بما تتمتع به من اقتصاد مرن ومنفتح وذي قيمة مضافة عالية، إلى جانب ما تحظى به البلاد من وضع خارجي قوي هيكلياً ومؤسسات فعالة. ورغم تسبب استجابة السياسة الحكومية تجاه الوباء في ارتفاع نسبة الدين العام، فإن السجل القوي للإدارة المالية السليمة يدعم وجهة نظر الوكالة بأن نسبة الدين ستستقر أو تنخفض على المدى المتوسط بعد انحسار الوباء.
لوكسمبورغ… دخل مرتفع
بالنسبة لتصنيف لوكسمبورغ، نوهت «فيتش» إلى أنه يعكس مستوى الدخل المرتفع للفرد، ومؤشرات الحوكمة القوية والمالية العامة السليمة، والتي تفوق تقلبات الاقتصاد الكلي بسبب انفتاحها الاستثنائي واعتمادها الشديد على قطاع الخدمات المالية.
النرويج… ميزانية قوية
في ما يخص النرويج، ذكرت الوكالة أن الوضع الائتماني للبلاد يأتي مدعوماً بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي المرتفع للغاية، إلى جانب الميزانيات السيادية والخارجية القوية جداً والمؤسسات القوية للغاية، مبينة أن التوقعات المستقرة لآفاق تصنيف النرويج تأتي بسبب وجود الاحتياطيات المالية الكبيرة وإطار سياسة الاقتصاد الكلي القوي، واللذين يوفران للسلطات مجالاً واسعاً للاستجابة لوباء فيروس كورونا.
وفي حين أن البنوك النرويجية تبدو معرّضة بشكل كبير لقطاع العقارات على خلفية ارتفاع أسعار المنازل والديون الأسرية المرتفعة للغاية، فإن لدى القطاع أساسيات ائتمانية سليمة، بما في ذلك احتياطيات رأس المال القوية.
الدنمارك… اقتصاد ثري
بالنسبة للدنمارك، أشارت «فيتش» إلى أن تصنيفها المرتفع يعكس سجلاً طويلاً من صنع السياسات السليمة، ويأتي مدعوماً أيضاً بوجود مؤسسات قوية ومؤشرات حوكمة متينة للغاية، والتي من شأنها أنها تدعم حدوث انتعاش اقتصادي قوي بمجرد انحسار جائحة كورونا.
وبيّنت الوكالة أن الاقتصاد الدنماركي الثري عالي القيمة المضافة، والمستوى المرتفع للمدخرات المحلية، والميزانية العمومية السليمة للحكومة، ومقاييس التمويل الخارجي القوية، يوفر للبلاد القدرة على امتصاص الصدمة الوبائية دون ظهور اختلالات، ما يدعم التوقعات المستقرة.
سنغافورة… بيئة أعمال
يعكس تصنيف سنغافورة القوي ميزانياتها العمومية الخارجية والمالية القوية بشكل استثنائي، ودخل الفرد المرتفع، وبيئة الأعمال المواتية إلى جانب إطار سياسة الاقتصاد الكلي السليم.
وبحسب الوكالة، ظلت نقاط القوة هذه على حالها تحت ضغط الجائحة، كما أنها تعمل على تخفيف تضرر سنغافورة أمام الصدمات الخارجية الناشئة عن اعتمادها الكبير على التجارة والروابط العالمية للقطاع المالي.
أستراليا… نمو مستقر
يكشف تصنيف أستراليا المرتفع قوة المؤسسات السيادية وإطار سياسة الاقتصاد الكلي الفعّال، والتي دعمت سجلاً طويلاً من النمو الاقتصادي المستقر قبل الصدمة خارجية المنشأ الحالية.
أما التوقعات السلبية لآفاق التصنيف، فإنها تعكس التأثير الكبير لـ«كورونا» على الاقتصاد الأسترالي والمالية العامة.
أميركا… هيكلية قوية
بالنسبة لتصنيف أميركا الذي جاء بنظرة مستقبلية سلبية، لفتت الوكالة إلى أن هذا التصنيف يأتي مدعوماً بالقوة الهيكلية التي تشمل حجم الاقتصاد وارتفاع نصيب الفرد من الدخل وبيئة الأعمال الديناميكية، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تستفيد من إصدار الدولار، ومن مرونة التمويل غير العادية المصاحبة لذلك.