لفت بنك الكويت الوطني إلى تأثر الوضع المالي للكويت بشدة، مثلها في ذلك مثل نظرائها في دول الخليج، جراء جائحة «كوفيد -19»، وصدمة أسعار النفط التي أعقبت ذلك، ما أدى إلى تضخم العجز من 3.9 مليار دينار في السنة المالية السابقة إلى 10.8 مليار دينار، أو ما يعادل 33 في المئة من الناتج المحلي في السنة المالية (2020 /2021).
وكشف البنك في تقريره الاقتصادي، أنه رغم أن العجز المسجل في هذه السنة المالية قد يصل إلى مستوى أقل بشكل ملحوظ عن المستويات المسجلة العام الماضي، إلا أن تمويله مازال يمثل تحدياً في غياب إقرار البرلمان لقانون الدّين العام الجديد أو عدم الوصول إلى مصادر تمويل بديلة.
وبيّن «الوطني» أنه يتعيّن على الحكومة سداد نحو 1.1 مليار دينار في شكل سندات مستحقة الدفع في مارس المقبل، وأنه مع استنفاد أصول صندوق الاحتياطي العام تقريباً، بات من الضروري تمرير قانون الدّين العام الجديد، إذا لم يتم استغلال موارد صندوق الأجيال القادمة.
ورأى أنه يجب أن يكون استخدام موارد صندوق الأجيال القادمة هو الملاذ الأخير الذي يجب أن يكون موقتاً ومرتبطاً باستراتيجية تمويل واضحة ومستدامة، ما سيتطلب من منظور طويل الأجل، إصلاحات مالية جوهرية تشمل جانبي الإيرادات والنفقات.
واعتبر التقرير أن السؤال الذي يطرح نفسه حالياً هو ما إذا كان مجلس الأمة سيقر قانون الدّين العام الجديد أو يقوم بتمرير الإصلاحات المالية الجوهرية، والتي من شأنها أن تجعل الميزانية أقل عرضة لأسعار النفط؟
وتابع أن قيام وكالة «ستاندرد آند بورز» بخفض التصنيف الائتماني السيادي للكويت، للمرة الثانية في أقل من عامين قد يوفر الحافز المطلوب لإجراء مثل تلك الإصلاحات، في حين يؤدي المزيد من التأخير في إصدار قانون الدّين العام الجديد أو التوصل لإجراءات تمويل بديلة، إلى خفض التصنيف الائتماني للكويت مجدّداً، مؤكداً أن توثيق التعاون بين الحكومة ومجلس الأمة من الخطوات الجوهرية لتسريع وتيرة عملية الإصلاح، ووضع المالية العامة على مسار أكثر استدامة.
وأوضح البنك في تقريره الاقتصادي، أن انخفاض سعر خام التصدير الكويتي، شكل أحد العوامل الرئيسية التي تسبّبت في تسجيل ذلك العجز، في وقت حاولت الحكومة الحد من زيادة العجز من خلال ضغط الإنفاق الرأسمالي لتعويض زيادة النفقات الجارية التي يصعب عكس مسارها.
ولفت التقرير إلى ارتفاع إجمالي الإنفاق الحكومي بمعدل طفيف بلغت نسبته 0.7 في المئة ليصل إلى 21.3 مليار دينار، في ظل تقليص الإنفاق الرأسمالي، بينما ارتفعت النفقات الجارية بنسبة 4.7 في المئة، ما يعزى جزئياً إلى الإجراءات المتعلقة بجائحة «كوفيد-19».
ويأتي ذلك في وقت ظلت احتياجات تمويل الميزانية مرتفعة في غياب موافقة البرلمان على إصدار قانون الدين العام الجديد بعدما انتهت صلاحية القانون السابق في أكتوبر 2017، أو القدرة على السحب من صندوق الأجيال القادمة، في وقت ظل صندوق الاحتياطي العام هو المصدر الوحيد للتمويل، مع اقتراب سيولته من النفاد.
وأوضح تقرير «الوطني» أن الانخفاض الحاد الذي شهدته أسعار النفط وانخفاض الإيرادات غير النفطية (وإن كان بمعدلات بسيطة) بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي، أديا إلى زيادة عجز الميزانية، إذ تراجع إجمالي الإيرادات في السنة المالية (2020 /2021) بنسبة 38.9 في المئة إلى 10.5 مليار دينار، بينما انخفضت عائدات النفط والغاز التي مثلت 83.6 في المئة من إجمالي الإيرادات، بنسبة 42.8 في المئة، بسبب انهيار أسعار النفط مع انخفاض سعر خام التصدير الكويتي بنسبة 29.3 في المئة على أساس سنوي إلى 43.5 دولاراً للبرميل في المتوسط، وتراجع إنتاج النفط 13.7 في المئة إلى 2.34 مليون برميل يومياً، على خلفية خفض «أوبك» وحلفائها لحصص الإنتاج.
