أظهرت دراسة حكومية أن الكويتيين لا يشعرون بالرضا عن حلول تمويل الإسكان المتاحة حالياً بسبب عدم كفاية مبلغ القرض والأقساط الشهرية، مشيرة إلى أن 45 في المئة عبّروا عن عدم رضاهم عن حلول التمويل، مقابل 33 في المئة راضين.
وبيّنت أن 61 في المئة من المواطنين أشاروا إلى أن سبب عدم رضاهم، حجم القرض الذي سيحصلون عليه، فيما قال 40 في المئة إن السبب عدم التفاعل مع جهات عدة، في حين عزا 35 في المئة ذلك إلى العملية والوقت، ونوه 18 في المئة إلى أن السبب منتجات التمويل البنكية.
وحول أبرز الأولويات التمويلية عند الكويتيين، أوضحت الدراسة أن 81 في المئة قالوا إن إجمالي قيمة القرض هي الأولوية رقم 1 بالنسبة لهم، وتأتي قيمة القسط الشهري ثانياً بـ55 في المئة، ثم مستوى الخدمة ومدة العملية ثالثاً بـ39 في المئة، وفترة سداد القرض رابعاً بـ36 في المئة، وسعر الفائدة خامساً بـ32 في المئة.
وأضافت أن نسبة نمو عدد سكان الكويت ستبلغ 70 في المئة تقريباً خلال الفترة من 2005 إلى 2035، وتوقعت في المقابل أن يبلغ نمو الطلب سنوياً على السكن 50 في المئة تقريباً، إلى نحو 13 ألف وحدة سنوياً في 2035، وبالتالي ستبلغ الوحدات الإضافية المطلوبة في 20 سنة (2005- 2035) نحو 220 ألف وحدة سكنية.
وإلى ذلك، تتزايد أهمية إقرار «الرهن العقاري»، فوفقاً لما خلصت إليه الدراسة المعدة في هذا الخصوص، تأتي هذه الخطوة في إطار العمل الجيد لتمويل الإسكان محلياً، كما تستقيم مع الزيادة المخطط لها في توزيع القسائم بمناطق جديدة خارج مدينة الكويت.
التجربة السعودية
وتعد الكويت من الدول القليلة التى لم تقرّ حتى الآن قوانين تتعلق بالرهن العقاري، حيث إن غالبية دول العالم بما فيها دول المنطقة ترى في هذا الخيار حلاً مثالياً لأزمتها الإسكانية.
وتمثل السعودية التجربة الأقرب إلى الكويت، حيث تقدم مصارفها وشركاتها التمويلية حلولاً متصلة بـ«الرهن العقاري»، تتمتع بفترة سداد مرنة تصل 25 عاماً، مع إمكانية تمديدها إلى 30 سنة، لمستفيدي البرامج المدعومة من وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية، وبهامش ربح تنافسي وثابت وتمويل يصل 5 ملايين ريال سعودي، بدخل قد لا يتجاز 3 آلاف ريال (أقل من 250 ديناراً).
ويمكن الاستفادة من البرامج المدعومة سعودياً مقابل رهن العقار مع إتاحة إمكانية السداد المبكر في أي وقت بناء على ضوابط مؤسسة النقد، أما شرعياً تتعامل المؤسسات التمويلية السعودية التي تعتبر نموذجاً قيادياً للمؤسسات المالية الاسلامية بهذا المنتج، ما يغذي الحاجة في الكويت لتمرير «الرهن العقاري».
حسبة بسيطة
ووفقاً للدراسة الحكومية، فإن الرهن العقاري يعتبر البديل المالي الفاعل الذي سيمكّن المواطن من تملك السكن الملائم، كما سيجعل الشركات العقارية تهتم بنوعية وجودة المساكن ضماناً لاسترجاع المصروفات والتربح.
وبحسبة بسيطة، يمكن القول إن أبسط المكاسب المحققة من إقرار قانون الرهن العقاري تسريع عمليات توزيع القسائم والبناء، ومن ثم خفض التكلفة الإيجارية التي ينفقها المواطن خلال انتظاره لبيت العمر، والتي تصل 20 سنة، وادخارها لإعادة توجيهها إلى سداد الأقساط الإسكانية المترتبة على قروض الرهن العقاري.
فلو افترضنا أن مدة انتظار بيت العمر 10 سنوات فقط وليست 20، بافتراض إيجار شهري لشقة يبلغ 600 دينار شهرياً، فإن إجمالي الكلفة الإيجارية سيتجاوز 70 ألف دينار، وهنا تبرز الأهمية، حيث يمكن توفير هذا المبلغ بالحصول على الأرض والبدء في البناء من خلال الرهن العقاري.
