لم يلبث القرار الذي أصدره مصرف لبنان والذي يلزم المصارف بتسديد 400 دولار (fresh dollars) إضافة إلى ما يوازيها بالليرة اللبنانية للحسابات التي كانت قائمة بتاريخ اكتوبر 2019 وكما أصبحت في مارس 2021، أن دَخَلَ حقلَ تجاذُب بين «المركزي» وجمعية المصارف التي كانت أكدت أن لا قدرة لديها «على توفير أيّ مبالغ بالعملة الأجنبية مهما تدنّت قيمتها»، ما ترك علامات استفهام حول مصيره وإمكان تطبيقه والمخارج التي ستُعتمد لضمان السير به.
وكان مصرف لبنان قد اتخذ هذا القرار بعد اجتماع عقده المجلس المركزي، اليوم الجمعة، برئاسة الحاكم رياض سلامة وأعقبه صدور بيان أوضح أن «المبالغ التي ستسددها المصارف في اول سنة ستُدفع من حساباتها لدى المصارف المراسلة في الخارج والتي تتراوح بين مليار ومليار ومئتي مليون دولار اميركي. كما ستتمكن المصارف من سحب نفس المبالغ من مصرف لبنان مقابل توظيفاتهم الإلزامية».
وأضاف: «ان تسديد الـ 400 دولار شهرياً تتزامن مع تسديد نفس المبلغ بالليرة اللبنانية على اساس سعر منصة Sayrafa 12 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد).وسينتج نتيجة هذا التسديد بالليرة اللبنانية ارتفاع للكتلة النقدية مبلغ يتراوح بين 26 و 27 تريليون ليرة وذلك على سنة».
وإذ أشار البيان إلى «ان تعميماً سيصدر ليحدد تفاصيل هذا القرار»، لفت إلى أنه وخلال أول سنة من تطبيق هذا التعميم تُسدَّد كاملةً أرصدة حسابات 000 800 عميل ما يقارب 70 في المئة من عدد حسابات المودعين«، موضحاً أنه»يمكن للمصارف استعمال الـ 3 في المئة باستثناء حسابات الـ dollars Fresh للمودعين لهذه الغاية”.
كما قرر المجلس المركزي خفض التوظيفات الالزامية بالعملات الأجنبية من 15 في المئة الى 14 في المئة، معلناً أنه يُعمل بهذا القرار ابتداءً من الأول من يوليو المقبل «كما انه سيكون القرار مدخلاً لمعالجة المصارف غير الملتزمة به».
وكانت جمعية المصارف قد استبقت هذا القرار مبلغة «المركزي» أنها «غير قادرة على توفير أيّ مبالغ بالعملة الأجنبية مهما تدنّت قيمتها»، موضحةً أن «سيولة المصارف بالعملات الأجنبية لدى المراسلين ما زالت سلبية بما يفوق مليار دولار»، ومعتبرة «أن تمويل أي سحوبات نقدية لا يمكن توفيره إلا من خلال خفض معدل الاحتياطي الالزامي المتوجب على ودائع المصارف لدى مصرف لبنان، علماً أن الاحتياطي الإلزامي يشكل أساساً ضمانة للمودعين ويتم اللجوء إليه في الأزمات والحالات الطارئة كتلك القائمة في لبنان حالياً»، ومتمنية التريث بإصدار أي تعميم يلزم المصارف بالسحوبات النقدية بالعملة الأجنبية آملين أن يكون جزءاً من مقترح قانون الكابيتول كونترول الذي يجري التداول في مجلس النواب”.
ويشكّل قرار «المركزي» الذي يحرّر قسماً من ودائع اللبنانيين بالعملة الأجنبية العالقة في المصارف منذ انكشاف الانهيارَ المالي (اواخر 2019) والاقتصادي والمصرفي وتدَحْرُجه على المستوى النقدي والمعيشي، جزءاً من «سياسات بالمفرَّق» لمعالجة جزئيات من الأزمة الشاملة التي يفاقمها الفراغ السياسي وعدم القدرة على تشكيل حكومة جديدة منذ اغسطس الماضي.
ويفاقم «العاصفة الكاملة» التي تضرب لبنان والتي انهارت معها قيمة الليرة اللبنانية بشكل كبير (قفز سعر الدولار في السوق الموازية بعد قرار المركزي إلى 13500 ليرة) عدم وجود خطة إنقاذ واضحة، وارتفاعات كبيرة في أسعار المواد الغذائية وصلت نحو 400 في المئة وعدم قدرة «المركزي» على استمرار دعم مواد استراتيجية في ظل تراجُع الاحتياطات السائلة بالعملات الأجنبية التي يملكها الى نحو 16 مليار دولار ونضوب شبه كامل للاحتياطي القابل للاستخدام.
وفي أحدث تحذير من مؤسسة مالية عالمية، كشف تقرير «المرصد الاقتصادي اللبناني» لربيع 2021 الصادر عن البنك الدولي قبل أيام، خطورة الوضع الاقتصادي والمالي اللبناني وأن الأزمة التي تضرب لبنان «ربما من بين الأزمات الثلاث الأكثر حدة عالمياً منذ أواسط القرن التاسع عشر».