كويت تايمز: اكد محافظ بنك الكويت المركزي الدكتور محمد يوسف الهاشل اليوم الاربعاء أهمية المحافظة على الاستقرار في الأوقات المضطربة من خلال تسليط الضوء على عاملين مؤثرتين في عالم المال.
وأوضح الهاشل في افتتاح الاجتماع السنوي ال12 على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حول (المستجدات في الرقابة المصرفية وقضايا الاستقرار المالي) بابوظبي إن العاملين هما “الثورة التكنولوجية وما نتج عنها من منافع ورافقها من مخاطر والإجراءات الأساسية التي قمنا باتخاذها لتقوية مرونة نظامنا المصرفي على مقاومة الصدمات”.
وأضاف ان “الابتكارات التكنولوجية اطلقت العنان لتغيرات جذرية في الطريقة التي ندير بها أعمالنا التجارية وكيفية تفاعلنا مع بعضنا البعض أو استهلاكنا لمختلف المنتجات والخدمات” لافتا الى ان القطاع المالي الذي يعتبر في الأساس “صناعة معرفية” يواجه أيضا تحولا جذريا مدفوعا بما تشهده التكنولوجيا من تقدم وتطور.
واكد أهمية الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في توفير الخدمات المالية الرسمية الى ملايين العملاء الذين لا يمكنهم الوصول إلى الخدمات المصرفية بشكل أو بآخر مضيفا انه وفقا لاحصائيات البنك الدولي فان أفقر 20 بالمئة من سكان العالم قد أصبح لديهم على الأرجح القدرة على امتلاك هاتف محمول أكثر من قدرتهم الحصول على المياه النظيفة أو الصرف الصحي.
وأشار الى ان العديد من الدول تمكنت خلال السنوات الأخيرة من توسيع القدرة للنفاذ الى التمويل وفي الاطار العالمي تراجعت نسبة البالغين الذين لم تسنح لهم فرصة الاستفادة من خدمات النظام المالي الرسمي بنحو 20 بالمئة خلال الفترة بين 2011 و2014 فقط. ولفت الى ان كل هذه العوامل المشجعة تؤكد أيضا أن المعرفة الرقمية توفر فرصة غير مسبوقة لتحسين الحصول على التمويل لملايين من الناس الذين حرموا من تلك الخدمات لفترات طويلة.
وذكر ان التطورات البرمجية مثل (بلوك تشاين) تؤدي الى تحول في الطريقة التي يتم التحقق فيها من المعاملات وتنفذ بها العقود مبينا ان السماح لأي جهة بالتعامل دون وسطاء مركزيين سيتيح تقليص التكاليف وتخفيض عدم الكفاءة وتحسين خدمة العملاء. وقال الهاشل ان هناك مجموعة من الابتكارات الأخرى التي تعيد تصميم أساليب تحويل الأموال أو الحصول على الائتمان منها ان المحافظ النقالة تسمح بإجراء المدفوعات عن طريق الهواتف الذكية وأصبح الاقراض المباشر (شخص لشخص) يوفر مصادر جديدة للتمويل كما أصبح “المستشارون الآليون” يوفرون المشورة المالية للعملاء.
وأوضح انه رغم أن كل هذه الابتكارات والتطورات مثيرة في طبيعتها لكنها تحمل في طياتها مخاطر وتحديات جسيمة حيث أصبحت مخاطر الأمن الالكتروني تشكل بصفة متزايدة جزءا أساسيا من المخاطر التشغيلية للبنوك.
واضاف ان حوادث القرصنة المختلفة حول العالم توضح بأن عمليات الاحتيال والتزوير يمكن أن ترتكب الآن عن بعد وبشكل سريع وعلى نطاق واسع ورغم أن تلك الحوادث لا تزال محدودة النطاق حتى الآن إلا أنها تظل ذات مخاطر عالية سواء من الناحية المالية أو من حيث الضرر على سمعة المؤسسة.
