أفادت وكالة موديز للتصنيف الائتماني بأن التأخير المستمر المدفوع باعتبارات سياسية في تنفيذ الإصلاحات بالكويت، مثل إدخال ضريبة القيمة المضافة ومراجعة أجور القطاع العام على وجه الخصوص، يؤثر في فعالية السياسة المالية في الكويت، متوقعة أن يظل العجز المالي واسعاً حتى مع تعافي أسعار النفط.
ولفتت الوكالة إلى أن العلاقة المتوترة بين الحكومة ومجلس الأمة امتدت لتشمل قضايا التمويل في السنوات الأخيرة، حيث أدى استمرار المأزق في شأن قانون الدين العام الجديد والاستفادة من أصول صندوق الأجيال القادمة إلى إثارة أزمة السيولة ومخاطر عدم سداد السندات الحكومية.
وأكدت أن احتمال مواصلة السلطتين التنفيذية والتشريعية تقديم تدابير مجزأة فقط سيجعل عدم اليقين في شأن وضع التمويل على المدى المتوسط مستمراً، طالما أن الحكومة تعاني من عجز مالي، موضحة أنه كلما طال المأزق التشريعي، زادت المخاطر المتعلقة بالسيولة، والتي قد تنشأ من استنزاف الموارد السائلة المتاحة وعدم قدرة صندوق الاحتياطي العام على تحصيل الأموال قبل تواريخ استحقاق السندات الكويتية.
ولفتت «موديز» إلى أن الحكومة اقترحت تشريعات جديدة لتوسيع خيارات التمويل، لكن مشاريع القوانين قد تستمر في مواجهة مقاومة مجلس الأمة، منوهة إلى أنه من الناحية الإيجابية، قد يؤدي إصدار التشريعات التي ترسي الإصلاحات المالية وتوسع خيارات التمويل الحكومية إلى زيادة مرونة المالية الحكومية وتقليل مخاطر السيولة.
وأضافت «على وجه الخصوص، قد يؤدي تطبيق ضريبة القيمة المضافة والضرائب غير المباشرة إلى توسيع قاعدة الإيرادات الحكومية وإلى تحسين هيكلي في التوازن المالي، وفي الوقت نفسه تمتلك الكويت مخزوناً هائلاً من الأصول السيادية في صندوق الأجيال القادمة، والذي يتجاوز بكثير الناتج المحلي الإجمالي والديون الحكومية»، لافتة إلى أنه في حين أن الأصول وإيرادات الاستثمار التي يولدها صندوق الأجيال محصنة حالياً من الميزانية العامة بموجب القانون، يمكن تقليل تحديات التمويل التي تواجه الكويت من خلال تعديل القوانين للسماح بالوصول إلى أصول الصندوق لأغراض الموازنة العامة، وهو ما اقترحته الحكومة في مشروع قانون قدمته إلى مجلس الأمة، وبالتالي، فإن العقبات التي تواجهها الكويت لحل مشكلة السيولة في الأساس عقبات سياسية، وليست متعلقة بعوامل خارجية.
ثروة استثنائية
وبينت أن الوضع الائتماني للكويت مدعوم بالثروة الاستثنائية التي تتمتع بها، حيث تتجاوز أصول صناديق الثروة السيادية بشكل كبير الناتج المحلي الإجمالي والديون الحكومية، إضافة إلى احتياطيات النفط والغاز الهائلة فيها، ومستويات الدخل المرتفعة للغاية، موضحة أنه مقابل نقاط القوة هذه، هناك العلاقة المنقسمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية التي تعوق تشكيل السياسة، وتقوّض قدرة الدولة على التكيف مع الصدمات، وتزيد من تحديات السيولة، فضلاً عن التوترات الجيوسياسية الإقليمية.
وأشارت «موديز» إلى أن نقاط القوة الائتمانية للكويت تتمثل بالثروة النفطية الكبيرة، وارتفاع مستوى دخل الفرد للغاية، لكن التحديات الائتمانية التي تواجهها تتمثل بالاعتماد الكبير جداً على قطاع النفط والغاز وما يرتبط به من تقلبات اقتصادية كلية، والضعف المؤسسي الذي يتضح من بطء التقدم في الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وأزمة السيولة المستمرة في ظل عدم وجود إستراتيجية تمويل متينة، مبينة أنه في حين أن قضايا السيولة ذات أهمية خاصة على المدى القريب، فإن المخاطر على المدى المتوسط متوازنة على نطاق واسع، كما يتضح من النظرة المستقبلية المستقرة.
رفع وخفض التصنيف
من ناحية ثانية، أفادت «موديز» بأن أي دليل على التحسن المستمر في قوة المؤسسات والحوكمة في الكويت قد يرفع التصنيف الائتماني للبلاد، مبيناً أن ذلك قد ينشأ إذا أصبحت العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة أكثر إنتاجية بحيث تؤدي إلى تشكيل سياسة أكثر سلاسة ويمكن التنبؤ بها بشكل أكبر، مع فعالية أكبر للسياسة المالية، ما يفضي بدوره إلى زيادة قدرة الحكومة على الاستجابة للصدمات.
وتابعت «رغم أنه مستبعد على المدى القصير، إلا أن أي تقدم يطرأ على خطط التنويع المالي الذي يقلل من اعتماد الحكومة على عائدات النفط والتقلب المرتبط بالميزان المالي من شأنه أن يدعم أيضاً رفع تصنيف الكويت. وبالنظر إلى التقدم البطيء في التنويع الاقتصادي الذي يسبق ذلك عادة، فمن المرجح أن تأتي مثل هذه الإصلاحات المالية الداعمة للائتمان نتيجة للسماح بدمج إيرادات الاستثمار من صندوق الأجيال القادمة في إيرادات الموازنة العامة».
