مؤسسات دولية «ترشد» حكومة لبنان إلى خريطة «الإنقاذ» الصعب

عاد زخم المؤسسات الدولية قوياً ومتدفقاً عبر تقارير أولية تخص لبنان، من بنوك عالمية وشركات تقييم ائتماني مهتمة بمواكبة التطورات المالية والاقتصادية في أعقاب انطلاق الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي والتي يُرتقب ان تحظى بثقة عريضة من مجلس النواب غداً الاثنين، ويُتوقع انخراطها سريعاً في معاودة صوغ خطة الانقاذ والتعافي توطئة لخوض مفاوضات جديدة مع ادارة صندوق النقد الدولي ودائني الدولة الأجانب.

ويأمل اقتصاديون ومصرفيون محليّون تحويل هذه العودة «ميمونة» عن طريق اعتماد معالجات تتسم بالصدقية والجدية ضمن مسار طويل يتعدّى حكماً الإطار الزمني الذي يحدد عمر الحكومة الحالية بنحو ثمانية أشهر تنتهي مع اكتمال تجديد السلطة التشريعية وفق موعد استحقاق الانتخابات النيابية المقرر في أوائل مايو 2022. ذلك ان الحكم استمرار، وبالتالي فإن الاتفاقات مع أي جهة خارجية يكون على عاتق الدولة ككيان دائم وليس على مسؤولية سلطة بعيْنها.

وفي إشارات ذات أبعاد دولية مسبقة بشأن معالم خريطة الطريق، رأت وكالة «موديز» أنّ تشكيل الحكومة يشكّل خطوة أولى فقط نحو وقف الإنهيار الإقتصادي وإعادة هيكلة الدين ونقل البلاد نحو نموذج نموّ أكثر إستدامة يركّز على الإنتاج المحلّي، مبيّنة أنّ «وضع لبنان السيّء قد تفاقم نتيجة إستنزاف إحتياطاته بالعملة الأجنبيّة مع إشتراط صندوق النقد الدولي تنفيذ عدّة إصلاحات قبل الإفراج عن أيّ مساعدات بحيث تتضمّن هذه الإصلاحات تطوير أنظمة الحوكمة والبدء بالتدقيق في حسابات مصرف لبنان والمؤسّسات التابعة للدولة اللبنانيّة وتصحيح الماليّة العامّة عبر إعادة هيكلة الدين وإلغاء تعدّد أسعار الصرف وتطبيق قيود رسميّة على تحويل الرساميل».

وعدت وكالة التقييم الائتماني الدولية خطّةَ التعافي التي قدمتها الحكومة السابقة نقطةَ إنطلاق لأي عملية إصلاح، بعدما حظيت، بشكل كبير، على موافقة صندوق النقد الدولي. لكنها لاحظت في المقابل أن الحاجات التمويلية ارتفعت كثيراً عن طلب برنامج معونة بنحو 10 مليارات دولار تتوزع دفعاته على خمس سنوات، بعدما بات لبنان يعاني إحدى أسوأ الأزمات الإقتصاديّة دوليّاً خلال القرن الماضي، وهو ما يترافق مع إنكماش الناتج المحلّي الإجمالي من 55 مليار دولار في العام 2018 إلى 33 مليار دولار في العام 2020 وتدهور سعر صرف العملة المحليّة بأكثر من 90 بالمئة ما أطاح بالقدرة الشرائيّة الحقيقيّة للمواطنين، وإرتفاع معدّلات الفقر من 42 بالمئة في العام 2019 إلى 82 بالمئة في العام 2021.

واذ وعدت بإمكان الإقرار بتحسّن تصنيف لبنان في حال تمّت معالجة مشكلة إستدامة الدين والعودة إلى النموّ الإقتصادي وإستقرار الأسعار وتحقيق فوائض أوليّة متكرّرة، فقد حذرت من تعرّض جهود الحكومة في تغيير الوضع الإقتصادي للخطر سنداً الى سجلّ لبنان الضعيف في تطبيق الإصلاحات. علماً ان الخطة السابقة قدّرت خسائر القطاع المالي بنحو241 تريليون ليرة، مقوَّمة بسعر صرف يبلغ 3.5 آلاف ليرة الواحد، على أن توزّع هذه الخسائر على مختلف الأطراف المشاركة بحيث ستفوق خسائر حاملي سندات الدين الدولية نسبة 65 بالمئة ما يبرّر تصنيف لبنان عند “C”.