تراجع الإيرادات
وذكر التقرير أنه من جهة أخرى، أثرت «كورونا» على الإيرادات غير النفطية التي تراجعت بنسبة 6.5 في المئة إلى 1.7 مليار دينار، كما تأثرت الضرائب والرسوم إذ انخفضت 10.6 في المئة على أساس سنوي، بعد ضعف أداء الشركات المحلية والأجنبية بسبب تداعيات الجائحة، والانخفاض الحاد في إيرادات رسوم الاستيراد بسبب انخفاض الواردات بشكل كبير بنحو 15.8 في المئة عام 2020.
ولفت إلى اتباع الإيرادات غير النفطية الأخرى الاتجاه نفسه، إذ انخفضت 2.6 في المئة، وسط انخفاض إيرادات الكهرباء والمياه 14.1 و8 في المئة على أساس سنوي على التوالي.
التعويضات العراقية
ونوه التقرير بأن التعويضات المدفوعة عن الغزو العراقي للكويت بقيت مستقرة نسبياً عند مستوى مليار دولار في السنة المالية (2020/2021)، إذ إن نحو 2.1 مليار من تعويضات الحرب مازالت مستحقة الدفع حتى نهاية يناير 2021.
وكشف التقرير ارتفاع النفقات الجارية بوتيرة قوية بينما انخفض الإنفاق الرأسمالي بشكل حاد، نظراً لتأثره سلباً بتقليص الحكومة للنفقات نتيجة لمشاكل توافر السيولة قصيرة الأجل.
وبيّن التقرير أنه رغم ذلك، وبالنظر إلى زيادة النفقات الجارية 3.8 في المئة إلى 19.4 مليار دينار، والتي تشكّل الغالبية العظمي من الإنفاق بنحو 91 في المئة، فقد دفعت إلى ارتفاع إجمالي الإنفاق بنسبة 0.7 في المئة على أساس سنوي إلى 21.3 مليار دينار، رغم أنه جاء أدنى من مخصصات الموازنة التقديرية.
وعزا سبب ارتفاع النفقات الجارية في السنة المالية (2020 /2021)، إلى النفقات المرتبطة بالجائحة، إذ خصصت الحكومة 0.5 مليار دينار من أموال الطوارئ لدعم تدابير احتواء الجائحة، كما اعتمدت ملحقاً للموازنة بقيمة 0.6 مليار لتسديد مكافآت الصفوف الأمامية، منوهاً بأنه وباستثناء هذين البندين، انخفضت النفقات الجارية فعلياً خلال العام الماضي بنحو 4.8 في المئة إلى 20 ملياراً.
تقليص النفقات
وأشار التقرير إلى محاولة الحكومة تقليص النفقات الجارية غير المرتبطة بالأجور، إذ انخفضت مشتريات السلع والخدمات بنسبة 10 في المئة لتصل إلى 2.9 مليار دينار، بينما انخفضت تكلفة توليد الكهرباء وتقطير المياه 11.3 في المئة إلى 1.4 مليار دينار، ما يعكس جزئياً تراجع أسعار النفط والغاز.
ولفت إلى تراجع توليد الكهرباء 0.4 في المئة عام 2020، وأنه باستثناء هذا البند، تراجعت المشتريات الحكومية للسلع والخدمات بنسبة 8.8 في المئة على أساس سنوي.
وكشف عن انخفاض تعويضات العاملين (38.1 في المئة من النفقات الجارية) بنسبة 1.8 في المئة إلى 7.4 مليار دينار، أي أقل من متوسط النمو للسنوات الثلاث الماضية والبالغ 4.1 في المئة.
ورجح أن يكون هذا التراجع انعكاساً لانخفاض رواتب الموظفين بعقود بنسبة 18.7 في المئة على أساس سنوي إلى 0.6 مليار دينار، ما قد يعزى لمغادرة الوافدين للبلاد، كما انخفضت العلاوات والبدلات التي تشكّل 57.6 في المئة من بند تعويضات العاملين 0.4 في المئة إلى 4.3 مليار دينار.