أما بالنسبة للعوامل التي قد تؤدي إلى تخفيض تصنيف الكويت، فذكرت «موديز» أن أي زيادة في مخاطر السيولة، لا سيما وأن موعد سداد السندات الدولية الحكومية اقترب، قد يؤدي إلى خفض التصنيف، وربما بأكثر من درجة واحدة إذا كان هناك خطر مادي لعدم السداد، حتى لو لم يواجه المستثمرون أي خسائر في النهاية، بالنظر إلى الهوامش الوقائية لصناديق الثروة السيادية الكبيرة للحكومة، كما من المحتمل أيضاً أن تخفض الوكالة التصنيف إذا أدى ضعف القوة المالية للحكومة على المدى المتوسط إلى زيادة حادة في الدين الحكومي.
نقاط قوة
حددت «موديز» درجة القوة الاقتصادية للكويت عند درجة «a2»، وهي أعلى من الدرجة الأولية «baa3»، لتعكس المستويات المرتفعة جداً لدخل الفرد في البلاد، فضلاً عن الثروة النفطية الهائلة.
وحسب الوكالة، تمتلك الكويت حتى الآن أكبر نسبة من احتياطيات النفط المؤكدة إلى الإنتاج بين دول مجلس التعاون الخليجي، وهي كافية لتستمر نحو 90 عاماً بالمعدل الحالي للإنتاج، إلى جانب تكاليف الإنتاج المنخفضة نسبياً، ما يتيح لموارد الدولة الهيدروكربونية أن تكون المحرك طويل الأجل للدخل والثروة.
وبينت أنه مع ذلك، فإن اقتصاد الكويت أصغر من اقتصادات دول الخليج الأخرى المصدرة للنفط، حيث إلى جانب اعتماده الأكبر على قطاع النفط والغاز، فإنه يؤدي إلى نمو اقتصادي وناتج محلي إجمالي اسمي يميل إلى أن يكون أكثر تقلباً من أقرانها.
في السياق ذاته، حددت الوكالة تقييم مؤسسات الكويت وقوة الحوكمة عند درجة «ba2»، مشيرة إلى أن بعض جوانب الإطار المؤسسي وفعالية الحكومة شهدا ضعفاً كما يتضح من التدهور المطرد في تصنيفات الكويت على مؤشرات الحوكمة الدولية على مدى العقد الماضي، وعدم القدرة على تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية المخطط لها أخيراً.
الأصول السيادية تغطي 300 في المئة من الناتج
بينت «موديز» أن تقييمها للقوة المالية للكويت عند درجة «AAA» يأخذ في الاعتبار عبء الدين الحكومي المنخفض للغاية، والسيولة المالية الضخمة بشكل غير عادي في شكل أصول تديرها الهيئة العامة للاستثمار، وبناءً على تقديراتها التي ترى أن نسبة الشفافية هي 25 في المئة، تكفي أصول الثروة السيادية في الكويت لتغطية نحو 300 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتقيّم «موديز» مخاطر الضعف والحساسية الخارجية للكويت عند درجة «aa»، مشيرة إلى أن الاحتياطيات الضخمة من العملات الأجنبية التي يحتفظ بها بنك الكويت المركزي والمخزون الكبير جداً من الأصول الأجنبية التي تحتفظ بها «هيئة الاستثمار» تحتوي على مخاطر خارجية بشكل كبير.
15 في المئة من الناتج عجزاً متوقعاً
توقعت الوكالة أن تحقق الكويت فوائض كبيرة في الحساب الجاري في المستقبل المنظور بموجب افتراضاتها الحالية لأسعار النفط، وأن يتقلص العجز المالي إلى نحو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2021/ 2022، وذلك لتعافي أسعار النفط منذ عام 2020 بشكل رئيسي، مرجحة زيادة العائدات الهيدروكربونية بنحو 65 في المئة وارتفاع العائدات غير النفطية بشكل طفيف مع تخفيف القيود المتعلقة بفيروس كورونا واستمرار عودة النشاط الاقتصادي إلى طبيعته.
وتابعت «مع ذلك، لاتزال مستويات الإنفاق المرتفعة تقيّد نطاق حدوث تحسن أكبر في المالية العامة، أما بالنسبة لهدف الحكومة بخفض الإنفاق بنسبة 10 في المئة على الأقل مقارنة بالمبلغ المدرج في الميزانية، فتعتقد (موديز) أن قدرة الحكومة على تحقيق ذلك محدودة، ما سيجعل العجز المالي في الكويت من بين أوسع العجوزات المالية بين الدول التي تصنفها الوكالة».
ضوابط «المركزي» الحصيفة تنعكس استقراراً بالنظام المصرفي
اعتبرت «موديز» أن إدارة السياسة النقدية في الكويت تتسم بالمصداقية والفعالية، كما يتضح من مستويات التضخم المنخفضة والمستقرة نسبياً منذ التحول من ربط العملة بالدولار إلى ربط الدينار بسلة عملات غير معلنة، مشيرة إلى أن ضوابط وقواعد بنك الكويت المركزي تعتبر قوية وحصيفة بشكل عام، وينعكس ذلك في الاستقرار المالي للنظام المصرفي خلال فترات تقلبات الاقتصاد الكلي.
من ناحيته، يعكس تقييم مخاطر القطاع المصرفي في الكويت عند baa العدوى المحدودة التي يشكلها القطاع على الميزانية العمومية للحكومة والملف الائتماني، على الرغم من حجمه الكبير. ويدعم ذلك السجل الحافل من الاستقرار المالي، والرسملة والسيولة العالية التي تتمتع بها البنوك، إضافة إلى قوة مخصصات القروض المتعثرة.