مخاوف متصاعدة
لكن هناك مخاوف متصاعدة من أن يقود إقرار «الرهن العقاري» إلى إشعال أسعار الأراضي، وهذا ما تبدده الدراسة الحكومية بأن هذا التنظيم سيؤدي إلى تهدئة الأسعار، أو أقله تقليل فترة الانتظار دون أي ضغط على أسعار الأراضي.
وفي هذا الخصوص، يُلاحظ أن أسعار الأراضي شهدت في آخر 25 سنة قفزات عالية جداً، بلغ نموها حسب تقدير بعض العقاريين 866.6 في المئة، مع الأخذ بالاعتبار أن قانوني (8 و9) لسنة 2008 بخصوص الرهن العقاري لم يوقفا صعود الأسعار، لأنه وببساطة لا تزال الحلول المقدمة محلياً قديمة لأزمة عقارية أصبحت مثل كرة الثلج التي تكبر يوماً بعد يوم، وليس من المنطق الاستمرار في معالجتها بمجرد الوعود التطمينية.
وأوضحت الدراسة أن الحكومة لن تكون قادرة بمفردها على مواجهة تداعيات المشكلة الإسكانية، خصوصاً وأن الحل المالي للطفرة العقارية يحتاج إلى معالجة ثنائية، عبر طرح أراضٍ جديدة للاستثمار العقاري، إضافة إلى مشاركة البنوك في منح الائتمان الإسكاني، لا سيما في ظل ما كُشف من خطط إسكانية تؤكد وجود أراضٍ يمكن تخصيصها لمعالجة الأزمة الإسكانية محلياً.
زيادة الشركات
وبيّنت الدراسة أن الرهن العقاري يعني زيادة أعداد شركات التقسيط والتمويل العقاري وتوسيع نشاطاتها، ما سينجم عنه اتساع قاعدة فرص التمويل العقاري وإنعاش السوق العقارية، ولما له من دور كبير في حل مشكلة السكن لدى الفئات ذات الدخل المحدود والمتوسط.
علاوة على ذلك، لفتت مصادر إلى أن «الرهن العقاري» سيقود لزيادة أعداد المكاتب الهندسية المعتمدة وشركات المقاولات الشابة تحت بند المشاريع الكويتية الصغيرة، ما يخلق مزيداً من فرص العمل للشباب الكويتي، سواء المهندسون أو بالوظائف المرتبطة بهذه الشركات كالتصميم والتنفيذ وغيرها.
كما أن هذا القانون سيؤدي إلى استحداث إدارات ووظائف جديدة تتعلق بالرهن العقاري، ما يرفع الحاجة لعمالة وطنية، إلى جانب زيادة عمليات التمويل والإقراض ومن ثم زيادة ربحية البنوك، وبالتالي تعاظم حقوق المساهمين الذين يمثلون قطاعاً كبيراً من المواطنين المستثمرين في بورصة الكويت.
التأمين يعفي الورثة من دفع المتبقي من القرض
بالنسبة لإشكالية سحب البيت من الورثة، أوضحت الدراسة الحكومية أنه يمكن تفادي ذلك من خلال الإلزام بوضع تأمين على الحياة مع الرهن العقاري، وفي هذه الحالة إذا مات المقترض تسقط المطالبة عن ورثته مع احتفاظهم بالبيت، على أساس أن شركة التأمين ستتكفل بسداد الأقساط.
أما بالنسبة لاستحضار تجربة أزمة الرهن العقاري في أميركا في 2008 وإمكانية تكرار السيناريو نفسه محلياً، ردّت الدراسة بأن المزيد من الضوابط في تقديم القروض والائتمان سيحد من أي أزمات يمكن أن تواجهها الكويت، كما أن الدولة تتعهد وفقاً للقانون بتعويض المواطن المتعثر بسكن مناسب إذا تعثر، علاوة على أن العقار المسجل بالرهن العقاري لا يُسحب إلا بحكم قضائي نافذ.
وتاريخياً، تُظهر الأرقام أن المتخلفين عن سداد أقساط بنك الائتمان منذ نشأته، قليلون جداً، ونسبة قروض التعثر تكاد لا تذكر، ما يبعث بالطمأنينة ويرجح استمرار النسبة نفسها في حال إقرار «الرهن العقاري».
على صعيد آخر تضمن قائمة منافع «الرهن العقاري» أيضاً تنظيم سوق البناء، فمع دخول البنوك كشريك تمويلي في الإسكان، سيشترط وجود مكتب هندسي ومقاول معتمد من قبل البنك، بحيث يكون التصميم والتنفيذ على أعلى مستوى، ما يقضي على اجتهادات البناء الحالية، والتي تعتمد على قيام غالبية المواطنين بمتابعة عمليات الإنشاء والتنفيذ بأنفسهم دون خبرة أو دراية كافية، الأمر الذي يخلق المزيد من مشاكل البنيان.