واشار الى قيام شركات التكنولوجيا المالية بتفكيك أجزاء من سلسلة الخدمات المالية والعمل على توفير الخدمات المالية مباشرة للعملاء وبصرف النظر عن زيادة حدة المنافسة والضغط على أرباح البنوك فإن شركات التكنولوجيا المالية تقوم بنقل جزء من أعمالها المصرفية الى نظام الظل المصرفي الذي لا يزال غير منظم أو ربما منظماً بشكل طفيف.
وأضاف ان اقراض (شخص لشخص) المدعوم بالتكنولوجيا والتمويل الجماعي قد يؤدي إلى تفاقم الدورة الاقتصادية وحجم أعمال الظل المصرفي.
وبين ان الابتكارات هي بطبيعتها ذات قوة مؤثرة قد تسبب قدرا كبيرا من عدم الاستقرار وبالتالي يواجه المنظمون مهمة شاقة ومضنية في الحفاظ على أمن واستقرار الأنظمة المالية وبما يضمن في ذات الوقت استمرار الاستفادة من الكفاءة والميزات التي توفرها التقنيات الحديثة.
وأضاف “انه لضمان ذلك علينا تعزيز قدرتنا على كشف ومراقبة وتخفيف المخاطر الناجمة عن الابتكارات التكنولوجية وهو ما يتطلب التعاون الوثيق مع القطاع المصرفي اضافة الى التعاون بين المنظمين سواء داخل الدولة الواحدة أو بين الدول بعضها البعض”. ولفت الى ان “كل تلك الجهود غير كافية على الاطلاق حيث نحتاج لتنحية الشعور بالأمان جانبا والاتجاه للتعاون مع الأطراف الأخرى ذات المصالح وعلى وجه التحديد شركات التقنيات نفسها”.
وقال الهاشل “لا نسعى كمنظمين الى تقويض الابتكارات التكنولوجية ولا نرغب من جهة أخرى بتقويض الاستقرار المالي.. حقا انه توازن دقيق ينبغي تحقيقه .. ويبدو هذا الأمر شبيها بالدخول الى مجالات غير مألوفة”.
وأكد الحاجة الى التمتع بالمرونة والقدرة على التكيف والاستباقية بما يضمن جني أكبر قدر من المنافع التي توفرها الابتكارات المالية والحد في ذات الوقت من السلبيات.
وقال الهاشل ان نظم الرقابة المصرفية تعتبر من المجالات الرئيسية الاخرى التي شهدت ولا تزال تشهد اصلاحات بعيدة المدى مشيرا الى ان التعليمات المصرفية التي تقودها (لجنة بازل) قد شهدت اصلاحات شاملة وجهود مضنية لتحسين مرونة وقدرة النظام المصرفي في كل أنحاء العالم على مقاومة الصدمات. وشدد على ضرورة وأهمية هذه الاجراءات خاصة في ظل عدم اليقين بشأن توقيت ومصدر حدوث الصدمة المقبلة مشيرا الى الضغوط التي لم تجد الأسواق المالية مفرا من مواجهتها في الآونة الأخيرة. واستعرض الهاشل عددا من الاحداث منها في عام 2013 كانت بداية وقف سياسات التيسير الكمي في أمريكا وفي عام 2014 كان انهيار أسعار النفط وفي عام 2015 كان اعادة التوازن للإقتصاد الصيني بينما شهد العام الجاري خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وذكر ان تلك الأحداث وان كانت متباينة من حيث مصدرها الجغرافي أو من حيث أصل الأسباب التي أدت الى حدوثها الا ان هناك قاسما مشتركا يربطها جميعا وهو أنها أدت الى اضطرابات بالغة في الأسواق العالمية.
واوضح “ان مهمة ضمان المرونة لنظام مصرفي قادر على تحمل الصدمات بكافة أنواعها ومصادرها ليس بالأمر السهل إذ أن هذه الصدمات ليست خارجية المصدر فقط بل أن النظام المصرفي نفسه هو في حالة من التغير المتواصل وذلك وسط مناخ من المخاطر المتطورة والمتزايدة والتي ترجع في جزء منها الى الابتكارات المالية التي أشرت اليها”.
