بخلاف العادة، عاكست مؤشرات البورصة إشارات سير الوضع السياسي، حيث حافظت وتيرة تداولات الأسهم في الفترة الأخيرة على تماسكها واستقرارها، مسجلة منذ بداية أبريل مكاسب بلغت نحو 1.5 مليار دينار (خلال 16 جلسة) وتداولات مليارية منذ بداية العام الجاري وحتى إقفالات الخميس الماضي، وهي الفترة التي زاد فيها المشهد السياسي سخونة.
واستثمارياً، قادت هذه المفارقة إلى السؤال حول الاعتبارات التي تغذي نشاط البورصة، وتجعل مؤشراتها مخالفة حتى للتوقعات التي عادة ما تربط طردياً أداء البورصة بالوضع السياسي.
عملياً، يحمل الواقع حزمة معطيات فنية وفرت بيئة مواتية لتعاملات البورصة كي تواصل تعافيها، مدفوعة بتحسن المزاج الاستثماري ناحية سوق الأسهم. وفي ما يلي أبرز هذه المعطيات والعوامل الداعمة:
1 – ثقة المستثمرين
باتت قدرة الشركات التشغيلية على مواجهة الجائحة بخطط إستراتيجية أحد أهم دعامات استقرار وتيرة تداولات البورصة خلال الأسابيع الأخيرة، لاسيما بعد التأكد من نهجها لإجراءات واحترازات مدروسة، زادت ثقة المتداولين، ما شجعهم على ضخ مزيد من السيولة نحو أسهم هذه الشركات.
وتظهر غالبية الميزانيات أن هذه الشركات زادت من مصداتها ببناء مستويات إضافية من المخصصات، تحسباً لاستمرار تداعيات الجائحة، ما عزز قناعة المستثمرين بأن استثمارهم في تلك الأسهم محصّن من أي هزات مستقبلاً.
2 – عمق السوق
لم يعد سوق الأسهم يتحرك تحت ضغط المضاربات العشوائية مثل السابق، بل أصبح مرتبطاً بعوامل فنية جاذبة بعد أن استقطبت البورصة أموالاً أجنبية بشكل مؤثر خلال الفترة الماضية، لاسيما بعد الترقية والانضمام لمؤشرات الأسواق الناشئة وآخرها «MSCI».
وباعتبار أن قرارات بناء المراكز الأجنبية وأيضاً التخارج منها ليست قصيرة الأجل بل متوسطة وطويلة المدى وتعتمد على قراءت مالية، لم تؤد سخونة الأوضاع السياسية إلى تقليصها، بل على العكس هناك تعزيز في بعض المراكز خصوصاً بأسهم مصرفية وبشركات تشغيلية مختلفة.
كما أن التوقعات الإيجابية بخصوص زيادة رقعة الشركات المرقّاة، وإمكانية تحول السوق الكويتي من ناشئ لمتطور، جعلا الحسابات الاستثمارية في سوق الأسهم تميل أكثر نحو المعايير بعيداً عن القرارات المتسرعة.
3 – الأدوات الاستثمارية
قاد اعتماد هيئة أسواق المال لقائمة أدوات استثمارية جديدة شملت «المارجن» و«تداول حقوق الأولوية» والـ«NETTING» إلى جانب اعتماد آلية لتسريع عجلة الإدراجات، تقضي بربط الاكتتابات بقيد الأسهم في البورصة خلال 3 أيام عمل بعد تخصيص الأسهم، لتعزيز حالة الثقة بتطور السوق بوجود أدوات متطورة تزيد مستويات السيولة، ناهيك عن مواكبة البيئة الاستثمارية في البورصة للتطورات العالمية.
4 – الفائدة الرخيصة
درجت العادة أن يضع كبار اللاعبين في البورصة خيار إخراج أموالهم من البورصة وإيداعها بالبنوك أملاً في الحصول على فائدة مناسبة، كلما زاد الصداع السياسي بين السلطتين، إلا أن هذا النموذج لم يعد مقبولاً بين المستثمرين، خصوصاً في ظل الفائدة الرخيصة التي وصلت في بعض البنوك إلى 1.25 في المئة، مقارنة بمتوسط عوائد أسهم يصل 5 وربما 10 في المئة سنوياً.
5 – مؤشرات الربع الأول
نمو أرباح بنك الكويت الوطني المعلنة عن الربع الأول بـ8.5 في المئة، وكذلك نمو أرباح «بوبيان» بـ23 في المئة، أشاع حالة من التفاؤل حول مؤشرات جميع البنوك والشركات التشغيلية، ما جعل أسهمها محل اهتمام استثماري أوسع، أخذاً بالاعتبار أن الكيانات القيادية تمثل الوزن الأكبر بالبورصة.
6 – هيكلة الشركات
أعطى نجاح شركات عديدة مدرجة في إعادة هيكلة أوضاعها وإطفاء خسائرها المتراكمة وتحول بعضها إلى الربحية في إعطاء قراءة مالية مختلفة زادت من قائمة الشركات المستهدفة من المستثمرين على المديين المتوسط وطويل الأمد، لكثير من المحافظ الاستثمارية.
7 – الوعاء الأفضل
لا يخفى أن بورصة الكويت باتت الوعاء الاستثماري الأكثر جاذبية أمام الأوساط المالية والاقتصادية حالياً، خصوصاً في ظل ما تشهده القطاعات الأخرى من ركود وتراجع كبير في العوائد، لا سيما في القطاع العقاري والقطاعات الخدمية المتأثرة بالإجراءات الاحترازية، لذا أصبحت الأسهم وتداولاتها اليومية محط اهتمام القاصي والداني ما يذكّرنا بما شهده سوق الأوراق المالية خلال الفترة من 2006 وحتى الأزمة المالية العالمية التي غيرات ملامح الأسواق.
8 – السياسة الرقابية
اهتمت الجهات الرقابية خلال الفترة الماضية بتطوير السوق ومواجهة المخالفين لضوابطها بنُظم تخدم الصالح العام، وتوفير بيئة مناخية مواتية للاستثمار المالي بالكويت عبر قواعد ومعايير وضوابط كفيلة بتحقيق المعادلة الصعبة التي تقوم على ثقة الأوساط الاستثمارية، مع انفتاح تلك الجهات على القطاعات المحلية المختلفة عبر نقاشات جيدة.
9- وتيرة الاستحواذات
استمرت وتيرة زيادة ملكيات المساهمين الرئيسيين في شركات تشغيلية، ما زاد من توقعات الاستقرار، حيث يحرص المستثمرون على مواكبة ذلك بمشاركات شرائية بهدف تحقيق الاستفادة من هذه العمليات، فيما حرصت مجموعات أخرى على تدعيم ملكياتها بما يواكب الضوابط المتبعة وسط قناعة بالسياسات والتوسعات المرتقبة وما يتبعها من عوائد.
10 – تعافي الأسواق
يأتي نشاط بورصة الكويت مدعوماً بنشاط حركة الأسهم في أسواق المنطقة، وفي مقدمها السعودي والإماراتي، ما أشّر على دخول هذه الأسواق حالة التعافي بعد سنة صعبة مرت على الجميع في 2020 بسبب جائحة فيروس كورونا، فيما يتوقع أن يتواصل التعافي مع استمرار ضخ لقاحات الفيروس وتحقيق العديد من الدول بما فيها الكويت لمستويات تطعيم تؤهلها لإعاة النشاط بشكل شبه كامل خلال الفترة المقبلة.