من جهته، أشار «معهد التمويل الدولي» إلى أن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة هي أفضل الحلول الممكنة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها البلاد، آملاً بأن تتخذ هذه الحكومة مزيداً من الخطوات لوقف التدهور ووضع الأسس اللازمة للانتعاش الاقتصادي، ولافتاً النظر إلى أن قيمة الليرة اللبنانية ارتفعت بنسبة 18 في المئة مقابل الدولار في السوق الموازية بعد الاعلان عن التشكيلة الحكومية.

وعلى الرغم من المسحة التفاؤلية التي عبّر عنها المعهد حول تشكيل الحكومة، فقد جاء تقريره الذي حمل عنوان «لبنان: تفاؤل حذر وتحديات رهيبة» ليُظْهِر استمرار وجود شكوك أو حالة من عدم اليقين حول إمكان التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لانتشال الاقتصاد من أزمته الحالية، مشيراً إلى أن الحكومة قد تفشل في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية الأساسية، ومشدداً على الحاجة إلى برنامج إصلاح شامل لمعالجة اختلالات الاقتصاد الكلي والاختناقات الهيكلية للخروج من الأزمة الحالية، كذلك التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والبنك المركزي حول الأرقام قبل استئناف المفاوضات مع صندوق النقد.

بدوره، لفت قسم الأبحاث الدوليّة في «بنك أوف أميركا» إلى ان تشكيل الحكومة الذي طال إنتظاره 13 شهراً من الفراغ، سيؤمّن بعض الإستقرار الإقتصادي ويتيح الفرصة للبدء بمحادثات مع الدائنين الدوليين. إلّا «أنّ وجود عوامل كالسجّل التاريخي الضعيف وقرب الإنتخابات النيابيّة والتأثير القوي للطبقة السياسيّة قد يطيح بفرص القيام بإصلاحات جوهريّة ما سيحدّ من أي إرتفاع ممكن في أسعار سندات لبنان السياديّة».

وأشار إلى أنّ الوزراء يتمتعّون بدعم سياسي واضح، منوها بأنّ تعيين المدير التنفيذي للعمليّات الماليّة في مصرف لبنان كوزير مال قد يساعد في توحيد وجهات النظر بين وزارة المال ومصرف لبنان حيال المفاوضات مع صندوق النقد. لكن إنهماك الحكومة بالتحضير للإنتخابات النيابيّة المقبلة قد يخفّف من فرصة إنجاز إتّفاق شامل مع صندوق النقد الدولي، إلاّ أنّ هذه الوتيرة قد تتسارع بعد هذه الإنتخابات”.

وقد توقّع التقرير أن ينحصر عمل هذه الحكومة بشكل أساسي بتحقيق بعض الإستقرار الإقتصادي وإدارة البطاقة التمويليّة والبدء بمفاوضات مع المانحين الدوليين، مبيّناً أنّ لبنان تحت وطأة مجموعة من الأزمات المتزامنة سواء على صعيد ميزان المدفوعات أو الماليّة العامّة أو الدين العام أو القطاع المصرفي أو على الصعيد الإجتماعي ما إنعكس من خلال إنكماش الناتج المحلّي الحقيقي بنسبة 20 بالمئة والتضخّم المفرط وتدهور سعر صرف العملة المحليّة وإنقطاع المواد الأساسيّة والهجرة وإفقار الشعب.

أمّا على الصعيد المالي، فقد أشار بنك أوف أميركا إلى أنّ عمليّة تحويل الودائع إلى الليرة اللبنانيّة قد تستغرق سنوات كما أنّ خسائر مصرف لبنان قد إرتفعت بشكل كبير منذ الفصل الثالث من العام 2019، لافتاً الى أنّ التراجع في عجز الموازنة مردّه إلى إنخفاض النفقات الأساسيّة بشكل كبير والفوائد المستحقة على الدين العام، بما يشمل الدين الخارجي أو تلك المترتّبة على دين مصرف لبنان.

شاهد أيضاً

ما هي إشارات التداول ومن المستفيد منها؟ خبراء أكسيا يجيبون

إن إشارات التداول تعد من الأساسيات التي تساعد المتداول على تحقيقأهداف خطته الاستثمارية والتمتع بتجربة …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.