وبين ان ذلك الوضع أصبح يستدعي ضرورة العمل على تطوير الاطار التنظيمي للقطاع المصرفي بشكل دائم ومستمر ومن هذا المنطلق قام بنك الكويت المركزي خلال الأعوام الأخيرة بتحديث الأنظمة القائمة لديه بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية اضافة الى تبنيه وتطبيقه المعايير الرقابية الجديدة الصادرة عن (لجنة بازل ) للرقابة المصرفية.
وقال “نحن نعلم أن الرحلة لا تزال طويلة والتحديات جسام ولكننا عازمون على مواصلة الجهود مع الاستفادة من خبرات اصدقائنا من بنك التسويات الدولي”. واشار الى ان البنوك الإسلامية تتمتع بتواجد وحضور كبيرين في الكويت الا ان هناك استفادة محدودة من تطبيق حزمة معايير (بازل 3) بالنسبة للمؤسسات المالية الاسلامية. وأوضح “انه نتيجة لذلك فقد تركت معظم الجوانب المهمة من اصلاحيات (بازل 3) لتقديرات وقرارات الجهات التنظيمية في كل دولة على حدة لتطبيق أفضل القواعد على البنوك الاسلامية”. وقال “ان استخدام تلك التقديرات رغم افتراض حسن النية فيها يحدث حتما فروقا بين مختلف الدول وخاصة بالنسبة للتمويل الاسلامي حيث لا يوجد تفسيرات شرعية موحدة وثابتة مما يجعل من المهمة أمرا أكثر صعوبة”.
وتوقع ان يشهد تنظيم البنوك الإسلامية في مختلف الدول أساليب مختلفة فضلا عن مخاطر الالتفاف على التعليمات الرقابية. وشدد على اهمية ادراك أن ضمان استقرار وتكيف النظام المصرفي لا يمكن أن يترك للتعليمات الرقابية وحدها لافتا الى ان الحاجة تدعو الى تعزيز القدرة الاشرافية من أجل استكمال الأنظمة الرقابية المتطورة.
واكد “انه من خلال الاشراف الفعال فقط يمكننا التأكد من التزام البنوك بتعليماتنا.. كما ان الاشراف الرقابي يمنحنا القدرة والسرعة على تخفيف المخاطر الناشئة قبل أن يستفحل أثرها”.
واشار الى صعوبة رقابة كل جانب من جوانب النظام المصرفي وعليه مؤكدا اهمية أن تتحمل البنوك مسؤوليتها الأساسية عن قراراتها وممارستها المصرفية. وذكر ان البنوك باعتمادها على ثقة الجمهور لا يمكنها أن تتقبل وتتحمل تداعيات العمل في ظل حوكمة ضعيفة وغياب لثقافة المخاطر.
وقال “نظرا لذلك قمنا باصدار توجيهات للبنوك لجعل مستوى الحوكمة لديها أكثر قوة وذلك بدعم من ضوابط رقابة داخلية قوية وادارة مخاطر حصيفة وامتثال دقيق للقوانين والنظم والتعليمات التي تنظم أعمال هذه البنوك”.
واضاف “ومع ادراكنا بأن الامتثال لاجراءاتنا التنظيمية ينطوي على تكلفة مالية بالنسبة للبنوك الا ان تكلفة أي أزمة مالية تفوق ذلك بكثير” مشيرا الى أن تكلفة تلك الأزمات لها تداعيات تتخطى البعد المالي.
وذكر “انه من الحكمة والعقلانية تعزيز قدرة مصارفنا في أوقات الرواج.. وكلما سنحت الأوضاع. وأرى أن أسلوبنا الفعال بما اتخذناه من اجراءات استباقية في إطار سياسة التحوط الكلي قد أتي ثماره بالفعل.. وهو ما يتضح من قدرة بنوكنا على دخول حقبة هبوط أسعار النفط من موقع قوة”.
وقال “ان مقاومة البنوك للصدمات ليست عملية لا نهائية” لافتا الى أن البيئة الاقتصادية الضعيفة ستضع أخيرا النظام المصرفي تحت ضغوط كبيرة قد تؤدي الى تضاؤل قوته مع مرور الوقت.
