في الوقت الذي تعرضت فيه غالبية الشركات حول العالم لخسائر كبيرة بسبب تداعيات فيروس كورونا، استفادت الجمعيات التعاونية وبالطبع الأسواق المركزية الغذائية والاستهلاكية عموماً من الأزمة الناجمة عن انتشار الوباء بتحقيق أرباح وتكوين مستويات سيولة نقدية لم تكن متوقعة.
ومحاسبياً يمكن القول إن الجمعيات التعاونية في الكويت تحقق مستويات عالية جداً من المبيعات، فيكفي الإشارة إلى أن هناك 68 جمعية تعاونية و270 فرعاً تبيع سنوياً بمبالغ تعادل 1.6 مرة أرباح البنوك الكويتية المعلنة عن الأشهر الـ9 الأولى من العام الجاري والبالغة 624.4 مليون دينار، وبما يقارب 1.2 مرة من أرباح 158 شركة مدرجة «من أصل 167»، أعلنت نتائجها عن هذه الفترة بأرباح وصلت لنحو 800 مليون باستثناء أرباح «أجيليتي».
لحظة بلحظة
ورقمياً تقارب مبيعات الجمعيات التعاونية سنوياً مليار دينار، وتصل سيولتها النقدية في بعض الفترات لنحو 400 مليون، ما يجعلها من مراكز الأموال والاستثمار الرئيسية، فما هي قصة هذه السوق الضخمة وكيف تُدار فيها هذه المستويات العالية من إيرادات الأموال المتدفقة لحظة بلحظة؟ وهل تطبق هذه الكيانات قواعد الحوكمة حماية لنظامها الكبير، ومساهميها، وأولها الفصل بين مجلس الإدارة والمدير العام؟
من حيث المبدأ، يشار إلى أن المحاولة الأولى لإنشاء حركة تعاونية كانت مدرسية وجاءت من مدرسة المباركية عام 1941، تلاها إنشاء جمعية استهلاكية خاصة لموظفي دائرة الشؤون الاجتماعية في 1955، وجمعية تعاونية خاصة بموظفي دائرة المعارف.
أما التعاون الاستهلاكي بشكله الحالي فبدأ بصدور القانون رقم (20) لسنة 1961 في منطقة كيفان، ثم تتابع إنشاء الجمعيات التعاونية، وتم تشكيل اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية في 1971، كخطوة للتنسيق بين مختلف الجمعيات التعاونية، وفي عام 1979 تم إصدار مرسوم بقانون رقم (24) لعام 1979 في شأن الجمعيات التعاونية والذي تم تعديله بالقانون رقم (118) لعام 2013.
ملكية جماعية
وعلى ذلك يكون التعريف بالجمعيات التعاونية هي جماعة مستقلة من الأشخاص يتحدون اختيارياً لتلبية احتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتطلعاتهم المشتركة من خلال الملكية الجماعية لمشروع تتوافر به ديموقراطية الإدارة والرقابة.
وبلغ إجمالي عدد الاتحادات والجمعيات التعاونية 75 مقسمة إلى 68 جمعية استهلاكية، و3 جمعيات إنتاجية زراعية وجمعيات تعاونية حرفية للسدو، والجمعية التعاونية لموظفي الحكومة الكويتيين للادخار، فضلاً عن اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية واتحاد الجمعيات الزراعية.
وحسب أقرب الاستعراضات المالية الرسمية يتبين أن أبرز البنود المالية الإجمالية للاتحادات والجمعيات التعاونية يمكن توزيعها في 9 بنود رئيسية تشمل المبيعات التي تقارب مليار دينار، ثم الإيرادات، وتتضمن إيجارات الفروع المستثمرة والدعوم والبضاعة المجانية وخصم المكتب وإيرادات الودائع والإعلانات والعروض وتقارب 150 مليوناً.
كيانات تجارية
أما البند الثالث فيتضمن ربح المتاجر ويقارب 90 مليوناً تليه مصاريف وأعباء أخرى بنحو 175 مليوناً، وصافي ربح بنحو 60 مليوناً، فيما تظهر البيانات المالية أن الجمعيات التعاونية تدفع سنوياً نحو 17 مليوناً رسوماً لأملاك الدولة، وقرابة 3.8 مليون تكلفة كهرباء وماء، ونحو 600 ألف دعماً للمحافظات، وزكاة تقارب 2.5 مليون.