وكشف «الوطني» عن انخفاض دعم الوقود إلى حد كبير على خلفية انخفاض أسعار النفط والاستهلاك المحلي، وتراجع الأخير بسبب الإجراءات الاحترازية المرتبطة باحتواء الجائحة، بما في ذلك إغلاق المطار. كما تراجعت المنافع الاجتماعية بنسبة 11.7 في المئة، وانخفضت خدمات الرعاية الصحية في الخارج 18.9 في المئة إلى 0.4 مليار دينار.
ارتفاع المنح
ولفت التقرير إلى ارتفاع قيمة المنح، بما في ذلك التحويلات إلى المؤسسات العامة والهيئات المستقلة، والتي تمثل 25.5 في المئة من إجمالي الإنفاق بنسبة 3.8 في المئة، بينما قفزت النفقات الجارية الأخرى في السنة المالية (2020 /2021)، بسبب الإنفاق المرتبط بالجائحة (تخصيص 0.5 مليار دينار للإنفاق واعتماد ملحق للموازنة لصرف مكافآت الصفوف الأمامية بقيمة 0.6 مليار دينار).
وذكر أن الإنفاق الرأسمالي تضرر بشدة وسط ترشيد الحكومة للنفقات في ظل شح السيولة والقيود المفروضة على التنقل، ما أدى إلى تأخير أو إعادة تقييم أو إلغاء بعض المشاريع، إذ انخفض الإنفاق الرأسمالي 24.3 في المئة إلى 1.7 مليار دينار، أي أقل بنحو 75 في المئة عن مخصصات الموازنة التقديرية للعام بأكمله.
استنفاد السيولة
وأوضح تقرير «الوطني» أن العجز المتراكم خلال السنوات السبع الماضية، أدى إلى استنفاد سيولة صندوق الاحتياطي العام تقريباً، إذ بلغ إجمالي السحوبات 41 مليار دينار منذ السنة المالية (2015 /2016).
وكشفت تقارير ديوان المحاسبة أخيراً عن تراجع صافي أصول صندوق الاحتياطي العام إلى 9.6 مليار دينار بنهاية عام 2020، وأنه بنهاية مارس 2021، وصلت السيولة المتاحة إلى نحو 1.6 مليار دينار.
ونوه باتخاذ الحكومة إجراءات عدة خلال السنة المالية (2020 /2021) لتقليص معدل نفاد سيولة الصندوق وضمان توافرها، ومن ضمنها وقف التحويلات إلى صندوق الأجيال القادمة ومقايضة الأصول مع صندوق الاحتياطي العام (نحو 7.5 مليار دينار)، إلا ان ارتفاع أسعار النفط منذ بداية عام 2021 ساهم في تخفيف الضغوط التي يتعرّض لها صندوق الاحتياطي العام.
فجوة تمويلية يصعب سدادها
أوضح تقرير «الوطني» أن ميزانية السنة المالية (2021/2022)، التي أقرها مجلس الأمة في يونيو الماضي، ستؤدي إلى حدوث فجوة تمويلية سيكون من الصعب سدادها دون ارتفاع الديون أو السحب من صندوق الأجيال القادمة.
وتوقع أن يصل إجمالي الإنفاق إلى 23 مليار دينار أو أعلى بنسبة 6.9 في المئة عن ميزانية العام الماضي، مع زيادة 20 في المئة بمخصصات الإنفاق الرأسمالي إلى 3.5 مليار دينار، وزيادة الإنفاق الجاري بنسبة 4.9 في المئة.
ورجح أن تزيد الإيرادات على الجانب الآخر هامشياً بافتراض وصول سعر النفط إلى مستوى 45 دولاراً للبرميل في المتوسط، مع توقعات ببلوغ حجم الإنتاج 2.4 مليون برميل يومياً في المتوسط.
وبيّن أنه على هذا النحو، سترتفع الإيرادات النفطية إلى 9.1 مليار دينار، بينما ستبقى الإيرادات غير النفطية عند مستويات متواضعة بنحو 1.8 مليار دينار، مقدراً عجز الموازنة رسمياً بنحو 12 مليار دينار، إلا أنه مع القرار الأخير الذي اتخذه مجلس الوزراء بخفض الإنفاق بنسبة 10 في المئة على الأقل، فمن المتوقع أن ينخفض العجز إلى 9.7 مليار دينار.
وتابع أنه على الرغم من ذلك، يتوقع ارتفاع أسعار النفط في نهاية المطاف عن السعر المفترض في الميزانية، ما سيؤدي إلى انخفاض العجز ليصل إلى نحو 5.2 مليار دينار أو ما نسبته 13.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.