واضاف “علينا أن لا نغفل الاصلاحات الاقتصادية والهيكلية الضرورية والنظر الى الاطار الاقتصادي الأعم والأشمل الذي يعمل فيه نظامنا المالي”معتبرا “ان القطاع المصرفي عنصرا من عناصر المحيط الاقتصادي الكلي الا أنه ليس الشرط الكافي لذلك الاستقرار”.
وذكر “انه بالنظر الى الحلقة المتشابكة بين الاقتصاد الكلي والقطاع المصرفي فان الجهات الرقابية لا يمكن أن تكون السبيل الوحيد للمحافظة على الاستقرار المالي فهناك ايضا ما لا يقل أهمية عن ذلك مثل الاصلاحات الاقتصادية والهيكلية الضرورية لبيئة اقتصادية كلية مستقرة والتي يمكن أن يزدهر فيها القطاع المالي”.
وشدد على “اهمية استمرار البنوك المركزية الاستمرار في تقديم المشورة السليمة لحكوماتنا ودعمها من أجل اتخاذ الإجراءات الأفضل لاحتواء التحديات التي تواجهها اقتصاداتنا إنطلاقا من حقيقة أن الاستقرار الاقتصادي الأشمل هو فقط ما يضمن السلامة المالية ويحقق المنافع من الإصلاحات الرقابية والتي تصب في نهاية الأمر في مصلحة الاقتصاد الوطني”.
وحضر الاجتماع محافظ مصرف الإمارات المركزي مبارك راشد المنصوري و ومحافظ بنك الجزائر محمد لوكال والمدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي والرئيس بالوكالة لمعهد الاستقرار المالي التابع لبنك التسويات الدولية جان كارلوس.
وشارك في الاجتماع عدد من كبار المسؤولين من محافظين ونواب محافظين ومدراء ادارات الرقابة المصرفية يمثلون 15 دولة عربية من مصارف مركزية ومؤسسات مصرفية عربية وهيئات أسواق المال الى جانب المؤسسات الدولية وفي مقدمتها بنك التسويات الدولية و(لجنة بازل) للرقابة المصرفية والبنك المركزي الأوروبي والبنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن ومجموعة الثلاثين ومعهد التمويل الدولي وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
وناقش الاجتماع موضوعات هامة مثل التحديات الرقابية على المدى القصير والمتوسط والتطورات الاخيرة على صعيد حوكمة الشركات والتعديلات المقترحة على الاطار التحوطي لمعالجة الائتمان والمخاطر التشغيلية التي تواجه البنوك التجارية اضافة الى استعراض أهم نتائج المسح الميداني المعد من قبل لجنة بازل للتعرف على المخاطر الناشئة والاولويات الرقابية.
وبحث الاجتماع التحديات التي تواجهها المصارف المركزية والهيئات الرقابية في المنطقة العربية لتعزيز الاستقرار المالي والقضايا التي تتناول سبل تحسين إدارة المخاطر في القطاع المالي والمصرفي في الدول العربية ومناقشة تداعيات التطورات المتسارعة في مجال التقنيات المالية الحديثة وتأثيرها على القطاع المصرفي و التطرق الى سبل مواجهة الجرائم المالية الالكترونية.
وقال المدير العام رئيس مجلس ادارة صندوق النقد العربي ان الاجتماع يحظى بأهمية من صانعي السياسات ومتخذي القرار في المصارف المركزية والمؤسسات المالية والمصرفية ومدراء المخاطر في المنطقة العربية باعتباره ملتقى سنويا لمتابعة المستجدات في التشريعات الرقابية وقضايا الاستقرار المالي.
وأعرب الدكتور الحميدي في كلمته التي القاها في الحفل عن تطلعه لأن يساهم الاجتماع في تعزيز إدراك العديد من الجوانب والقضايا المتعلقة بتقوية وتطوير التشريعات الرقابية المالية والمصرفية في الدول العربية عبر الاستفادة من تواجد هذا الكم الكبير من الخبرات الرفيعة المتميزة.