يعتقد العلماء أن مستقبل البشرية الخالي من الخوف من “كوفيد-19″، يعتمد على الأجسام المضادة المنتشرة وخلايا الذاكرة البائية (خلايا الذاكرة B).
وتصل الأجسام المضادة المنتشرة في الدم إلى ذروتها فور الإصابة بفيروس كورونا الجديد أو تلقي لقاح، ولكنها تبدأ في الضعف بعد بضعة أشهر.
وفي المقابل يمكن لخلايا الذاكرة البائية البقاء لمنع المرض الشديد لعقود. وهي تتطور بمرور الوقت، وتتعلم إنتاج “أجسام مضادة للذاكرة” أكثر فعالية وتكون أفضل في تحييد الفيروس وأكثر قدرة على التكيف مع المتغيرات.
وتنتج لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) لـ”كوفيد-19″ كميات أكبر من الأجسام المضادة المنتشرة مقارنة مما يحدث بالعدوى الطبيعية.
ومع ذلك، وجدت الدراسة الجديدة أن خلايا الذاكرة البائية الناتجة عن التطعيم بلقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) والعدوى الطبيعية ليسا متماثلين.
وبينما يؤدي التطعيم إلى ظهور خلايا ذاكرة بائية تتطور لبضعة أسابيع فقط، فإن العدوى الطبيعية تولد خلايا ذاكرة بائية، بعد التعافي، تستمر في التطور على مدى عدة أشهر، ما ينتج أجساما مضادة قوية للغاية قادرة على القضاء حتى على المتغيرات الفيروسية.
وتسلط النتائج الضوء على الأفضلية التي تمنحها العدوى الطبيعية مقارنة بالتطعيم، لكن الباحثين يحذرون من أن فوائد خلايا الذاكرة البائية القوية لا تفوق مخاطر العجز والوفاة من “كوفيد-19”.
ويقول البروفيسور ميشيل (سي) نوسينزويغ، رئيس مركز أبحاث المناعة الجزيئية في جامعة روكفلر بالولايات المتحدة إن اللقاح يمكنه فعل ذلك، حيث أنه يقي من خطر الإصابة بأمراض خطيرة أو الوفاة من العدوى.
وعندما يدخل أي فيروس إلى الجسم، تقوم الخلايا المناعية على الفور بإخراج جحافل من الأجسام المضادة المنتشرة، وهي بمثابة جنود المشاة في جهاز المناعة، وتقوم هذه الأجسام المضادة المنتشرة، ببذل قصارى جهدها وتنخفض بمرور الوقت بمعدلات متفاوتة اعتمادا على اللقاح أو العدوى، وقد تحمينا لأشهر أو سنوات ولكنها تتضاءل بعد ذلك في العدد، ما يسمح بإمكانية الإصابة مرة أخرى.
ويمتلك الجهاز المناعي خطة احتياطية، وهي خلايا الذاكرة البائية التي تعيش أكثر من الأجسام المضادة المنتشرة لإنتاج ما يسمى بأجسام الذاكرة المضادة التي توفر حماية طويلة الأمد.
وتشير الدراسات إلى أن خلايا الذاكرة البائية للجدري تدوم 60 عاما على الأقل بعد التطعيم، وتلك الخاصة بالإنفلونزا الإسبانية، ما يقارب القرن.
وعلى الرغم من أن خلايا الذاكرة البائية لا تمنع بالضرورة العدوى مرة أخرى، فإنها يمكن أن تمنع الإصابة بأمراض خطيرة.
وأشارت الدراسات الحديثة إلى أنه في غضون خمسة أشهر من تلقي لقاح أو التعافي من عدوى طبيعية، لم يعد البعض يحتفظ بأجسام مضادة منتشرة كافية لإبقاء فيروس كورونا الجديد بعيدا، لكن خلايا الذاكرة البائية تظل يقظة. ومع ذلك، لم يعرف الباحثون حتى الآن ما إذا كان من المتوقع أن توفر اللقاحات نوعا من الاستجابة القوية لخلايا الذاكرة البائية التي تظهر بعد الإصابة الطبيعية.
وقام فريق البحث بمقارنة وتحليل عينات الدم من المرضى الذين يتعافون من “كوفيد-19” مع عينات من الأشخاص الذين تم تطعيمهم بلقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA).
وكان عدد خلايا الذاكرة البائية مشابها لبعضه البعض. وعندما تم إعطاء لقاح mRNA، تطورت خلايا الذاكرة البائية بسرعة وأنتجت المزيد من الأجسام المضادة حتى قبل الجرعة الثانية. ومع ذلك، بعد شهرين، توقف هذا التطور.
وعلى الرغم من أن عددا كبيرا من خلايا الذاكرة البائية لا يزال ينتج أجساما مضادة، إلا أن الأجسام المضادة لم تصبح أقوى بشكل عام.
وأظهرت بعض الأجسام المضادة أيضا القدرة على تحييد طفرات مثل دلتا، لكن عدد هذه الأجسام المضادة لم يزدد.
وفي المقابل، في المرضى الذين يتعافون من العدوى، استمر نمو خلايا الذاكرة البائية وتحسين الفعالية حتى عام لاحق.
ونتيجة لذلك، أنتجت جميع خلايا الذاكرة البائية أجساما مضادة تتذكر بشكل أفضل الفيروس التاجي الجديد وتتمتع بفعالية معادلة فائقة.
ويوضح الباحثون إن هناك العديد من الأسباب المحتملة التي تجعل من المتوقع أن تتفوق خلايا الذاكرة البائية الناتجة عن العدوى الطبيعية على تلك التي تنتجها لقاحات mRNA.
ومن الممكن أن يستجيب الجسم للفيروسات التي تدخل عبر الجهاز التنفسي بشكل مختلف عن تلك التي يتم حقنها في أعلى أذرعنا. أو ربما يقوم فيروس سليم بتحفيز الجهاز المناعي بطريقة لا يستطيع بها البروتين الشائك الوحيد الذي يمثله اللقاحات.
كما أنه ربما يكون الفيروس الموجود في المصابين بشكل طبيعي لأسابيع، هو ما يمنح الجسم مزيدا من الوقت لشن استجابة قوية.