ومحاسبياً تُظهر هذه البنود من حيث نوعيتها وقيمتها المالية أهمية هذه الكيانات التجارية، التي تتمتع بمستويات عالية من السيولة النقدية سواء الموجودة في الصندوق أو بالبنوك في شكل ودائع وحسابات جارية، والتي وصلت حسب استعراض الأرقام أمام جهات رسمية لنحو 400 مليون دينار، نصفها تقريباً كان عبارة عن سيولة نقدية صافية.
لكن المفارقة أن معدلات السيولة النقدية تختلف من جمعية تعاونية لأخرى، ففي حين تصل بإحدى الجمعيات إلى 20 مليوناً يمكن أن تسجّل بالسالب بالملايين في جمعية أخرى، وهذا ما تم رصده بالفعل، وتم عزوه خلال الاستعراض الرسمي إلى انخفاض المبيعات وارتفاع المصاريف العمومية والإدارية لتلك الجمعيات، ولوجود مشاريع إنشائية فيها دون حجز مخصص مالي مناسب، علاوة على انخفاض الإيرادات مع وجود التزامات مالية ثابتة تجاه الجهات الحكومية متمثلة في إدارة أملاك الدولة بوزارة المالية ووزارة الكهرباء والماء ودعم المحافظات والزكاة.
قوانين منظمة
وتجدر الإشارة إلى أنه وفقاً للقوانين والقرارات الوزارية المنظمة للعمل التعاوني لا يجوز للجمعيات التعاونية الاقتراض من البنوك أو من بعضها البعض.
وعودة إلى الأسئلة الرئيسية المطروحة، من الواضح أن القوانين المنظمة لإدارة أموال الجمعيات التعاونية تحتاج إلى تعديل، نتيجة الثغرات المالية العديدة الموجودة في النظام حالياً، والتي قد تستغل من البعض، مدفوعين بحركة السيولة العالية المتحققة من إيرادات الأموال المتدفقة بشكل مستمر.
فإذا كان باب العضوية اختيارياً ومفتوحاً لكل من تنطبق عليه الشروط الواردة بالقانون والنظام الأساسي للجمعيات، إلا أنه ليس بين هذه الشروط معايير خاصة يجب أن يتمتع بها عضو الجمعية التعاونية مثل عضو مجلس إدارة البنوك، رغم أن كليهما يعتبر صانع سياسة وإستراتيجية تستهدف ضمان الاستقرار وتحقيق ربحية مستدامة، بأفضل خدمة، مع مراعاة المنافسة المشتعلة محلياً.
ومن ثم، فإن هناك حاجة لرفع كفاءة واستقلالية مسؤولي الجمعيات التعاونية، فمن الواضح أن الثغرات الموجودة حالياً في النظام التعاوني تجعل إدارة الجمعيات التعاونية بمستوى عالٍ من الناحية المالية، لكن بنظام إداري يعاني تحديات في فهم حجم وقيمة الثروة المُدارة.
هذا ما ينقص الجمعيات من قواعد حاكمة:
1 – فصل الإدارة التنفيذية عن مجلس الإدارة. على أن يكون عقد المدير العام بعمر مجلس الإدارة ما لم يكن هناك ما يستدعي إنهاء خدماته، وذلك بخلاف الآلية المتبعة حالياً في أن يتم تعيين المدير العام لفترة عام تجدد بقرار من مجلس الإدارة.
2 – إعادة صياغة دور مجلس الإدارة.
3 – تطعيم الجمعيات التعاونية بأعضاء مستقلين من ذوي الخبرات.
4 – وضع آلية مركزية لتسعير وتقدير المواقع المخصصة للاستثمار والإيجار والأرفف وغيرها بحيث تحقق الآلية عدالة وتقلل من فساد يُرتكب أثناء التعاقد والتجديد.
5 – قيام وزارة الشؤون بإطلاق مؤشر شهري للأسعار يساعد المستهلكين في مقارنة الأسعار بين مراكز التسوق والجمعيات لأهم السلع والمنتجات الأساسية والضرورية.
6 – رقمنة جميع عمليات الجمعيات التعاونية سواء التي تندرج ضمن عمليات المبيعات أو المصاريف أو الاستهلاك والإيرادات، وأبرزها العروض المجانية والخصم المكتسب.
7 – إعادة تشكيل دور الجمعية في إدارة شؤون المنطقة في الجوانب التجميلية والتأهيلية والنظافة ودعم العملية التعليمية وغيرها ورفع يد الدولة عن إدارة بعض هذه الخدمات.
8 – تشجيع عمليات الخصخصة لبعض خدمات الجمعية مثل تأجير السوق المركزي والفروع وغيرها للقطاع الخاص.